فلاديمير لينين

عن الثقافة البروليتارية


القاها: فلاديمير لينين في 3 نوفمبر 1920
نشرت: لأول مرة في نشرة مؤتمر عموم روسيا للعاملين في التعليم السياسي (1-8 نوفمبر 1920)، موسكو وفقًا لنص النشرة
المصدر: الأعمال الكاملة للينين، النسخة الإنجليزية الرابعة، دار التقدم للنشر، موسكو، 1965، المجلد 31، الصفحات 340-361
التحرير الرقمي: علي بطحة (تموز 2024)


خطاب القي في مؤتمر قيادات التعليم السياسي لدى أقسام الأقاليم والنواحي للتعليم العام في روسيا 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 1920

أيها الرفاق ! اسمحوا لي بان اعرض عليكم بعض الأفكار التي واجهتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس مفوضي الشعب مناقشته تنظيم الإدارة المركزية للتعليم السياسي والتي خطر بعضها في بالي لمناسبة إحالة المشروع على مجلس مفوضي الشعب . لقد أقر هذا المشروع أمس كأساس , وسيصار أيضا إلى بحثه بالتفصيل .

واني لا اسمح لنفسي بأن أشير فقط إلى أني وقفت في البدء موقفا سلبيا للغاية من تغيير اسم مؤسستكم . فبرأيي أن مهمة مفوضية الشعب للتعليم العام أنا هي مساعدة الناس على التعليم وتعليم الغير . لقد عودتني خبرتي السوفياتية على أن اعتبر أن التغيرات في التسميات مزحات صبيانية , أليس كل تغيير في التسمية نوعا من المزاج ؟ وها قد تمت الآن المصادقة على التسمية الجديدة : الإدارة المركزية للتعليم السياسي .وبما أن هذه المسالة قد حلت . فلا تعتبروا ملاحظاتي أكثر من ملاحظة شخصية . وإذا لم يقتصر الأمر على مجرد تغيير اللقب , فلا يمكن إلا الترحيب بذلك . .

إذا أفلحنا في اجتذاب شغيلة جدد للأجل العمل التثقيفي والتربوي , فان القضية لن تقتصر آنذاك على التسمية الجديدة . وآنذاك سيصبح من الممكن التساهل بالولع (( السوفياتي )) في لصق النعوت على كل قضية جديدة وكل مؤسسة جديدة . وإذا توفقنا نكون قد توصلنا إلى شيء أكثر بكثير مما توصلنا إليه حتى الآن .

إن القضية الأساسية , التي يجب أن تحمل الرفاق على الاشتراك معنا في العمل التثقيفي والتعليمي هي مسألة ارتباط التعليم بسياستنا . قد يكون للتسمية مغزى ما , إذا اقتضى الأمر , لأننا لا نستطيع أن نأخذ , في مجمل النهج المتعلق بعملنا التعليمي , بوجهة النظر القديمة القائلة بلا سياسة التعليم , لا تستطيع أن نضع العمل بمعزل عن السياسة .

هذه الفكرة كانت سائدة ولا تزال في المجتمع البرجوازي . إن (( لا سياسية )) التعليم هي نفاق برجوازي غايته تذليل الجماهير التي يستذل سلطان الكنيسة والملكية الخاصة وخلافهما 99 بالمائة منها . وهذا الخداع للجماهير تتشبث به البرجوازية السائدة في جميع البلدان التي لا تزال بعد برجوازية .

وكلما تعاظمت أهمية مؤسسة ما هناك , تضاءل استقلالها حيال رأس مال وسياسته .

إن الارتباط بين الجهاز السياسي والتعليم في جميع الدول البرجوازية هو وثيق للغاية , رغم أن المجتمع البرجوازي لا يستطيع الاعتراف بهذا الواقع صراحة , مع العلم أن هذا المجتمع يؤثر في الجماهير بواسطة الكنيسة وبواسطة كل نظام الملكية الخاصة .

إن مهمتنا الأساسية تقوم , فيما تقوم , على معارضة (( الحقيقة )) البرجوازية بحقيقتنا وحمل الناس على الاعتراف بها.

