كتبها
فلاديمير لينين في: 2 أكتوبر 1920
المصدر: الأعمال الكاملة، المجلد 31
نشرت
لأول مرة في: صحيفة برافدا أعداد 221، 222، و223 في 5، 6، و7 أكتوبر 1920
التحرير الرقمي: علي بطحة (تموز 2024)
( الحضور يستقبلون لينين بتصفيق عاصف وهتاف حماسي . ) أيها الرفاق ! أود اليوم أن أحدثكم عن المهمات الأساسية الموضوعة أمام اتحاد الشبيبة الشيوعية , وبالتالي , عما يجب أن تكون عليه , بوجه عام , منظمات الشباب في الجمهورية الاشتراكية .
يجدر بنا أن نتوقف على هذه المسألة خاصة وانه يمكن القول , بمعنى ما ، أن المهمة الحقيقية القاضية بإنشاء المجتمع الشيوعي ستقع بالضبط على عاتق الشباب . فواضح أن جيل الشغيلة , الذي تربى في المجتمع الرأسمالي ، لن يستطيع ، في أحسن الحالات ، سوى أن يحل قضية هدم أسس النظام الرأسمالي القديم ، القائم على الاستثمار . وأكثر ما يمكنه القيام به ، أن يحل مسألة إنشاء نظام اجتماعي من شأنه أن يساعد البروليتاريا والطبقات الكادحة في الاحتفاظ بالسلطة بأيديها وإرساء أسس متينة لا يستطيع أن يبني عليها غير الجيل الذي يبدأ العمل في ظروف جديدة ، في وضع لا وجود فيه لعلاقات الاستثمار بين الناس .
وإذا أتناول مسألة مهمات الشباب من وجهة النظر هذه يترتب علي أن أقول أن المهمات الموضوعة أمام الشباب بوجه عام وأمام اتحادات الشبيبة الشيوعية وجميع المنظمات الأخرى بوجه خاص يمكن تحديدها بكلمة واحدة : التعليم .
بدهي أن ليست تلك سوى (( كلمة )) . أن هذه الكلمة لا تجيب على سؤالين رئيسيين هما من أهم الأسئلة :ماذا ينبغي أن نتعلم وكيف ؟ والحال أن النقطة الأساسية هنا , هي أنه , مع تحّول المجتمع الرأسمالي القديم , لا يمكن أن يظل تعليم الأجيال الجديدة التي ستنشئ المجتمع الشيوعي وتربيتها وتثقيفها كما كانت عليه فيما مضى . إن نقطة الانطلاق في تعليم الشباب وتثقيفه وتربيته ينبغي أن تكون المواد التي تركها لنا المجتمع القديم . فليس بوسعنا أن نبني الشيوعية إلا انطلاقا من مجمل المعارف والمنظمات والمؤسسات هذا , إلا برصيد القوى البشرية والوسائل , التي بقيت لنا في المجتمع القديم . ولن نتمكن من بلوغ ما نرمي إليه , وهو أن تؤدي جهود الجيل الجديد إلى إنشاء مجتمع لا يشبه المجتمع القديم ، أي إلى إنشاء المجتمع الشيوعي ، إلا بتحويل تعليم الشباب وتنظيمه وتربيته وتحويله جذريا . ولهذا ينبغي لنا أن نبحث بالتفصيل مسالة معرفة ما ينبغي أن نعلم الشباب وكيف ينبغي لهم أن يتعلموا ، إذا شاءوا فعلا أن يكونوا جديرين باسم الشباب الشيوعي , وكيف ينبغي إعداده لكي يكونوا قادرين على انجاز المهمة التي بدأنا بها وتكليلها بالنجاح .
علي أن أقول أن الجواب الذي يبادر لأول وهلة إلى الذهن , على ما يخيل ، والذي يبدو طبيعيا أكثر من غيره , هو أن ينبغي لاتحاد الشبيبة , وبوجه عام , لكل الشباب الذين يريدون الانتقال إلى الشيوعية , أن يتعلموا الشيوعية .
ولكن هذا الجواب : (( تعلم الشيوعية )) ذو طابع عام جدا . فماذا ينبغي لنا إذا لكي نتعلم الشيوعية ؟ ماذا ينبغي لنا أن نختار من مجمل المعارف العامة لكي نكتسب معرفة الشيوعية ؟ في هذا المضمار , تهددنا أخطار مختلفة , تظهر في اغلب الأحيان منذ أن يساء وضع مهمة تعلم الشيوعية , أو حين تفهم بصورة وحيدة الطرف إلى حد كبير .
