فلاديمير لينين

عن الثقافة البروليتارية


القاها: فلاديمير لينين في فبراير عام 1920
نشرت: لأول مرة: تقرير موجز نُشر في 2 مارس 1920 في صحيفة "أخبار المساء لمجلس موسكو للعمال ونواب الجيش الأحمر" رقم 481؛ نُشر لأول مرة بالكامل في عام 1930؛ نُشر وفقًا للتقرير الحرفي
المصدر: الأعمال الكاملة للينين، النسخة الإنجليزية الرابعة، دار التقدم، موسكو، 1965، المجلد 30، الصفحات 374-379
التحرير الرقمي: علي بطحة (تموز 2024)


خطاب القي في المؤتمر الثالث لقادة الفروع غير المدرسية التابعة لدوائر التعليم العام الإقليمية في روسيا بتاريخ 25 شباط (فبراير) 1920

اسمحوا لي بأن أحيي , باسم مجلس مفوضي الشعب , مؤتمركم هذا , وأن أعرض أمامكم بعض أفكار حول هذا الموضوع .

فيما يتعلق بوضعنا الدولي استطيع أن أحدثكم عن برقية وصلت اليوم من انكلترا وتصف وضعنا في العالم خير وصف . تقول هذه البرقية انه يوم أمس , في 24 من الشهر الجاري , توصل المجلس الأعلى للدول الحليفة إلى خلاصة تقول أنه إذا طلبت الدول المتاخمة لروسيا نصيحة سياسية فانه سيقول لها أنه لا يسعه أن ينصح بحرب هجومية على روسيا ؛ غير أنه إذا هاجمت جمهورية روسيا السوفيتية حدودها الشرعية فان مجلس الحلفاء سيساعد هذه الدول , ثم أن هؤلاء السادة الحلفاء يرغبون في أن يرسلوا إلى روسيا لجنة تابعة للجنة العمل في واشنطن . إن منظمي الاجتماع , الخونة من الاشتراكيين والبرت توماس , قد اتفقوا على بضعة إصلاحات اجتماعية . وهم يرغبون في أن يرسلوا إلى روسيا هؤلاء الأفاضل الذين يمثلون قسماً من عصبة الأمم , لكي يبحثوا عن مدى تجاوب الأوضاع في روسيا مع المتطلبات الاعتيادية للدول (( المتمدنة )) . إن هذا الخبر عن القرار الذي اتخذه الحلفاء أمس يبين بوضوح أن هؤلاء السادة قد ورطوا أنفسهم , وأي نفع يمكن أن نجنيه من هذه الورطة . لقد هدروا مئات الملايين للمساعد على خوض الحرب ( عن طريق الدول الانكليزية ) , ثم أعلنوا أنهم لم يعودوا يستطيعون المساعدة على خوض الحرب . هكذا انتهت حمى العدوان عندهم , رغم أن وصول شحنات حربية إلى بولونية ما يزال مستمرا ؛ أنهم يواصلون إرسال الأسلحة ؛ ولدينا معلومات واضحة تفيد أن بولونيا تقوم بحشد قوات بغية شن الهجوم , مما يجعلنا لا نثق ثقة تامة بأقوالهم . ومع أن الخطر الخارجي الآتي من الحلفاء قد تضاءل اليوم مقدار تسعة أعشاره , فما يزال هناك تهديد قائم ؛ فبعد انتهاء الحرب على دينيكين , يجب علينا أن نظل متأهبين , ولا يسعنا أن نواجه إلغاء كامل للتعبئة.

