روزا لوكسمبورغ

مقدمة في الاقتصاد السياسي

ملحق 1: روزا لوكسمبورغ مدرِّسة[1]

لم تكن روزا لوكسمبورغ كاتبة وخطيبة ذات نشاط مكثف ومستوى رفيع لا يقارن وحسب، بل كانت أيضا أستاذة حقيقية، ومربية تعمل مباشرة لتخدم الفكر والعمل الاشتراكيين.

درّست روزا في مدرسة الحزب القديمة، في ذلك المعهد الذي أسسه الحزب الاشتراكي-الديموقراطي القديم بناءا على إلحاح ليبكنخت العجوز بهدف تكوين مناضلين جدد مسلحين بشكل جيد يعملون من أجل الحركة العمالية.

كانت روزا لوكسمبورغ تُدرِّس الاقتصاد السياسي هناك (ولقد جرت محاولات لوضع كلمة مُدرِّسة بين مزدوجتين، بالنظر إلى أن ما كانت تتحدث عنه روزا كان مختلفا تماما، بل ومتعارضا مع ما كان متوقعا من التعليم آنذاك).

وشيئا فشيئا حملت روزا تلاميذها ليتجابهوا بأنفسهم مع الأفكار الرئيسية للاقتصاد السياسي البرجوازي، أخذت بيدهم نحو المفاهيم الأساسية للماركسية، بعد ذلك قرأت معهم الجزء الأول من «رأس المال»، موضحة حتى تفاصيل التفاصيل كل صعوبة تعرض، وإثر ذلك كانت تناقش معهم حول المشكلات التي يتناولها الجزآن الثاني والثالث.

تُرى كيف كانت ترغمنا على أن نتجابه بأنفسنا مع مشكلات الاقتصاد السياسي وعلى توضيح أفكارنا الخاصة؟ كانت تفعل هذا عن طريق الأسئلة! فعبر السؤال وإعادة السؤال دون هوادة كانت تنتزع من صفنا ما كان مخبوءا فيه من معارف تتعلق بالوقائع التي كان الأمر يقوم في ملاحظتها. عن طريق الأسئلة كانت تنتزع الجواب وتجعلنا نشعر بأنفسنا كم كان ذلك الجواب بسيطا. عبر الأسئلة كانت تكشف المحاججات وتجعلنا نرى ما إذا كانت تلك المحاججات تعمد أو تتهاوى. عبر الأسئلة كانت ترغمنا على الاعتراض بخطتنا وعلى العثور بأنفسنا على حلٍ صائب.

لقد سلكت روزا هذا السبيل منذ اللحظات الأولى أي منذ أن وجدت نفسها في مواجهة مادة بشرية مجهولة، ووجدنا أنفسنا في مواجهة ميدان معرفة جديدة تماما بالنسبة إلينا. منذ أول ساعة بدأت في «تعذيبنا» كما قالت بنفسها مازحة: ما هو الاقتصاد السياسي؟ هل ثمة واقع يتطابق مع هذه النظرية، أجل؟ فيم يقوم؟ ومتى كان، وهذا طبيعي، نفشل في تفسير الأمر كانت تقول إذن، أي حقيقة في الأمر؟ الاقتصاد العالمي؟ هل الاقتصاد السياسي هو نظرية الاقتصاد العالمي؟ هل كان ثمة أبدا اقتصادٌ عالمي؟ ما الذي كان هناك قبله وهكذا دواليك حتى آخر ساعة في الدورة حين كانت تتركنا طالبة منا عدم الإقرار بأي شيء دون امتحانه، وعدم الكف أبدا عن التحقق من كل شيء: «إن ما ينبغي عمله هو اللعب بالطابة مع كل المشكلات!».

إن هذا المنهج في التعليم الذي يقوم في جعل الطلاب يتقدمون بأنفسهم هو المنهج السقراطي، تيمنا بذاك الذي استخدمه قبل أكثر من ألفي عام مع الشبيبة الأثينية. وهو نفس المنهج الذي استخدمه كل المربين الكبار والحقيقيين، هذا المنهج هو بالنسبة إلى العلم كما بالنسبة إلى التلميذ، وبالنسبة إلى المعلم خاصة على أي حال، هو المنهج الأكثر صعوبة، المنهج الذي يتطلب أكبر قدر من تكريس الذات لمهنة التعليم، لكنه في الوقت نفسه المنهج الأكثر إثمارا والذي يعطي أكبر قدر من الرضى، لأن ما يتم تعليمه وتعلمه على هذه الطريقة لا يكون عبارة عن جمل محفوظة في الذاكرة يمحوها الزمان. بحيث أن المرء بحاجة إلى أبشع قدر من الخمول ليصل إلى إنكار المعارف التي يتلقاها على هذا النحو.

