«لم تكن لديّ أدنى فكرة عما تكونه مدرسة الدعاة والمحررين، ما هي، ومن الموحي بها؟»[2] . تطرح روزا هذا السؤال بشكل واضح ومحددة على لوفير كاوتسكي مبدية قلقها إزاء ماهية هذا المشروع المتحدث عن مدرسة لإعداد العمال وإزاء الطرف الموحي بها، الحال أن هذا المشروع يستجيب إلى واحدة من مواهبها الأكثر عمقا، ومزاياها التربوية التي نمت منذ المدرسة الثانوية، ثم خلال أول فصل مدرسي من حياتها تطالبه حين شاركت في زوريخ، في «الحلقة الفلسفية-التربوية»، هذه المزايا هي التي ستقودها إلى شغل هذه المهمة التي لن تقبل بها إلا بعد ترددٍ طويل لم ترسلها إثره «إلى التنزه إلى الأبد»[3] . إننا نلاحظ تحفظا كبيرا من لذتها، بل وشيئا من العداء إزاء فكرة احتمال تعاونها في هذا العمل الإعدادي في مدرسة الحزب وذلك قبل 6 أشهر فقط من قبولها المهمة. ونحن بامكاننا أن نلمح هذا الحذر في جواب لا يزال مجهولا حتى الآن، استشاره قرارٌ اتخذته لويز كاوتسكي وأبلغته إلى روما باعثة به إليها قبل أعياد الفصح في العام 1907. كانت لويز راغبة في وضع نفسها في تصرف الحزب كأستاذة للغة الفرنسية.
أما اللهجة التي نحسها في جواب روزا فيمكن إرجاعها إلى ثلاث أسباب. السبب الأول والأكثر أهمية ربما كان قطيعتها الراهنة مع ليو (بوجيشي)، الذي لم تكن بعد قد أعطته الحق. ولقد جعلتها تلك القطيعة سريعة الغيظ مما جعلها تمنع لويز من ذكر اسمها (أي اسم روزا) ف حضور ليو، والسبب الثاني ربما كان في أن لويز، التي ستلعب من الآن وصاعدا داخل حلقة أصدقاء روزا الخلص دورا تتزايد أهميته (إلى جانب خطيب روزا الجديد الشاب كوتستانتين زتكين)، قد أبدت عبر ذلك القرار شيئا من المبالغة في استقلاليتها. بيد أن الأمر كان يقوم في تعليم اللغة التي لم تكن روزا تتقنها بشكل تام رغم علاماتها الجيدة في المدرسة الثانوية. والسبب الثالث والأخير هو أن الكرسي التي طالب من أجلها هاينريش شولتز، خالق مدرسة الإعداد هذه ومديرها منذ افتتاحها في شتاء 1906 طالب بـ«ماركسي صلب، يتمتع بمعرفة تامة بالاقتصاد السياسي.»[4] هذا الكرسي لم يعرض عليها بل على الاشتراكي رودولف هيلفردنغ. وتقول روزا في رسالتها إلى لويز أن ما أغضبها «كوني لم أمنعك من تقديم خدماتك لشولتز من أجل تعليم الفرنسية. فالحقيقة أن تصرفك نابع من حبك للبشر مما سيجعلك تبذلين القليل من القوت الذين تتمتعين به».