أن تسعة أعشار خطر اعتداء الرأسمالية العالمية على روسيا قد تلاشت إذا ؛ وقد تلاشت بشكل ذريع جعلهم يتقدمون في مناسبات شتى باقتراح إرسال لجنة إلى روسيا . وإذا ضمت هذه اللجنة أفاضل على شاكلة البرت توماس و الذي زار روسيا إبان الحرب , فلن يجنوا من ذلك سوى الخزي وسيكون لنا نحن في ذلك موضوع جيد للدعاية . إننا سنستقبلهم استقبالاً يجعلهم يرحلون بأسرع وقت عن روسيا , ولن ينتج عن ذلك إلا دعاية لعمال البلدان الأخرى . أنهم يريدون تخويفنا , ولكن , عندما نقول أننا نستقبل هؤلاء الزائرين الأعزاء فإنهم سيكفون عن محاولتهم . وهذا يبين مدى فقدانهم صوابهم . لدينا اليوم معبر إلى أوربة , بفضل الصلح مع استونيا , وبوسعنا أن نستورد منها المنتجات الرئيسية التي نحن بأمس الحاجة إليها . إن وضعنا الدولي يتقدم ويتحسن بشكل مرموق حقاً ؛ وقد ابعد كل خطر خارجي على الجمهورية السوفيتية مقدار تسعة أعشار .

وكلما ابتعد الخطر الخارجي هذا ازدادت قدرتنا على الانصراف إلى العمل الإنشائي السلمي , وإننا نعتمد على نشاطكم , عليكم انتم العاملين في الحقل غير المدرسي . فلأجل تنظيم التعليم المدرسي بصورة جدية أكثر , لا بد من إجراء تغيرات مادية كثيرة : بناء مدارس , انتقاء المعلمين , إصلاحات داخلية في التنظيم وفي التقاء أفراد الهيئة التعليمية . وهذه أمور تتطلب تهيئة طويلة . وعلى صعيد التربية خارجاً عن المدرسة , لا تضايقكم كثيرا هذه التهيئة الطويلة . إن حاجة السكان إلى تحصيل العلم خارجاً عن النظام المدرسي القائم وحاجات الشغيلة في هذا الحقل تزداد بشدة خارقة . ونحن واثقون من أننا , بمساعدة وجهود الجميع , سنعمل أكثر بكثير مما عملنا حتى الآن .

وفي الختام سأتحدث عن طابع التعليم خارج المدرسة الذي يتصل بالدعاية والتحريك . من العيوب الكبرى التي تشوب حالة التعليم والتربية في المجتمع الرأسمالي أنهما كانا منفصلين عن المهمة الأساسية لتنظيم العمل إذا انه كان ينبغي للرأسمالي أن يقولب ويروض عمالا خاضعين ومدربين . لم يكن يوجد في المجتمع الرأسمالي ارتباط بين مهمات التنظيم الحقيقية للعمل الشعبي وبين التعليم كان ذا طابع ميت و كلامي , بيروقراطي , أفسده تأثير الكهنة , وكان مآله في كل مكان , في أكثر الجمهوريات ديمقراطية , إقصاء كل ما يمكن أن يوجد من نضير وسليم .والعمل الحي المباشر كي يصطدم بالعوائق إذ انه ليس يمكن تنظيم التعليم على نطاق واسع بدون جهاز سلطة الدولة , بدون عون مادي ومالي . وبقدر ما يمكن لنا ويجب علينا أن نستعد للانتقال بحياتنا السوفياتية كلها من طريق الاستعداد العسكري والمقاومة العسكرية إلى طريق البناء السلمي , فان من الواجب , ممالا غنى عنه , أن تأخذوا بالقدر ذاته , انتم شغيلة التعليم خارج المدرسة , هذا التغيير بعين الاعتبار , وان تقيدوا به في نشاطكم الدعائي في مهماته وبرامجه .