وطبيعي أن الفكرة التي تمر بالخاطر , للوهلة الأولى , هي أن تعلم الشيوعية يعني اكتساب مجمل المعرف الواردة في الكتب والكراريس والمؤلفات الشيوعية . ولكن مثل هذا التعريف للدراسة الشيوعية غير محكم أبدا وغير كاف . فلو كانت دراسة الشيوعية تنحصر في استيعاب ما هو وارد في الكتب والكراريس والمؤلفات الشيوعية , لأنتجنا بفائق السهولة شراحا سطحيين شيوعيين أو مدعيين مغرورين , الأمر الذي يسيء إلينا في غالب الأحيان ويلحق بنا الأذى ؛ لان هؤلاء القوم , الذين تعلموا وقرؤوا ما في الكتب والكراريس الشيوعية , يظهرون عاجزين عن الربط بين جميع هذه المعارف ولا يستطيعون التصرف والعمل كما تقتضيه الشيوعية فعلا .
من أفدح الشرور , ومن أسوء المصائب التي خلفها المجتمع الرأسمالي القديم , القطيعة التامة بين الكتاب والحياة العملية إذ كانت لدينا كتب تعرض كل شيء بأجمل صورة , ولكن هذه الكتب لم تكن , في معظم الأوقات , سوى رياء وكذب كريهين , يعطيان صورة كاذبة عن المجتمع الرأسمالي .
ولهذا كان من فادح الخطر الاقتصار على استيعاب ما هو وارد في الكتب الشيوعية .فان خطاباتنا ومقالاتنا ليست , اليوم , مجرد تكرار لما كان يقال فيما مضى عن الشيوعية , إذ أن خطاباتنا ومقالاتنا مرتبطة بعملنا اليومي , بالعمل في جميع الميادين .فبدون هذا العمل , بدون نضال , ليس ثمة إطلاقا أية قيمة للمعرفة التي تستقى عن الشيوعية من الكتب والمؤلفات الشيوعية , إذ أنها ليست سوى استمرار للقطيعة السابقة بين النظرية والتطبيق العملي , هذه القطيعة التي هي أكره سمة بين سمات المجتمع البرجوازي القديم .
وقد يشتد الخطر أيضا إذا اقتصرنا على استيعاب الشعارات الشيوعية فقط . فإذا لم ندرك هذا الخطر في حينه , وإذا لم ترمي جهودنا كلها إلى اجتنابه ، فان وجود نصف مليون أو مليون من الشبان والفتيات , الذين سيسمون أنفسهم شيوعيين بعد دراسة كهذه للشيوعية , لن يؤدي إلا إلى إلحاق ضرر كبير بقضية الشيوعية .
إذ ذاك , يوضع أمامنا السؤال التالي : كيف ينبغي لنا أن نوقف كل ذلك لنعلم الشيوعية ؟ ماذا ينبغي لنا أن نأخذ من المدرسة القديمة , من العلم القديم ؟ لقد كانت المدرسة القديمة تعلن أنها تريد تنشئة أناس مثقفين ثقافة شاملة , وتدريس العلوم بوجه عام . بيد أننا نعرف أن ذلك كان مجرد كذب , إذ أن المجتمع كان مبنيا وقائما على انقسام الناس إلى طبقات , إلى مستثمرين ومظلومين ومضطهدين. وكان طبيعيا أن لا تمنح المدرسة القديمة المعارف إلا لأبناء البرجوازية , لأنها كانت مفعمة تماما بالروح الطبقي . وكل كلمة من كلماتها كانت مكيفة وفقا للمصالح البرجوازية . وفي هذه المدارس , لم يكونوا يهتمون بتربية الجيل الفتي من العمال والفلاحين إلا لصالح البرجوازية نفسها . كانوا يربونهم بصورة يجعلون منهم خدما للبرجوازية يستجيبون لمتطلباتها , قادرين على جني الأرباح لها دون إقلاق راحتها وخمولها . ولهذا , نبذنا المدرسة القديمة , ولكننا في الوقت نفسه أخذنا على أنفسنا ألا نقتبس منها إلا ما هو ضروري لنا للتوصل إلى تربية شيوعية حقيقية .