قبل بضعة أيام من إعادة فتح المدرسة في شتاء 1907 حدث ما لم يكن متوقعا. فلقد تلقى هيلفردنغ وليس وحده فقط بل كذلك أستاذ آخر هو الهولندي أنطون بانكوك، تحذيرا من البوليس السياسي يقول بأنهما سيطردان من بروسيا، إذا ما «استأنفا نشاطهما في مدرسة الحزب». وهنا مرة أخرى تبدت هوية لوبك، أي الجنسية الألمانية، ثمينة للغاية. فبناء على توصية من كاوتسكي عُرض المنصب الخالي على روزا فقبلته. ولكن ليس دون ملاحظة سقراطية إذ قالت: «إنني لا أحفل بالمدرسة على الإطلاق، فأنا لم أُخلق لأكون معلمة مدرسة»[5] . أما القدر القليل من الاهتمام الذي أبدته فإنه لا يحتاج إلى أية تفسيرات إضافية. أما بصدد مواهبها كمعلمة مدرسة: من سيهتم بالأمر إن نحن فكرنا بمستوى المدارس الألمانية في ذلك الحين! ومع هذا لم تكن مدرسة الحزب آنذاك مدرسة متوسطة القيمة. ومن المؤكد أن روزا أحست بأنها بتعاونها ستكون أكثر روعة مما كانت حتى الآن.
إن لاشيء بامكانه أن يحدد دلالة ذلك النشاط الجديد الذي قامت به روزا بأفضل مما تقول هي نفسها عن الأمر، حين نتحدث عن تجربتها في السنة الدراسية أمام مندوبي مؤتمر نورمبورغ. ففي خطابها دافعت أمام مندوبي 600 ألف من أعضاء الحزب، عن المؤسسة التي كانت تكلف سنويا نحو 60 ألف مارك ذهبيا. لقد كان من الضروري تبرير تلك النفقات التي كان بعض الخطباء، ومن بينهم واحد من أسلافها في تحرير مجلة «فورورتز» إيزنر، قد أبدى انتقادات عديدة إزاء المؤسسة الجديدة وذلك خلال مناقشة التقرير حول نشاطات اللجنة الإدارية. روزا لم تحفل بحجج إيزنر. وموقفها آنذاك كان تكريما لكل مرب. «إذا كنت قد طلبت الكلام الآن فليس للاحتجاج الذي وجه لمدرسة الحزب. بل لأشكو من غياب نقد ملموس جدي. إن مدرسة الحزب مؤسسة جديدة بالغة الأهمية جديرة بأن ينظر إليها بعين الاعتبار، وبأن يوجه إليها نقد جدي». وتلا ذلك نقد ذاتي تقدمت به ومزاحٌ حول نفسها كان مفاجئا وأثار صخبا وضجة: فهي الثورية اعتبرت نفسها محافظة. إنه لمن المشكوك فيه أن يكون كثيرون قد فهموا حقيقة ذلك المزاح العميقة، أي وعي روزا بشيء من التصلب النابع من بيئتها. «إن علي أن أقر أنا نفسي بأنني في البداية لم أستقبل فكرة تأسيس مدرسة الحزب إلا بكثير من الحذر من جهة بسبب محافظة تلك المدرسة الجوانية (ضحك)، ومن جهة أخرى لأنني قلت لنفسي بأن حزبا مثل الحزب الاشتراكي الديموقراطي عليه أن يركز نشاطه الدعائي على التحرك المباسر بين الجماهير».