ولكي أبين كيف افهم مهمات التعليم والتدريس والتربية والتنشئة وطابعها العام تبعاً للمهمات الجديدة الملقاة على عاتق الجمهورية السوفياتية , أذكركم بقرار الكهربة المتخذ في الدورة الأخيرة للجنة التنفيذية المركزية لروسيا ، الذي لابد أنكم تعرفونه جميعاً . لقد نشرت الصحافة في الأيام الأخيرة نبا يقول انه من خلال شهرين ( يقول النبأ المنشور بصورة رسمية : من خلال أسبوعين ؛ وهذا خطأ ) ستوضع خطة لكهربة البلاد مداها سنتان أو ثلاث كبرنامج أدنى وعشر سنوات كبرنامج أقصى . إن طابع دعايتنا والدعاية الحزبية الصرف , وكذلك طابع التعليم المدرسي والتربية والتعليم غير المدرسي يجب أن يتغير , لا بمعنى أسس واتجاه التعليم نفسها بل بمعنى تكييف النشاط حسب ضرورات الانتقال إلى البناء السلمي وخطته الواسعة لتحويل البلاد صناعياً واقتصادياً , لان الصعوبة الاقتصادية العامة والمهمة العامة هما في النهوض بقوى البلاد الاقتصادية على نحو يمكن الثورة البروليتارية , بالتكاتف مع الاستثمارة الفلاحية الصغيرة , من أن تنشأ الأسس الجديدة للحياة الاقتصادية . لقد اضطر الفلاح حتى الآن إلى أن يقدم القمح إلى الدولة العمالية على سبيل التسليف : إن الأوراق النقدية لا يمكن أن يرضى بها الفلاح بدلا عن القمح الذي أعطاه . وبما أن الفلاح غير راضي , فهو يطالب بحق مشروع له : أن يحصل مقابل القمح الذي يعطيه ، على منتجات صناعية لا يسعنا أن نعطيه إياها طالما أننا لم نرمم الاقتصاد . فالترميم هو المهمة الرئيسية ؛ ولكننا لا نستطيع أن نرمم على الأسس الاقتصادية والتكنيكية القديمة , فهذا أمر مستحيل على الصعيد التكنيكي , هذا أمر غير معقول ؛ وإنما يجب إيجاد أساس جديد , وهذا الأساس الجديد هو خطة الكهربة .

إننا نشرح للفلاحين , للجمهرة الأقل تطوراً , إن انتقالا جديدا إلى درجة أعلى في الثقافة وفي التنشئة التكنيكية هو أمر ضروري لتامين نجاح البناء السوفياتي كله . وهكذا فلا بد من ترميم الاقتصاد . إن اشد الفلاحين جهلاً يفهم أن الاقتصاد قد خربته الحرب , وانه بدون ترميم الاقتصاد لا يمكن القضاء على البؤس ولا نيل المنتجات الضرورية مقابل القمح . فعلى هذه الحاجة الأشد إلحاحا , على هذه الحاجة الحيوية للفلاحين , ينبغي أن ينصب , ومعها يجب أن يتماشى , كل جهد الدعاية والتعليم والتربية والتعليم خارج المدرسة , كي لا ينقطع هذا الجهد عن أشد حاجات الحياة اليومية حيوية , ولكي ينطلق بالضبط , في نظر الفلاح , من تطوير هذه الحاجات وإدراكها , مع التوكيد على أن المخرج الوحيد من هذه الحالة هو النهوض بالصناعة . غير انه لا يمكن أن تنهض الصناعة إلا على الأساس السابق : يجب أن تنهض على أساس التكنيك العصري ، أي كهربة الصناعة وإنهاض الثقافة . إن المحطات الكهربائية تتطلب حتى عشر سنوات من العمل ، على أن يكون عملا أكثر ثقافة ووعياً .

إننا سنطور خطة للعمل واسعة ينبغي أن ترتبط , في ذهن جماهير الفلاحين الواسعة , بهدف واضح ومعروض بشكل عملي . وهذا لا يمكن أن يتحقق خلال بضعة أشهر . ليس يمكن تخصيص أقل م ثلاث سنوات للبرنامج الأدنى . على انه يمكن القول , دون استسلام للأوهام , أننا نستطيع في مدى عشر سنوات أن نغطي روسيا كلها بشبكة من المحطات الكهربائية وأن نتوصل إلى مرحلة تستطيع صناعة الكهرباء فيها أن تلبي الحاجات التكنيكية العصرية ونستطيع فيها التخلص من الزراعة الفلاحية القديمة , وهذا يستلزم ثقافة وتعليما أكثر رقياً .