وهنا أصل إلى تلك الملامات وتلك الاتهامات التي نسمعها دائما بصدد المدرسة القديمة , التي تؤدي في غالب الأحيان إلى تأويلات خاطئة إطلاقا . ويقولون أن المدرسة القديمة لم تكن لتعرف غير الدراسة الكتبية , والترويض , والحشو الآلي . هذا صحيح , غير انه ينبغي أن نعرف كيف نميز بين ما في المدرسة القديمة من سيء وبين ما فيها من صالح لنا ؛ ينبغي لنا أن نعرف كيف نختار ما هو ضروري للشيوعية .
لقد كانت المدرسة القديمة مدرسة لا تعرف غير الدراسة الكتبية , كانت تجبر التلاميذ على استيعاب طائفة من المعارف التي لا فائدة منها ولا غنى فيها ولا حياة وتحشي الرؤوس بها , وتجعل من الجيل الفتي دواوينيين مصبوبين في نفس القالب . بيد أنكم تقترفون خطأ جسيما إذا ما شئتم أن تستنتجوا من ذلك أن بالإمكان أن يصبح المرء شيوعيا دون استيعاب المعرفة البشرية . ومن الخطأ التفكير بأنه يمكن استيعاب الشعارات الشيوعية , واستنتاجات العلم الشيوعي , لكي نعفى من استيعاب مجمل المعارف التي الشيوعية نفسها هي حاصلها . أن الماركسية تبن جيدا كيف ولدت الشيوعية من مجمل المعارف التي اكتسبتها الإنسانية .
لقد قرأتم وعلمتم أن النظرية الشيوعية , أن العلم الشيوعي الذي أنشاه ماركس بصورة رئيسية , أن مذهب الماركسية هذا , لم يبقى من صنع اشتراكي واحد من القرن التاسع عشر , مهما أوتي من العبقرية , إنما غدا من صنع الملايين وعشرات الملايين من البروليتاريين في العالم بأسره , الذين يستلهمون هذا المذهب في نضالهم ضد الرأسمالية . ولو طرحتم السؤال التالي : لماذا استطاع مذهب ماركس أن يستولي على قلوب الملايين وعشرات الملايين في صفوف الطبقة الأكثر ثورية , لما استطاع أن تسمعوا سوى جواب واحد : لقد كان الأمر كذلك لان ماركس قد اعتمد على أساس متين , أساس من المعرف المكتسبة في ظل الرأسمالية ؛ فبعد أن درس ماركس أساس قوانين تطور المجتمع الإنساني , أدرك أن تطور الرأسمالية يؤدي حتما إلى الشيوعية , والأمر الأساسي هو انه لم يثبت هذه الحقيقة إلا بدراسة المجتمع الرأسمالي الدراسة الأكثر دقة , والأوفر تفصيلا , والأشد عمقا , بعد أن استوعب تماما كل ما أعطاه العلم السابق . وكل ما أنشأه المجتمع الإنساني , درسه ماركس بروح انتقاديه , دون أن يهمل منه نقطة واحدة . وكل ما أبدعه الفكر البشري , عالجه ماركس بروح النقد ، بعد أن خبره في معمعان الحركة العمالية , واستخلص منه استنتاجات لم يستطع الناس المحصورون في نطاق البرجوازي الضيق أو المقيدون بالأوهام البرجوازية .
ينبغي لنا أن لا ننسى ذلك حين نتكلم , مثلا , عن الثقافة البروليتارية . فإذا لم نفهم بوضوح أن معرفة الثقافة التي أبدعها كل تطور الإنسانية معرفة صحيحة ودراسة هذه الثقافة بصورة انتقاديه هما وحدهما اللتان تتيحان بناء الثقافة البروليتارية , إذ لم نفهم ذلك , فإننا لم نتوصل إلى حل هذه المسألة . أن الثقافة البروليتارية لا تنبثق من مكان مجهول ؛ ولا يخترعها الناس الذين يقولون ع أنفسهم أنهم اختصاصيون في ميدان الثقافة البروليتارية . كل ذلك سخف وهراء . ينبغي أن تكون الثقافة البروليتارية التطور المنطقي لمجمل المعارف التي صاغتها الإنسانية تحت تأثير المجتمع الرأسمالي , مجتمع الملاكين العقاريين والدواوينيين . كل هذه الشعاب قادة وتقود وستظل تقود إلى الثقافة البروليتارية , تماما كما بين لنا الاقتصاد السياسي , الذي وضعه ماركس من جديد , ما لابد أن يبلغه المجتمع الإنساني وكما بين لنا الصراع الطبقي , إلى بداية الثورة البروليتارية .