بعد ذلك أتى اعتراف ستكون له كل أهميته إن نحن فكرنا بالحجج التي أوردتها روزا في البداية وبتحفظاتها، اعتراف تكمن جدارته في كون الأستاذة-وقبل 50 سنة من اندلاع الثورات الطلابية-تلفتت إلى نقد الاختصاصيين أو إلى زملائها بل تعلن انتماءها إلى طلابها. «لقد أدى نشاطي في مدرسة الحزب إلى إزالة القسم الأكبر من شكوكي. ففي المدرسة نفسها وباحتكاكي الدائم مع الطلاب تعلمت كيف اقدر هذه المدرسة الجديدة حق قدرها، وقلت لنفسي باقتناع تام: إن لدي شعورا بأننا خلقنا هنا شيئا جديدا لم ندرك بعد كل نتائجه، شيئا جيدا سيكون مفيدا وثمينا بالنسبة إلى الحزب. مما لاشك فيه أن ثمة انتقادات شديدة لم توجه بعد، ومعجزة أن يكون الأمر غير هذا». وأتت روزا بعد ذلك على ما يشكل الأمر الجوهري في كل مؤسسة مدرسية، مسألة الطلاب أو التلامذة-والحديث هنا بالأحرى عن الطلاب وذلك لأن الذين كانوا يشتركون في الدورات كانوا بين 22 و40 سنة من العمر –وكذلك المشكلة الخالدة التي تواجه كل مرب، مشكلة البرنامج. «إذا رفضت كل اقتراح يتعلق بتغير في اختيار الطلاب، فإنني مع هذا أملك انتقادات شديدة أود أن أوجهها بصدد البرنامج –علما بأننا لاحظنا بوصفنا أساتذة روعة النتائج إلى درجة أنه لا يمكنني ثمني أفضل من هذا. ولا بد هنا من أن أقول بأن المكانة الأولى في البرنامج يجب أن تعطي لتاريخ الاشتراكية الدولية» (…). بعد ذلك تصل روزا إلى مسألة أكثر أهمية. فما الذي سيؤول غليه مصير الطلاب الذين سيكونون قد تابعوا دورات المدرسة؟ كيف سيتم توجيههم ما أن تنتهي دروسهم عبر تفادي مجابهة اللامبالاة الاجتماعية لهم من جهة وإغراء إثقالهم بالمهمات من جهة أخرى؟ «قد يحدث أن ترسل منظمات الحزب الطلاب إلى المدرسة كما يُرسل كبش المحرقة إلى الصحراء، – أي دون أي اهتمام حقيقي بما سيؤول إليه مصيرهم (بالتحديد) ودون أن يعرض عليهم ميدان عمل كاف. وهناك إضافة إلى هذا خطر آخر يكمن في أن تكثر الطلبات على طلاب المدرسة ما أن يعطون مركزا»[6] .
هاكم إذن ما حدث في مناقشات مؤتمر نورمبورغ. وينبغي أيضا أن نضيف بأن المشاركين في الدورات كانوا يعفون من كل عبء مالي، وهو أمر سياسي بالنسبة إلى أناس ينتمون إلى الشرائح الشعبية الأكثر حرمانا في المدن الكبيرة. فالدراسة والكتب لم تكن وحدها المجانية، بل كان يُعطى خلال السنة الأولى لـ 31 مشاركا الحق بشراء كتب بمبلغ 2000 مارك بأسعار منخفضة. «كذلك كان الحزب يتحمل نفقات إعالة المشاركين وأسرهم طوال فترة الدورة». هذا العدد لم يكن بالامكان «تجاوزه إلا في بعض الحالات الخاصة الاستثنائية بأن يصبح 31 أو 32». وعلى هذا النحو تم التخلص سلفا من خطر زيادة عدد المشتركين. بل وغالبا ما كانت الأماكن المتوفرة لا تمتلئ كلها فيبقى العدد ما دون الثلاثين تلميذا، وذلك لأن «نقابة التعدين» كانت تهمل إرسال المرشحين للأماكن العشرة الخالية التي خصصت منذ العام 1908 للاتحادات العمالية[7]. وهذا الأمر يمكن تفسيره إن نحن علمنا بأن حصة الأسد من التعليم الإجمالي الذي يصل إلى 777 ساعة، كانت من حصة الاقتصاد السياسي «250 ساعة» كانت تعطى لأستاذٍ ما أن ذكر مرة كنموذج أمام نقابات