ودون أن تتجاهلوا أن المهمة العملية الملحة اليوم هي النهوض بوسائل النقل ونقل المؤن , وانه في ظل وضع الإنتاجية الحاضر يستحيل الانكباب على مهمات واسعة ، يجب عليكم ، في ميدان الدعاية والتربية , أن لا تغفلوا عن هذه المهمة , مهمة إعادة البناء كلياً على أساس يتجاوب مع الحاجات الثقافية والتكنيكية , إن من واجبكم مع ذلك أن تدخلوها في الحساب وتؤدوها . إننا سنشفى سريعا جداً من أساليب الدعاية السابقة البالية التي كانت حتى الآن تتوجه إلى الفلاح بعبارات عامة حول الصراع الطبقي , وكانت تخترع فيها شتى أنواع الحماقات بصدد الثقافة البروليتارية (1) الخ . إننا سنشفى من هذه الترهات التي تشبه كثيراً الأمراض الطفولية . ففي الدعاية , والتحريك , والتعليم , والتربية , سنطرح المسألة بمزيد من الوضوح والروح العملية , على نحو يليق برجال بلاد السوفيات , الذين تدربوا خلال سنتين وهم الآن يعرضون على الفلاح خطة عملية , حسية , وواضحة لأجل إعادة بناء الصناعة كلها , شارحين له أن الفلاح والعامل لن ينجز هذه المهمة , ولن يتخلصا من القذارة والبؤس والتيفوس والأمراض مادام التعليم في حالته الحاضرة . إن هذه المهمة العملية , المرتبطة ارتباطاً واضحاً بانطلاق الثقافة والتعليم , يجب أن تكون النواة التي يتمركز حولها كل طابع دعايتنا ونشاطنا الحزبي ، وكل طابع التعليم والتثقيف عندنا . وحينذاك تلتصق هذه النواة التصاقاً عميقاً بأشد مصالح الجماهير الفلاحية حيوية , وترتبط بين انطلاق الثقافة والمعرفة العام وبين المقتضيات الاقتصادية الملحة إلى حد نستطيع معه أن نزيد حاجات العمال في حقل التعليم مئة ضعف . ونحن واثقون إطلاقا من أنه , إذا كنا قد وجدنا الحل خلال سنتين لقضية الحرب , هذه القضية البالغة الصعوبة ، فإننا في غضون خمس عشر سنوات سننجز مهمة اشد صعوبة أيضا : مهمة التعليم والتثقيف والتربية .

هذه هي الأمنية التي أرادت أن أعرب لكم عنها .

(تصفيق )

المؤلفات – المجلد 30 – ص 386 – 391


الهوامش

(1) إشارة إلى المفاهيم المعادية للماركسية ل 01 بوغدانوف وآخرين الذين كانوا , وراء ستار (( الثقافة البروليتارية )) يرجون آراء رجعية برجوازية في الفلسفة ( حسب مذهب ماخ ) وأذواقا فاسدة في ميدان الفن ( المستقبلية ) . كان بوغدانوف وأنصاره ينكرون دور الحزب الشيوعي والدولة السوفياتية القيادي في البناء الثقافي , وكانوا يفصلون تطور الثقافة السوفياتية عن مجمل قضايا البناء الاشتراكي ؛ وكانوا ينكرون ضرورة أن تستخدم البروليتاريا أكبر منجزات تراث الماضي , الثقافي . وكان لينين يكافح بحزم محاولات غريس نظريات بوغدانوف البرجوازية الفارغة , المعادية للماركسية في منظمات الـ (( بروليتكولت )) ؛ وقد شجبت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ( البلشفي ) الروسي في رسالة (( حول البروليتكولت )) نشرت في (( برافدا )) أول كانون الأول ( ديسمبر ) 1920 , هذه النظرية الضارة . ومنذ 1922 أخذت منظمات الـ (( بروليتكولت )) تتفكك . صفحة 11 .


أرشيف فلاديمير لينين