عندما نسمع , في كثير من الأحيان , ممثلي الشباب وبين المدافعين عن التعليم الجديد ، يهاجمون المدرسة القديمة , قائلين أنها كانت مدرسة حشو آلي , فإننا نقول لهم انه ينبغي لنا أن نأخذ عن المدرسة القديمة ما كان صالحا . ينبغي لنا أن نأخذ عن المدرسة القديمة أسلوب إرهاق ذاكرة الشباب بكمية مفرطة من المعارف , تسعة أعشارها لا تفيد والعشر الباقي مشوه .غير أن ذلك لا يعني البتة أننا نستطيع الاكتفاء بالاستنتاجات الشيوعية والشعارات الشيوعية المحفوظة غيبا . ما هكذا تبنى الشيوعية . فلا يمكن للمرء أن يصبح شيوعيا إلا بعدما يغني ذاكرته بمعرفة جميع الثروات الفكرية التي ابتدعتها الإنسانية .
لسنا بحاجة إلى الحشو الآلي , إنما ينبغي لنا أن ننمي ونحسن ذاكرة كل تلميذ بمعرفة الوقائع الأساسية , لان الشيوعية تمسي صفرا , تمسي مجرد شعار , لن الشيوعي يمسي مجرد داعي سخيف , إذا لم يتمثل إدراكه جميع المعارف المكتسبة . هذه المعارف , ينبغي لكم أن لا تكتفوا بمجرد استيعابها , ينبغي لكم أن تستوعبوها على نحو انتقادي , لكي لا تلبكوا دماغكم بخليط لا فائدة منه ، لكي تغنوا دماغكم بمعرفة جميع الوقائع التي لا يمكن للمرء بدونها أن يكون إنسانا مثقفا . إن الشيوعي الذي يدعي الشيوعية لأنه تعلم استنتاجات جاهزة , دون أن يقوم بعم لكبير جدي كثيرا وصعب جدا , دون أن ينظر بعين نافذة إلى الوقائع التي يترتب عليه أن يتبصر بها بفكر ناقد نفاذ , إن مثل هذا الشيوعي يدعو للرثاء . وليس ثمة ما هو أشام من موقف سطحي كهذا الموقف . فإذا كنت أعرف أني اعرف قليلا , بذلت كل ما في طاقتي لمعرفة المزيد , ولكن , إذا زعم المرء انه شيوعي , وانه ليس بحاجة إلى أن يعرف أي شيء أساسي , فانه لن تبدر منه أبدا أية بادرة تدل على انه شيوعي .
كانت المدرسة القديمة تكون الخدم الضروريين للرأسماليين , وكانت تجعل من رجال العلم أناس ملزمين بان يكتبوا وان يتكلموا وفقا لأهواء الرأسماليين . وهذا يعني انه ينبغي لنا أن نتخلص من المدرسة القديمة . ولكن , إذا كان ينبغي لنا أن نتخلص منها , إذا كان ينبغي لنا أن نهدمها , فهل هذا يعني انه لا يترتب علينا أن نقتبس منها كل ما كدسته البشرية من ضروري للناس ؟ هل هذا يعني انه لا يترتب علينا أن نعرف كيف نميز بين ما كان ضروريا للرأسمالية وما هو ضروري للشيوعية ؟
فبدلا من الترويض الذي كان يطبق فيما مضى في المجتمع البرجوازي خلافا لإرادة الأغلبية , سنقيم الانضباط الواعي لدى العمال والفلاحين الذين يؤلفون بين حقدهم على المجتمع القديم وبين العزيمة والقدرة والإرادة في توحيد قواهم وتنظيمها في سبيل هذا النضال , بغية تكوين إرادة موحدة من إرادة الملايين وعشرات الملاين من الناس المبعثرين , المنقسمين , المشتتين في أصقاع البلاد الشاسعة , إذ أننا , بدون هذه الإرادة الموحدة الواحدة , نمنى بالهزيمة حتما . وبدون هذا التكاتف والتضامن , وبدون هذا الانضباط الواعي لدى العمال والفلاحين , تكون قضيتنا فاشلة . بدون ذلك , لن نتمكن من التغلب على الرأسماليين والملاكين العقاريين في العالم بأسره . بل إننا لن نتمكن من توطيد أسس المجتمع الجديد , الشيوعي , بل إننا لن نتمكن بالأحرى من بناء هذا المجتمع الجديد على هذه الأسس . وهكذا , مع نبذنا المدرسة القديمة , مع الحقد عليها حقدا مشروعا تماما , مع تقديرنا الرغبة في هدمها , ينبغي لنا أن ندرك انه , بدلا من الدراسة الكتبية القديمة , بدلا من الحشو الآلي القديم , بدلا من الترويض القديم , يترتب علينا أن نتعلم كيف نتمثل كل حصيلة المعارف الإنسانية, وكيف نفعل ذلك بصورة لا تكون معها الشيوعية , عندكم , شيئاً محفوظا عن ظهر قلب , بل شيئا فكرتم وتفكرون به بأنفسكم , شيئا يمثل الخلاصات التي تفرض نفسها من وجهة نظر التربية الحديثة .