عمال الطباعة الألمان، نقابة عمال الطباعة الموسكوفية، حتى ننجح في ضرب «الإيمان بأسلوب الخطوات الصغيرة المقدس والموضوع سلفا». إن التشديد على دروس الاقتصاد المجردة ظاهريا، يظهر لنا إلى أي درجة كان الحزب الاشتراكي الألماني متقدما على كل معاصريه. بعد روزا بمسافة يأتي شولتز الذي كان يعلم لمدة 150 ساعة «الإنشاء الشفهي والكتابي والتقنية الصحفية». وبعده يأتي مهرنغ بـ 90 ساعة من التاريخ القديم والحديث، ثم «تاريخ التطور الاقتصادي» 80 ساعة يدرسه كانو الذي حل محل بانكوك. وكان للدروس الحقوقية مكانها أيضا. وكان سُتادت هاغن يحظى بـ 86 ساعة لتدريس «القانون العمالي والتشريع الاجتماعي، ووضع الخدم والقانون».. والدكتور هوغو هاينمن كان يُدرّس «القانون الجنائي والإجراءات الجنائية» خلال 46 ساعة، وخلال نفس الساعات كان الدكتور كورت روزنفلت يُدرّس «القانون المدني». أما الدكتور سيمون كاتزتشتاني فكان يُلقي سلسلة من المحاضرات حول السياسة البلدية خلال 46 ساعة. مقابل هذا لم يكن شتادت هاغن، الذي دخل المدرسة في نفس الوقت مع روزا لم يكن يتمتع بالنسبة إلى الدورة التي بدأت في 1 تشرين الأول 1907 حتى 1 آذار 1908 بسوى 28 ساعة يلقي خلالها محاضرات حول الفيزياء. وفي الدورات اللاحقة أصبح البرنامج مختلفا سواء في المحتوى أم في التوقيت، رغم أن روزا مثلا ظلت تعطي 240 ساعة من التاريخ الاقتصادي، والاقتصاد السياسي.
إنه لمن المهم أن نلاحظ بأن هذا المعهد الذي يذكرنا بكلية أمريكية حديثة كان يُدار بشكل جماعي من قبل مجموع الأستاذة، وكان يشترك في إدارته أيضا، بصفة استشارية، ممثل للطلاب وممثل للجنة الإدارية للحزب، وكان هذا المجلس يجتمع مرة في الشهر كمعدل عام، وكانت اللجنة الإدارية للحزب تستشار في مجموعها حين كان الأمر يتعلق بنتائج الدورة الماضية والإعداد للدورة اللاحقة، وكانت تستشار كذلك بالنسبة إلى القرارات الهامة ولاسيما القرارات المالية. ناهيك عن اجتماعات مع الطلاب كانت تنظم بين الحين والآخر. وهؤلاء الطلاب لم يكونوا يطالبون أحيانا بسوى «تحسينات صغيرة تتعلق بالتنظيم الداخلي أو الخارجي للدروس». ومع هذا يمكننا أن نقرأ الفقرة التالية في واحد من التقارير السنوية لمجلس الطلاب: «يتمنى البعض أن تزداد الساعات المخصصة للمواد النظرية: الاقتصاد السياسي، التاريخ، علم الاجتماع، وكذلك الدروس العملية المخصصة لتقنية الخطابة وللأسلوب وللصحافة، على أن تقلص في المقابل الساعات المخصصة للدروس الحقوقية وللسياسية البلدية».
«وفي مشروع برنامج الدورة الثالثة تم أخذ هذه الأمنيات جزئيا بعين الاعتبار». وفي فقرة أخرى يمكننا أن نقرأ: «لكي تؤخذ بعين الاعتبار مطالب الطلاب المتعددة التي تشكو من استخدام الوقت بشكل بالغ الكثافة، سيكون ثمة خلال الدورة الجديدة إضافة إلى يومين لا دراسة فيهما بعد الظهر، يوم ثالث حرٌ من الدراسة».
بمعنى أن الإصلاحات كانت تُجرى بناءا على طلب من الطلاب، إضافة إلى هذا بالنسبة إلى العمل الذي عليهم القيام به بعد الظهر، أو بالنسبة إلى تمارين الدورة، بوسعهم أن يطلبوا مساعدة أساتذتهم الذين جمعت دروسهم صباحا لهذا الغرض.