إن انتقال المجتمع البرجوازي إلى سياسة البروليتاريا عسير جداً , خصوصا أن البرجوازية تفتري علينا بلا كلل بكل جهاز دعايتها وتحريضها . وهي تحاول قصار جهدها أن تطمس دور الديكتاتورية البروليتاريا المهم , أن تطمس رسالتها التربوية التي تتسم بأهمية خاصة في روسيا حيث البروليتاريا تشكل أقلية السكان . والحال أن هذه الرسالة يجب أن تبرز في المرتبة الأولى لأنه ينبغي لنا إن نهيئ الجماهير لبناء الاشتراكية . لم يكن من الممكن حتى الكلام عن الديكتاتورية البروليتاريا لو لم تكتسب البروليتاريا درجة كبير ة من الوعي , ودرجة كبيرة من الانضباط , ودرجة كبيرة من التضحية , أي جميع المزايا التي يتطلبها انتصار البروليتاريا التام على عدوهم القديم .

نحن لا نأخذ بوجه النظر الطوباوية التي تزعم أن الجماهير الكادحة مهيأة للمجتمع الاشتراكي . فنحن نعرف بالاستناد إلى المعطيات الدقيقة المستقاة من كل تاريخ الاشتراكية العمالية أن الحال ليس هكذا , وان التهيئة للاشتراكية لا يؤمنها غير الصناعة الكبيرة والنضال الاضرابي والتنظيم السياسي . ولأجل إحراز النصر , لأجل تحقيق الثورة الاشتراكية , ينبغي أن تكون البروليتاريا مؤهلة للعمل التضامني , للإحاطة بالمستثمرين . ونحن نرى أن البروليتاريا قد اكتسبت جميع المؤهلات اللازمة وحولتها إلى أفعال عندما ظفرت بالسلطة .

إن المساهمة في تعليم وتربية الجماهير الكادحة لكي تتغلب على العادات القديمة والأساليب الجامدة القديمة الموروثة عن النظام القديم , عادات وأساليب الملكين المتغلغلة عميقا في الجماهير , ينبغي أن تكون المهمة الأساسية لشغيلة التعليم وللحزب الشيوعي بوصفه طليعة النضال .

وهذه المهمة الأساسية لكل ثورة اشتراكية يجب ألا تغيب عن البال أبدا عند بحث المسائل الخاصة التي استأثرت درحا من الزمن بانتباه لجنة الحزب المركزية ومجلس مفوضي الشعب . أما كيف نبني الإدارة المركزية للتعلم السياسي , كيف نربطها بمختلف المؤسسات , كيف نربطها لا بالمركز وحسب , بل أيضا بالمؤسسات المحلية , فعن هذا السؤال سيجيبنا رفاق أكثر كفاءة في هذا المضمار ويملكون تجربة كبيرة ودرسوا القضية خصيصا . إلا أني أود فقط أن أشير إلى المبادئ الأساسية للمسالة . فلا يسعنا إلا أن نطرح المسألة بصراحة , معترفين جهارا , وخلافا للكذب القديم , بأنه لا يمكن للتعليم إلا أن يكون مرتبطا بالسياسة.

نحن نعيش في حقبة تاريخية من النضال ضد البرجوازية العالمية التي هي أقوى منا مرارا ومرارا عديدة . وفي مثل هذه الحقبة من النضال , يجب علينا إن نزود عن البناء الثوري , إننا نناضل ضد البرجوازية بالسلاح , وأكثر أيضا في الحقل الفكري , والتربية , لكي تصبح العادات والأعراف والمعتقدات التي صاغتها الطبقة العاملة لنفسها في سياق عقود وعقود من السنين في النضال لأجل الحرية السياسية , لكي يصبح مجموع هذه العادات الأعراف والأفكار وسائل تربية جميع الشغيلة ؛ إن حل مسالة الوسائل الواجب استعمالها يقع على كاهل البروليتاريا . من الضروري إفهام الجماهير انه لا يمكن ولا يجوز البقاء في معزلة عن نضال البروليتاريا الذي يشمل الآن أكثر فأكثر جميع البلدان الرأسمالية في العالم , البقاء في معزلة عن السياسة الدولية . إن ائتلاف جميع البلدان الرأسمالية القوية في العالم ضد روسيا السوفياتية , هو الأساس الحقيقي للسياسة الدولية الراهنة . ثم انه ينبغي الاعتراف بان مصير مئات الملايين من الشغيلة في البلدان الرأسمالية رهنا بهذا . لذلك أنه لا توجد في الوقت الحاضر زاوية في الكرة الأرضية ليست خاضعة لسيطرة حفنة من البلدان الرأسمالية . وهكذا وصل الوضع إلى طور بات يجب معه إما البقاء في معزلة عن النضال القائم وتقديم البرهان بذلك على انعدام الوعي كليا كما فعل أولئك الجهلاء الذين ظلوا في معزل عن الثورة والحرب والذين لا يرون أن البرجوازية تخدع الجماهير , وتبقيها عمدا في لجة الجهل , وأما خوض النضال في سبيل ديكتاتورية البروليتاريا .