هكذا ينبغي وضع المهمات الأساسية عندما نتحدث عن قضية : تعلم الشيوعية .
ولكي أوضح لكم هذه النقطة وأتناول في الوقت نفسه مسألة معرفة كيف ينبغي لنا أن نتعلم , أورد مثلا عمليا . تعلمون جميعكم أن المهمات الاقتصادية هي التي توضع أمامنا , بعد المهمات العسكرية , بعد القضايا المتعلقة في الدفاع عن الجمهورية . ونحن نعلم انه يستحيل بناء المجتمع الشيوعي دون إنهاض الصناعة والزراعة , مع العلم أننا لا نقصد بذلك أعادتهما بشكلهما القديم . إنما ينبغي إنهاضهما على أساس حديث , ينطبق على آخر منجزات العلم . وأنتم تعلمون أن هذا الأساس , إنما هو الكهرباء , ويم تتم كهربة كل البلاد , وجميع فروع الصناعة والزراعة , ويم تنجزون هذه المهمة , يوم ذاك فقط تتمكنون من أن يبنوا لأنفسكم المجتمع الشيوعي الذي لا يستطيع الجيل السابق أن يبنيه . وأمامكم توضع مهمة إنهاض البلاد بأسرها , وإعادة تنظيم الزراعة والصناعة والنهوض بهما على أساس تكنيكي حديث يرتكز على العلم والتكنيك الحديثين , وعلى الكهرباء . وأنتم تدركون كل الإدراك أن الكهربة لن يحققها الأميون , وأنها لا تكفيها المعرفة البدائية . ولا يكفي هنا أن نفهم ما هي الكهرباء : ينبغي أن نعرف كيف نطبقها تقنيا في الصناعة والزراعة وفي مختلف فروعهما . كل ذلك , ينبغي أن نتعلمه بأنفسنا , ينبغي أن نعلمه لكل الجيل الكادح الصاعد . تلك هي المهمة التي توضع أمام جميع الشيوعيين الواعين , أمام جميع الشبان الذين يعتبرون أنفسهم شيوعيين والذين يدركون كل الإدراك أنهم , بانضمامهم إلى اتحاد الشبيبة الشيوعية , يقطعون عهدا على أنفسهم بمساعد الحزب في بناء الشيوعية , وبمساعد كل الجيل الفتي في خلق المجتمع الشيوعي . ينبغي لهم أن يفهموا أنهم لن يتمكنوا من إنشاء هذا المجتمع إلا على أساس التعليم الحديث وان الشيوعية ستبقى مجرد أمنية إذا لم يأخذون بنصية هذا التعليم .