إن هذا لا يقول لنا شيئا حول القيمة الفعلية لهذه التجربة الاشتراكية الديموقراطية، ولا عن فضل روزا في هذا المجال. إن أحد لن يُدهش لدى علمه بان التقارير الرسمية للحزب كانت تعبر عن الرضاء الذاتي. لكن المفاجئ هو النظام الذي عبره كانت تقدم الشهادات على الرضى: «الطلاب، مجلس الأساتذة وإدارة الحزب كانوا في هذا العام أيضا، راضين عن نتائج الدورة». كما نقرأ في العام 1911.
أما المربي فإنه لن يُدهش إن سمع حديثا عن مناقشات عن نهاية الفصل/ مخيبة للآمال، وذكريات تقريظية وهي ذكريات شديدة الإبهام تبعا لما إذا كان من يوردها قريبا أو بعيدا عما يشهد عليه.
قبل أن تُرغم الحرب العالمية الحزب على إغلاق «مدرسة الحرب الاشتراكية» (كما دُعيت مدرسة الحزب مرة) طلب من روزا أن تلقي سلسلة من المحاضرات الخاصة أمام أصدقاء غير بروليتاريين، رغبت روزا في النكوص عن هذه المهمة وهي التي اعتادت أن تقرأ مع تلامذتها الآتين «من المصانع والمشاغل والمكاتب»، كما تكتب روزي ولفشتاين، الكتاب الأول من «رأس المال» وتعلق معهم على الكاتبين الآخرين. فضلت النكوص «لأنني»، كما كتبت إلى لويز «لست أتوقع سوى القليل من هذه الجلسات وإني لمنهكة بشكل رهيب. غير أن كورت روزنفلت سارع اليوم أيضا إلى المدرسة وسحقني، أنا المرأة الضعيفة، بحججه مرة أخرى. إن هذه الجلسات يجب أن تبدأ باكرا وذلك لأنه يبدو أن الدكتورة السيدة مارتا روزنبوم، والدكتور رودر وزوجته وقعوا فجأة في غرام رأس المال، وجودك سيكون راحة لي». وبصدد تفصيل تقني، وفرت روزا آنئذ دليلا على أنها تفهم، بكل ما لديها من حساسية بأن عليها ألا تفرض على لويز استماعا ثانيا. «على أي حال سوف أبدأ بأن أقرأ على هؤلاء السيدات والسادة، الدفتر الأول الشهير من دفاتر مجموعتي مدخل للاقتصاد السياسي، الذي سبق لي أن قرأته يوما أمام زوجا من الأصدقاء عند ضفاف بحيرة كانركانتون. ربما لم تكن لديك رغبة في تحمل هذه القراءة مرة ثانية. لذا سيكون من الأفضل لك أن تمتنعي عن حضور الدرس الأول».
إنه لمن قبيل الواقع التاريخي الهام أن نذكر بأن تلك الكلية الاشتراكية كانت تمارس بالفعل، وحتى خلال الدورات المنتظمة، نوعا من التعليم المشترك وأننا نعثر إلى جانب موظفي الحزب والنقابات، على بنّائين وزجّاجين وخشابين وعمال مناجم وعمال نقل وحلاقين، وكذلك على أساتذة، وأن الأستاذ كان امرأة.