وعن نضال البروليتاريا هذا , نتكلم بصراحة تامة , وينبغي لكل امرئ إما أن يقف في هذا الجانب , في جانبنا , وأما في الجانب الأخر . وجميع المحاولات لعدم الوقوف لا في هذا الجانب ولا في ذاك تنتهي بالإفلاس والفضيحة .

عندما نظرنا في حطام تجربة الكيرنسكية الذي لا تعداد له , وفي حطام الاشتراكيين الثوريين والاشتراكية الديمقراطية , المتجسد في شخص إضراب يودينيتش وكولتشاك وبيتليورا وماخنو ومن لف لفهم , رأينا تنوعا في أشكال وتلاوين الثورة المضادة في مختلف أنحاء روسيا بحيث انه يمكننا القول أننا قد تمرسنا وانصقلنا أكثر من أي احد آخر ؛ عندما نظرنا إلى أوربا الغربية نرى انه يتكرر هناك ما جرى عندنا , نرى تاريخنا يتكرر هناك . ففي كل مكان تقريبا , تظهر عناصر الكيرنسكية إلى جانب البرجوازية . وهذه العناصر تهيمن في جملة كاملة من الدول , ولاسيما في ألمانيا . وفي كل مكان , يلاحظ الشيء نفسه , أي استحالة أي موقف وسط , والإدراك الجلي لما يلي : أما الديكتاتورية البيضاء ( ولها تستعد البرجوازية في جميع بلدان أوربا الغربية بتسلحها ضدنا ) , وأما الديكتاتورية البروليتاريا . ولقد لمسنا ذلك بدرجة من الحدة و العمق بحيث إني لا أرى لزاما علي أن أسهب في الحديث عن الشيوعيين الروس . ومن هنا يبرز استنتاج واحد , استنتاج يجب أن يكون في أساس جميع المناقشات والموضوعات المتعلقة بالإدارة المركزية للتعليم السياسي : فقبل كل شيء , ينبغي الاعتراف صراحة بهيمنة سياسة الحزب الشيوعي في عمل هذا الجهاز . نحن لا نعرف شكلا آخر , وما من بلد وجد حتى الآن شكلا آخر . قد يستجيب الحزب إلى هذا الحد أو ذاك لمصالح طبقته , وقد يتعرض لهذه أو تلك من المتغيرات أو الإصلاحات , ولكننا لا نعرف بعد شكلا أفضل ؛ والنضال في روسيا السوفياتية التي صدت في مدى ثلاث سنوات زحف الامبريالية العالمية , مرتبط كله بكون الحزب يأخذ على عاتقه بشكل مناسب مهمة مساعدة البروليتاريا في أداء دورها كمربية ومنظمة ومرشدة , في أداء ذلك الدور الذي يستحيل بدونه انهيار الرأسمالية . فعلى الجماهير الكادحة , جماهير العمال والفلاحين , أن تتغلب على عادات المثقفين القديمة , وان تعيد تربية نفسها من أجل الشيوعية , وبدون هذا , لا يمكن الشروع في بنار الشيوعية . إن تجربتنا كلها تبين أن هذه القضية في منتهى الخطورة , لهذا يجب ألا يغيب عن بالنا التوكيد على دور الحزب القيادي , وعدم نسيان ذلك لدى مناقشة نشاطه والقضايا التنظيمية . أما كيف يجب تحقيق هذه المهمة , فهذا ما يزال ينبغي التكلم عنه سواء أفي لجنة الحزب المركزية أم في مجلس مفوضي الشعب ؛ فان المرسوم الذي أقره أمس جاء أساسا بالنسبة للإدارة المركزية للتعليم السياسي , ولكن مجلس مفوضي الشعب لم يقر كل نصوصه بعد ؛ وخلال بضعة أيام , سينشر هذا المرسوم , وسترون في صيغته النهائية أنه لا يتضمن أي تصريح مباشر بصدد العلاقة بالحزب .