آه كم كان سهلا بالنسبة لسقراط وإلى المربين الكبار الآخرين أن يطبقوا منهج التعليم هذا ويحافظوا عليه، إذا قارنا وضعهم بوضع روزا لوكسمبورغ. فتلامذة روزا لوكسمبورغ كانوا مباشرة من المصانع ومن المكاتب ومن المشاغل، كانوا أشخاصا بالغين لم يسبق لهم أن اعتادوا النشاط الذهني، وكانوا قد ترعرعوا في المناخ العام للنفاق والغباء الألمانيين، ذلك المناخ الذي كان يحيط بالبروليتاري ويسجنه ابتداء بجنود الصلب وخرافات الكتب المدرسية حتى عتبة الاشتراكية الديموقراطية والنقابات «الحرة». من أجل إجبار هؤلاء على الفكر المنتظم والنقدي ومن أجل جعلهم يتملكون نظريات كارل ماركس كان على روزا لوكسمبورغ أن تستخدم كل عبقريتها التربوية. وكما في كل مكان آخر كانت تمارس فيه نشاطها، هنا أيضا كانت روزا تنظر إلى الأعلى، كانت تنظر إلى النجوم. وهنا أيضا وصلت إلى هدفها المحدد وكانت على مستوى المهمة التي أناطت بها نفسها. وهكذا إلى مجد روزا لوكسمبورغ وجدارتها كمنظرة وخطيبة وكاتبة علينا أن نصنف مجدها وجدارتها كمربية من الصف الأول.

في الأوقات الأولى للدورة كان كثير من الطلاب، حين يسمعون الأسئلة الذكية والصارمة والقاسية في منطقيتها التي كانت تلقيها روزا لوكسمبورغ كانوا يشعرون بأنفسهم محترقين في وهدة الرأي الطيب الذي كانوا يحملونه عن أنفسهم، هم الذين كان قد سبق لهم أن تحملوا بنجاح مسؤوليات حزبية. فلقد كانت أسئلة روزا قد بدأت تحرك أدمغتهم وتقلبها كما كانت قد بدأت تجعلهم يستشعرون وجود ميادين ذهنية جديدة تماما بالنسبة إليهم ولم يكن الشك بوجودها قد خامرهم قبلا.

على هذا النحو كان يخامرهم خلال الدورة انطباع بأنهم يقفون في مواجهة برج حكمة عاجي دون جسر ودون سلم يوصلهم إليه. غير أنهم سرعان ما كانوا يستشعرون سعادة المشاركة في عملية وعي إنسانيتهم الخاصة، وإحكام الروابط بين إنسان وآخر على الرغم من المسافة التي كانت تفصل بينهم وبين الأستاذة، وبعد ذلك أخذوا يحسون يد روزا لوكسمبورغ الصارمة وهي تقودهم، بإشفاق وتهذيب ولباقة ونكران ذات لتخرج بهم من زمن التعلم إلى آفاق الحياة.

أحيانا كان مدرسة الحزب تعرف ساعات صاخبة فريدة من نوعها. وكان هذا هو الحال حين كان موضوع الدورة يحملنا على الإتيان على ذكر علوم أخرى أو التسلل إليها. وحين كان الطلاب يفتقرون إلى كل الشروط التي تمكنهم من حل المشكلات المطروحة بأنفسهم، كانت روزا تقوم بعملية استعراض شاملة للموضوع لامسة طريقها علم الاجتماع حينا والتاريخ حينا آخر والفيزياء حينا، وفي كل هذا، وبحذق تام كانت تستخلص الجوهري وتبقى تماما ما لا ينبغي الإبقاء عليه ثم تعرضه دون أية بلاغة خطابية، وكان الأمر أعجوبة بالنسبة إلى شخص له مواهبه الخطابية. آنذاك كنا نشعر برجفة مقدسة أمام عبقرية هذه المرأة الشمولية.

لقد انتزعت هذه المربية وهذه القائدة الخالقة لحياة ثقافية جديدة، انتزعت من البروليتاريا واغتيلت. وكان ذلك قبل عام من الآن. وقاتلوها كانوا شبانا لا يعرفون أهمية روزا لوكسمبورغ، لكنهم يتصرفون تبعا لأوامر قوم كانوا يعرفونها تماما.

خلال ألف عام لا يطلع على هذه الأرض، سوى كائن بشري واحد له مثل مواهب لوكسومبورغ وأهميتها.

لقد كان بوسع عصي ورصاصات المرتزقة أن تقتل ما كان قابلا للقتل فيها، أما ما هو خالد فينتصر. لأن كتابات روزا لوكسمبورغ وتعاليمها والمثال المضيء لنشاط لا يكف ولمعركة ثورية شجاعة، أمور لا يمكن أبدا أن تمحّي ولا حتى على يد الرعب الأبيض السيئ.

فلتتعلم الشبيبة من كتابات روزا لوكسمبورغ! ولتتعلم الشبيبة من نضاليتها وعملها!.

وفي هذا اليوم الذي نحتفل فيه بمرور عام على اغتيالها تنصت الشبيبة إلى صوتها الجلي والرنان الذي كان غالبا ما يطن في آذاننا، نحن تلاميذها، قائلة: «ينبغي السيطرة على كل شيء بذهن نقدي، وتملك تعاليم كارل ماركس، والعمل بعد إعمال الفكر، ولكن بجرأة وحزم».

فلتقسم الشبيبة إزاء المغتالة، على الوفاء لتعاليمها، وعلى العمل بذهنيتها.

روزي ولفشتاين – فروليك


الهوامش

[1]. منشور في مجلة "داي يونغ غارد" العدد 10، 1920، ص 78.



أرشيف روزا لوكسمبورغ