ترى ما هو ذلك الدرس الذي كان كارل ولويز كاوتسكي قد تلقياه من روزا قبل غيرهما في سويسرا؟ هل هو الفصل الأول (المحتوي على ست صفحات ونصف الصفحة مطبوعة) والمعنون ما هو الاقتصاد السياسي؟ والذي كان من شأنه أن يشكل مدخلا للكتاب الذي هُجر لاحقا ثم نشره بعد ذلك في موسكو وباللغة الروسية نال هيمر (الذي ناله البطش في وقت لاحق) ونشره ليفي في برلين تحت عنوان «مدخل للاقتصاد السياسي»؟ إن هذا الفصل يحتوي على سجال عظيم جدا ضد أشهر العلماء الألمان وضد التعريفات التي يوردونها للاقتصاد السياسي. هذا الكتاب، الذي من الواضح أنه لم يكتمل أبدا ولم يتمتع بأية وحدة أسلوبية، كان عليه أن يكون كتابا مدرسيا في تاريخ الحضارة للمستوى الجامعي، بعيدا عن المحتوى الثوري، وحافلا بالاسنادات السوسيولوجية (انتربولوجية) وبإحالة إلى الاقتصاد السياسي المؤسس استنادا إلى المفاهيم. والمقولات التي خلقها ماركس وانجلز ثم أضيفت إليها مواد جديدة. لقد جرى التشديد في الكتاب على ولادة وزوال المشاعية الريفية في العهد الإقطاعي ومستتبعاتها الدولية. كانت روزا تخص تلامذتها بساعتين تعليم يوميا «يقطعها ربع ساعة من الراحة» [8] . فإذا كانت تأخذ في الساعة صفحة مطبوعة ثم تلخص في نهاية الساعة كتابة ما كان قد قيل، كان بوسع الموضوع أن يعالج خلال دورة كاملة.
وإلى جانب الدبابيس التي كانت روزا تشك بها «أنوار العلم في عصرها»، وهي دبابيس تشبه تلك التي كانت روزا تبثها بكرم في ثنايا مقالاتها الصحفية، وإلى جانب تلك الدبابيس كانت روزا تورد تورد أمثلة مدهشة تعبر عن وجهة نظرها، مستقاة من تاريخ مختلف البلدان، وكانت مالوفة لمستمعيها.
ترى هل كان التلاميذ يتصورون أن ألمانيا –وبفضل الضغط الذي كانت تمارسه الاشتراكية الديموقراطية طبعا والنقابات –كانت تمثل نموذجا في التشريع الاجتماعي مطروحا أمام البلدان الأخرى؟ أبدا بل على العكس «ففي روسيا توطدت أولى قوانين حماية النساء والقاصرين، بعد القلاقل التي أحدثت في القطاع الصناعي في موسكو في العام 1888، ويوم العمل من 11 ساعة ونصف للرجال هو مكسب تحقق إثر الإضراب العام الأول الذي قام به 60 ألفا من عمال النسيج في بطرسبورغ في العامين 1896 و1897. إن ألمانيا متخلفة عن كل الدول الكبرى الحديثة الأخرى بصدد قانونها العمالي الذي لا يعني إلا بحماية النساء والأطفال». فإذا كانت مثل هذه الحقائق عاجزة عن حث المائتي مناضل ألماني الذين تابعوا دروس روزا خلال الدورات السبع التي علمت فيها، حثهم على كتابة ملاحظات والبحث عن مراجع والتفكير، فإن معنى هذا أن عمل الإعداد كله كان بلا جدوى.
[1].من كتاب هلموت هيرتس "روزا لوكسمبورغ" هامبورغ، 1969.
[2]. من ر. ل. إلى لويز كاوتسكي، 22 أغسطس/آب 1906
[3]. من ر. ل. إلى لويز كاوتسكي، 17 مارس/آذار 1910
[4]. هايز شولنز، في مجلة "نيو تزايت" المجلد 24 (1906 ـ 1907) ص 137
[5]. من ر. ل. إلى لويز كاوتسكي، مصح 1907
[6]. تقرير مقدم إلى مؤتمر نورمبرغ، ص 230
[7]. من رسالة بعثت بها روزا إلى ولهلم ريتمان (23 مايو/آيار 1911)
[8]. رسالة من ر. ل. إلى ولهلم ريتمان (23 مايو/آيار 1911) ورسالة من ر. ل. إلى ماتيلد سيدل (3 فبراير/شباط 1908).