ولكنه ينبغي لنا أن نعرف ونذكر أن بناء الجمهورية السوفياتية القانوني والعملي يقوم بكليته على واقع أن الحزب يصلح ويبني كل شيء وفقا لمبدأ واحد , لكي تتمكن العناصر الشيوعية المرتبطة بالبروليتاريا من اشبع هذه البروليتاريا بروحها , وإخضاعها لتوجيهاتها , وتحريرها من ذالك الخداع البرجوازي الذي نحاول من الزمان البعيد التخلص منه .

لقد ناضلت مفوضية الشعب للتعليم زمنا طويلا ؛ وزمنا طويلا ناضلت منظمة المعلمين ضد الثورة الاشتراكية . ففي هذه البيئة التعليمية ترسخت الأوهام البرجوازية بقوة خاصة . وهنا كان النضال طويلا , سواء بصورة تخريب مباشر أو بصورة أوعاه برجوازية صامدة بعناد , ولذا يترتب علينا أن نظفر لأنفسنا بالموقع الشيوعي ببطء , خطوة أثر خطوة . أما الإدارة المركزية للتعليم السياسي التي تعمل في حقل التعليم خارج المدرسة , والتي يجب أن تحل مهمة تعليم الجماهير وتثقيفها , فان مهمتها ظاهرة بوضوح : أن تضع تحت قيادة الحزب , وان تشبع بروحها , وتلهب بنار مبادرتها , هذا لجهاز الضخم , أي هذا الجيش من رجال الهيئة التعليمية الذي يضم نصف مليون رجل والذي هو الآن في خدمة العمال . إن رجال التعليم , المعلمين , قد تربوا بروح الأوهام والعادات البرجوازية , بروح العداء للبروليتاريا , ولم تكن بينهم وبينها أية صلة على الإطلاق . أما الآن , فيجب علينا أن نربي جيشا جديدا من المربين والمعلمين الذين ينبغي أن يكونوا وثيقي الارتباط بالحزب وأفكاره , أن يكونوا مشبعين بروح الحزب , أن يلتحقوا بالجماهير العمالية ويشبعوها بروح الشيوعية ويحملوها على الاهتمام بما يعمله الشيوعيون .

وبما انه يجب قطع كل صلة بالقديم والعادات والأعراف والأفكار , فان الإدارة المركزية للتعليم السياسي والعاملين فيها يجب أن يحلوا مهمة في منتهى الأهمية وينبغي أن تستأثر بأقصى انتباههم . فنحن , بالفعل , نواجه هنا المشكلة التالية : كيف نربط المعلمين , واغلبهم من ذوي العقلية القديمة , بالحزبيين , بالشيوعيين ؟ إنها مشكلة عسيرة للغاية , وفيها ينبغي التفكير والتأمل كثيرا جدا .

لنبحث كيف نجمع تنظيميا بين أناس على مثل هذه الدرجة من الاختلاف . مبدئيا, لا يمكن أن يساورنا الشك في انه يجب أن تكون الزعامة للحزب الشيوعي . وهكذا يكون الهدف من الثقافة السياسية , من التعليم السياسي تربية شيوعيين اقحاح , في مقدورهم أن يقهروا الكذب والأوهام ويساعدوا الجماهير الكادحة في التغلب على النظام القديم والقيام ببناء دولة دون رأسماليين , دون مستثمرين , دون ملاكين عقاريين .