كان دور الجيل السابق إسقاط البرجوازية . وكانت المهمة الرئيسية حينذاك انتقاد البرجوازية , وإنماء شعور الحقد عليها بين الجماهير , معرفة حشد قواها وتطوير الوعي الطبقي . أما الجيل الجديد , فانه يواجه مهمة أكثر تعقيدا . أن واجبكم لا يقتصر على حشد كل قواكم في سبيل دعم حكم العمال والفلاحين ضد غزو الرأسماليين . فهذا واجبكم . وقد أدركتموه كل الإدراك , وكل شيوعي يدركه بوضوح . ولكن ذلك لا يكفي . عليكم أن تبنوا المجتمع الشيوعي . لقد تم القسم الأول من العمل , في كثير من النواحي . لقد هدم النظام القديم , كما كان ينبغي هدمه , ولم يبق منه سوى ركام من الخراب وقد كان يجب أن يصبح هكذا . والتربة ممهدة , وعلى هذه التربة , ينبغي للجيل الشيوعي الفتي أن يبني المجتمع الشيوعي .أمامكم مهمة , هي مهمة البناء . ولن تتمكنوا من القيام بها إلا إذا استوعبتم كل المعارف الحديثة , إلا إذا استطعتم تحويل الشيوعية من صيغ ونصائح , وتوصيات , وتعليمات , وبرامج , جاهزة ومحفوظة غيباً , إلى هذا الواقع الحي الذي ينسق عملكم المباشر , إلا إذا استطعتم أن تجعلوا من الشيوعية مرشدا في نشاطكم العملي كله .
تلك هي مهمتكم , المهمة التي يترتب عليكم أن تستلموها من أجل تعليم وتربية كل الجيل الفتي , وحفز تقدمه . وعليكم أن تكونوا طلائع بناة المجتمع الشيوعي بين هؤلاء الملايين من البناة الذين ينبغي أن يكون منهم كل شاب وكل فتاة . وإذا لم تجتذبوا إلى عمل بناء الشيوعية كل الشباب من العمال والفلاحين , فإنكم لن تبنوا المجتمع الشيوعي .
وهنا أصل بطبيعة الحال إلى مسألة معرفة كيف ينبغي أن نعلم الشيوعية وأي طابع ينبغي أن تتخذه أساليبنا .
قبل كل شيء أتناول هتا مسألة الأخلاق الشيوعية . ينبغي لكم أن تربوا أنفسكم تربية شيوعية . المهمة الموضوعة أمام اتحاد الشبيبة , هي أن ينظم نشاطه العملي بصورة تصبح معها هذه الشبيبة شيوعية وهي تتعلم , وتنتظم , وتحتشد , وتناضل , بحيث تجعل هذه الشبيبة من جميع الذين يعترفون بها كمرشدة لهم شيوعيين . ينبغي أن يرمي كل عمل تثقيف الشبيبة الحالية وتعليمها وتربيتها إلى إنماء الأخلاق الشيوعية عندها .
ولكن , هل ثمة أخلاق شيوعية ؟ هل ثمة قواعد سلوك شيوعية ؟ أجل بكل تأكيد . غالبا ما يزعم أن ليس لدينا أخلاق خاصة بنا , وفي معظم الأحيان , تتهمنا البرجوازية , بأننا نحن الشيوعيين , ننكر كل أخلاق . وتلك طريقة لتشويه الأفكار , لذر الرماد في عيون العمال والفلاحين .
بأي معنى ننكر نحن الأخلاق , وننبذ قواعد السلوك ؟ بالمعنى الذي كانت تعطيه لها البرجوازية .
إن كل الأخلاق مستقاة من مفاهيم مفصولة عن الإنسانية , مفصولة عن الطبقات , أن أخلاق كهذه ننفيها وننكرها . ونقول أنها تخدع العمال والفلاحين وتغشهم , وتحشوا أدمغتهم حشوا , وذلك في صالح الملاكين والعقاريين والرأسماليين .
إننا نقول أن أخلاقنا خاضعة تماما لمصالح نضال البروليتاريا الطبقي . إن أخلاقنا تنبثق من مصالح نضال البروليتاريا الطبقي .
لقد كان المجتمع القديم قائما على اضطهاد جميع العمال وجميع الفلاحين من جانب الملاكين العقاريين والرأسماليين . كان علينا أن نهدم كل ذلك , أن نسقط هؤلاء ؛ ولكن كان ينبغي تحقيق الاتحاد لأجل هذا الغرض . ومثل هذا الاتحاد لا يمكن أن يهبط من السماء ..