ولكن كيف يمكن تحقيق هذا ؟ إن هذا لا يمكن تحقيقه إلا باكتساب مجمل المعارف التي ورثها المعلمون عن البرجوازية . فبدون هذا , تكون جميع المكتسبات التكنيكية للشيوعية مستحيلة ويكون من العبث التفكير فيها . ما العمل إذا لربطهم في الحقل التنظيمي , أي لربط هؤلاء العاملين الذين لم يعتادوا على ربط نشاطهم بالسياسة الضرورية لنا على الأخص , أي الضرورية للشيوعية ؟ إن هذه , كما سبق وقلت , , مهمة صعبة جدا . لقد بحثنا هذه المسألة في اللجنة المركزية أيضا ؛ وعند بحث هذه المسألة , حاولنا أن نأخذ بالحسبان التوجيهات المستوحاة من التجربة , ويف رأينا أن مؤتمر كهذا لمؤتمر الحالي الذي أتكلم فيه الآن , أن اجتماعا موسعا كاجتماعكم , سيكون له في هذا الصدد أهمية كبيرة . فينبغي الآن لكل لجنة حزبية أن تنظر نظرة جديدة إلى كل داعية كنا ننظر إليه سابقا نظرتنا إلى إنسان من حلقة معينة , من منظمة معينة . فكل داعي يخص الحزب الذي يدير والذي يقود الدولة بأسرها ونضال روسيا السوفياتية على الصعيد العالمي ضد النظام البرجوازي . وكل داعية هو ممثل طبقة مناضلة حزب يسيطر ويجب أن يسيطر على جهاز الدولة الضخم . إلا أن عدد كبيرا جدا من الشيوعيين ممن اجتازوا مدرسة العمل السري , واكتسبوا الخبرة والمراس في معمعان النضال , لا يريدون ولا يستطيعون أن يفهموا كل أهمية هذا الانعطاف , هذا الانتقال , الذي يجعل من المحرض الداعية قائد المحرضين , قائد منظمة سياسية عملاقة . إما أن يطلق عليه في هذا المجال اسم مناسب , ولربما حتى اسم حساس , مثلا , اسم رئيس المدارس الشعبية , فهذا غير مهم كثيرا , ولكن ينبغي أن يعرف كيف يقود جمهور المعلمين .

يجب القول أن مئات الألوف من المعلمين يشكلون ذلك الجهاز الذي ينبغي أن يدفع العمل ويوقظ الفكر ويكافح الأوهام التي لا تزال منتشرة بين الجماهير . إن ميراث الثقافة الرأسمالية , وتشبع جماهيره المعلمين بنواقصها , مع العلم بان هذه الجماهير لا يمكن أن تكون شيوعية في حال وجود هذه النواقص , كل هذا لا يمكن له مع ذلك أن يتحول دون إدخال هؤلاء المعلمين في صفوف شغيلة العمل التثقيفي السياسي التثقيفي , هؤلاء المعلمين يملكون من المعارف ما لا يستطيع بدونه التوصل إلى غايتنا .

ينبغي أن نضع في خدمة التثقيف الشيوعي مئات الآلاف من الناس المفيدين . وهذه مهمة حلت في الجبهة , في صفوف جيشنا الأحمر , الذي استوعب عشرات الآلاف من رجال الجيش القديم . وقد اندمج هؤلاء مع الجيش الأحمر في سياق عملية طويلة , عملية إعادة التربية , الأمر الذي أثبتوه في آخر المطاف بانتصاراتهم . ولذا ينبغي لنا أن نقتدي بهذا المثال في عملنا التثقيفي والتعليمي . صحصحا أن هذا لعمل ليس باهرا بالقدر نفسه , لكنه ذو أهمية كبرى أيضا . فكل محرض وكل داعية ضروري لنا , وهو إنما يؤدي واجبه عندما يعمل بروح حزبي صرف , ولكن دون أن يقتصر على الحزب , بل يتذكر أن مهمته هي قيادة مئات الآلاف من رجال الهيئة التعليمية وإثارة اهتمامهم , والتغلب على الأوهام البرجوازية القديمة , واجتذابهم إلى ما نقوم به , وحملهم على إدراك كل ضخامة عملنا ؛ ولن نتمكن إلا بالانتقال إلى هذا العمل من اجتذاب هذا الجمهور الذي ضغطت عليه الرأسمالية وأبعدته عنا , ومن دفعه في السبيل القويم .

هذه هي المهم الموكولة إلى كل محرض وكل داعية يعلم خارج نطاق المدرسة , وهذه المهام يجب ألا تغيب عن باله أبدا . إن حل هذه المهام تعترضه طائفة من المصاعب العملية , ولكن عليكم أن تساعدوا الشيوعية وأن تصبحوا لا ممثلي وقادة الحلقات الحزبية وحسب , بل أيضا ممثلي وقادة كل سلطة الدولة التي تقبض الطبقة العاملة على زمامها .

إن مهمتنا هي أن نحطم كل مقاومة الرأسماليين , لا العسكرية والسياسية منها وحسب , بل أيضا الفكرية , التي هي اشد أشكال مقاومتها عمقا وقوة . ومهمة رجال التعليم عندنا هي أن يقوموا بإعادة تربية الجماهير . فان ما نلحظه عندها من اهتمام ومن ميل إلى العلم والى معرفة الشيوعية هو الضمانة بأننا سنخرج ظافرين في هذا الميدان أيضا وذلك بشكل قدي كون اقل سرعة مما في الجبهة , وأكثر صعوبة , وربما رافقته هزائم أحيانا , ولكننا نحن سنكون الظافرين في نهاية الأمر .

أود أن أتوقف أخيرا عند نقطة أخرى : إن عبارة (( الإدارة المركزية للتعليم السياسي )) قد لا تكون مفهومة بصورة صحيحة . فبما أنها تتضمن ذكر السياسة فذلك يعني أن السياسة هي الشيء الأساسي فيها .

ولكن كيف ينبغي فهم السياسة ؟ إذا فهمنا السياسة بمعناها القديم , فقد نقع في خطا كبير فادح . إن السياسة هي الصراع بين الطبقات , السياسة هي سلوك البروليتاريا المناضلة في سبيل التحرر ضد البرجوازية العالمية . ولكن يجب التمييز بين وجهين في قضية نضالنا : من جهة , مهمة القضاء على ميراث النظام البرجوازي , القضاء على المحاولات التي تقوم بها وتكررها البرجوازية بأسرها من اجل خنق السلطة السوفياتية . لقد شغلت هذه المهمة حتى الآن انتباهنا أكثر من غيرها وحالت دون الانتقال إلى المهمة الأخرى , وهي مهمة البناء . أما السياسة حسب المفهوم البرجوازي عن العالم , فكانت كأنما مفصولة عن الاقتصاد. كانت البرجوازية تقول : اعملوا , أيها الفلاحون , لكي تتمكنوا من العيش ؛ اعملوا , أيها العمال , لكي تحصلوا في السوق على كل ما هو ضروري من أجل العيش , أما السياسة الاقتصادية فيتولى أمورها أسيادكم . ولكن الحال ليس هكذا ؛ فالسياسة يجب أن تكون شأنا من شؤون الشعب , من شؤون االبروليتاريا . وهنا ينبغي لنا أن نشير إلى أننا مشغولون في تسعة أعشار أوقات عملنا بالنضال ضد البرجوازية . إن الانتصارات على فرانجل , التي قرانا عنها أمس والتي ستقرؤون عنها اليوم , وعلى الأرجح غدا , تبين أن مرحلة من النضال توشك أن تنتهي وأننا ظفرنا بالسلام بيننا وبين جملة كاملة من البلدان الغربية ؛ إن كل انتصار في الميدان العسكري يحرر قوانا من اجل النضال الداخلي , من أجل سياسة بناء الدولة . وكل خطوة تقربنا من النصر على الحرس الأبيض تنقل تدريجيا مركز الثقل في النضال إلى السياسة الاقتصادية . إن الدعاية حسب الطراز القديم تقول ما هي الشيوعية وتضرب الأمثلة .