إن هذا الاتحاد لم يكن من الممكن أن يأتي إلا من المصانع والمعامل , إلا من بروليتاريا متعلمة , استيقظت من سباتها الطويل . وفقط عندما تشكلت هذه الطبقة, بدأت الحركة الجماهيرية التي أدت إلى ما نراه اليوم , إلى انتصار الثورة االبروليتارية في بلد من أضعف البلدان , في بلد يدافع عن نفسه منذ ثلاث سنوات ضد هجوم برجوازية العالم بأسره . ونقول اليوم , بالاستناد إلى تجربتنا , أن البروليتاريا وحدها كانت تستطيع أن تنشئ قوة متجانسة تجانسا كافيا لكي تجتذب وراءها الفلاحين المبعثرين , والمتشتتين , قوة صمدت في وجه جميع هجمات المستثمرين . هذه الطبقة وحدها تستطيع أن تساعد الجماهير الكادحة في توحيد صفوفها وحشدها , في إنقاذ المجتمع الشيوعي نهائيا، في ترسيخه نهائيا , في بنائه نهائيا .
ولهذا نقول : ليس ثمة لأخلاق بنظرنا خارج نطاق المجتمع الإنساني , والقول بوجودها خارج المجتمع خداع وتضليل . فالأخلاق , بنظرنا , خاضعة لمصالح نضال البروليتاريا الطبقي .
ولكن , ولكن ما هو قوام هذا النضال الطبقي ؟ قوامه إسقاط القيصر , إسقاط الرأسماليين , ومحو طبقة الرأسماليين .
وما هي الطبقات بوجه عام ؟ أنها ما يتيح لقسم من المجتمع أن يستأثر بعمل الآخرين . فإذا استأثر قسم من المجتمع بكل الأرض , كانت طبقة الملاكين العقاريين وطبقة الفلاحين . وإذا امتلك قسم من المجتمع المصانع والمعامل , والأسهم والرساميل , بينما القسم الأخر يشتغل في هذه المصانع , كانت طبقة الرأسماليين وطبقة البروليتاريين .
إن طرد القيصر لم يكن صعبا , فقد كفت بضعة أيام . ولم يصعب جدا طرد الملاكين العقاريين , فقد استطعنا تحقيق ذلك خلال بضعة أشهر ؛ كذلك ليس من الصعب جدا طرد الرأسماليين . ولكنه من الأصعب إلى ما لا حد له محو الطبقات ؛ فان الانقسام إلى عمال وفلاحين ما يزال قائما . فإذا أقام الفلاح على قطعة من الأرض واستأثر بفائض حبوبه , أي الحبوب التي لا يحتاج إليها , لا لنفسه , ولا لماشيته , في حين يظل جميع الآخرين بلا حبوب , فانم هذا الفلاح يستحيل إذ ذاك إلى مستثمر . وكلما ازدادت كمية الحبوب التي يحتفظ بها , كلما ازداد ربحه , ولا باس أن يجوع الآخرون : (( كلما جاعوا أكثر ، بعت حبوبي بسعر أغلى )) ينبغي أن يشتغل الجميع وفقاً لبرنامج مشترك على ارض مشتركة , وفي المصانع والمعامل المشتركة , وفقا لنظام مشترك . فهل من السهل تحقيق ذلك ؟ إنكم ترون إن الحال هذه المرة أصعب مما كان عليه حين كان يتعلق الأمر بطرد القيصر والملاكين العقاريين والرأسماليين . فهذه المرة , ينبغي أن تعيد البروليتاريا تربية وتعليم قسم من الفلاحين وان تجتذب إليها الذين هم فلاحون كادحون , لكي تستحق مقاومة الفلاحين الأغنياء الذين يثورون من بؤس الآخرين . ولذا فان الهدف من نضال البروليتاريا لما يتحقق لكوننا أسقطنا القيصر , وطردنا الملاكين العقاريين والرأسماليين ؛ والحال , إن انجاز هذا النضال , إنما هو بالضبط مهمة النظام الذي نسميه ديكتاتورية البروليتاريا.
إن النضال الطبقي مستمر ؛ ولم يتغير إلا شكله . فالبروليتاريا تخوض هذا النضال الطبقي لكي تحول دون عودة المستثمرين السابقين , ولكي توحد في كل واحد جماهير الفلاحين المبعثرين الجاهلين . أن النضال الطبقي مستمر , وواجبنا أن نخضع جميع المصالح لهذا النضال . ولهذه المهمة نخضع كل أخلاقنا الشيوعية . ونحن نقول : الأخلاق هي ما يتيح هدم مجتمع المستثمرين القديم وتوحيد جميع الشغيلة حول البروليتاريا التي تنشى المجتمع الجديد , الشيوعي .