ولكن هذه الدعاية القديمة لم تعد صالحة اليوم , لأنه ينبغي أن نبين عمليا كيف يجب بناء الاشتراكية . ينبغي بناء الدعاية كلها على تجربة البناء الاقتصادي السياسية . وهذه هي مهمتنا الأساسية ؛ وإذا ما حاول احد أن يفهم هذا بمعنى الكلمة القديم , فانه سيكون متأخرا ولن يستطيع النجاح في الدعاية بين جمهور العمال والفلاحين . ينبغي أن تكون سياستنا الرئيسية الآن بناء الدولة الاقتصادي لكي ندخر مزيدا من الحبوب , ولكي ننتج مزيدا من الفحم , ولكي نجد خير طريقة للإفادة من هذه الحبوب وهذا الفحم بحيث لا يبقى ثمة جياع . هذه يجب أن تكون سياستنا . على هذا يجب أن نبني كل تحريضنا ودعايتنا . ينبغي أن يقل الكلام , لأنكم لن ترضوا الشغيلة بالكلام . وما أن تتيح لنا الحرب فرصة نقل مركز ثقل النضال ضد البرجوازية , وضد فرانجل وضد الحرس الأبيض , حتى ننصرف إلى السياسة الاقتصادية . وهنا سيضطلع التحريض والدعاية بدور هائل يتعاظم باستمرار .

ينبغي أن يكون كل محرض قائدا للدولة لجميع العمال والفلاحين في الحقل الاقتصادي . ينبغي أن يقول لهم انه لكي يكون المرء شيوعيا يجب أن يعرف , يجب أن يقرأ هذا الكراس , هذا الكتاب . بهذه الطريقة بالضبط سنحسن الاقتصاد ونزيده متانة اجتماعية , ونزيد الإنتاج ونحسن الحالة فيما يتعلق بالخبز ، ونوزع السلع المنتجة توزعا اصح , ونزيد استخراج الفحم وننهض الصناعة , دون رأسمالية ودون روح الرأسمالية .

فيم تقوم الشيوعية ؟ ينبغي تنظيم الدعاية كلها من اجلها على نحو يجعلها تؤدي إلى القيادة العملية لبناء الدولة . ينبغي أن تصبح الشيوعية في متناول جماهير العمال , على قدر ما هي شؤونهم الخاصة . إن هذا العمل يتحقق بشكل سيء وتصاحبه أخطاء كثير . نحن لا نخفي ذلك , ولكنه ينبغي للعمال والفلاحين أنفسهم أن يصلحوا جهازنا ويحسنوا عمله بمساعدتنا , بمساهمتنا الصغيرة والضعيفة . إن الشيوعية لم تعد بالنسبة إلينا برنامجا أو نظرية أو رسالة , وإنما هي بالنسبة إلينا قضية البناء العملي الحالي . ولئن كنا كابدنا م أعدائنا أقصى الهزائم في حربنا , فإننا قد تعلمنا بالمقابل من هذه الهزائم وأحرزنا النصر التام . و الآن ينبغي أن نقتبس العبر والمعارف من كل هزيمة , ينبغي أن نتذكر انه ينبغي تعليم العمال والفلاحين بمثال العمل المنجز , وان نشير إلى النواقص والمساوئ الموجودة عندنا لكي نتجنبها فيما بعد .

وبمثال هذا البناء , وبتكرره مرارا كثيرة , سنتوصل إلى أن نجعل من القادة الشيوعيين الأردياء بناة حقيقيين وقبل كل شيء في اقتصادنا الوطني . سنبلغ كل أهدافنا , وسنتغلب على جميع العقبات الموروثة عن النظام القديم والتي يستحيل تذليلها دفعة واحدة ؛ ينبغي إعادة تربية الجماهير ؛ وليس يمكن إعادة تربيتها إلا بالتحريض والدعاية ؛ ينبغي جعل الجماهير تشارك في بناء الحياة الاقتصادية كلها , بالدرجة الأولى . هذا ما ينبغي أن يكون الأمر الرئيسي والأساسي في عمل كل محرض وداعية ؛ ومتى ما استوعب هذا , كان نجاح عمله مضمونا .

( تصفيق شديد )

المؤلفات , المجلد 31 , ص 378 – 388 .


أرشيف فلاديمير لينين