إن الأخلاق الشيوعية , إنما هي الأخلاق التي تخدم هذا النضال , وتوحد الشغيلة ضد كل استثمار , ضد كل ملكية صغيرة , لان الملكية الصغيرة تضع في يدي فرد واحد ما أبدعه عمل المجتمع بأسره . إن الأرض , عندنا ,ملكية مشتركة .
ولكن إذا أخذت قسما من هذه الملكية المشتركة , وإذا أنتجت فيه كمية من الحبوب تزيد الضعفين عما هو ضروري لي , وإذا ضاربت بفائض هذه الحبوب ؟ وإذا قلت في نفسي انه كلما ازداد عدد الجياع , ارتفعت الأسعار التي تدفع لي ؟ فهل أتصرف على هذا النحو كشيوعي ؟ كلا , إني أتصرف كمستثمر . كمالك . ينبغي أن نناضل ضد هذا . فإذا تركت الأمور على حالها , فكل شيء يسير الى الوراء , نحو حكم الرأسماليين , نحو حكم البرجوازية , كما تبين مرارا عديدة في الثروات الماضية . ولأجل الحؤول دون الجشع , ينبغي الحؤول دون إثراء البعض على حساب الآخرين , ولهذا الغرض , ينبغي أن يتحد جميع الشغيلة مع البروليتاريا ويقيموا المجتمع الشيوعي . ذلك هو الطابع الخاص , الأساسي , لما يشكل المهمة الأساسية الموضوعة أمام اتحاد الشباب الشيوعي وتنظيمه .
كان المجتمع القديم قائما على المبدأ التالي : أما أن تنهب الغير , وإما أن ينبهك الغير ؛ أما أن تشتغل لصالح أخر , وإما أن يشتغل هو لصالحك ؛ أما أن تكون سيدا , وأما أن تكون عبدا . ومفهوم أن يرضى الناس الذين تربوا في ذلك المجتمع ، مع حليب أمهاتهم , إذا جاز القول , نفسية وعادات ومفاهيم السيد أو العبد , أو الملاك الصغير , أو المستخدم الصغير , أو الموظف الصغير , أو المثقف , وبكلمة موجزة , إنسان لا يفكر إلا بخيره , ور يبالي بمصير الآخرين .
إذا كنت استثمر قطعة ارضي , فليس لي أن أهتم بالآخرين ؛ وإذا جاع الآخر كان ذلك أفضل : فإني سأبيع حبوبي بسعر أغلى . وإذا كان لي منصب صغير كطبيب أو مهندس أو معلم أو مستخدم , فما همني من الغير .
وربما تملقت المتسلطين على زمام الحكم , وسعيت إلى إرضائهم , فأحافظ على منصبي , بل قد أنجح في شق طريقي , وأصبح أنا نفسي برجوازيا . إن مثل هذه النفسية , ومثل هذه العقلية ليستا من صفات الشيوعي . فعندما اثبت العمال والفلاحون أننا قادرون , بقوانا الخاصة , على أن ندافع عن أنفسنا وان ننشئ مجتمعا جديد , حينذاك بدأت تربية جديدة , شيوعية , تربية تمت في غمرة النضال ضد المستثمرين , تربية بالتحالف مع البروليتارية , ضد الأنانيين وصغار الملاكين , ضد النفسية والعادات التي تحمل المرء على القول : إني أسعى وراء فائدتي أنا , والباقي لا يهمني أبدا .
ذلك هو الجواب على مسألة معرفة كيف ينبغي للجيل الفتي الصاعد أن يتعلم الشيوعية .
إن الجيل الصاعد لا يستطيع أن يتعلم الشيوعية إلا إذا ربط كل خطوة يخطوها في دراسته وتربيته وتعليمه , بالنضال الدائب الذي يخوضه البروليتاريون والشغيلة ضد مجتمع المستثمرين القديم . وعندما يحدثوننا عن الأخلاق , بنظر الشيوعي , تقوم كلها في هذا الانضباط والتضامن والتراص وفي هذا النضال الواعي الذي تخوضه الجماهير ضد المستثمرين . إننا لا نؤمن بالأخلاق الأبدية , وإننا نفصح جميع القصص والحكايات الكاذبة الملفقة حول الأخلاق . إن الأخلاق تتيح لمجتمع الإنساني أن يرتفع إلى الأعلى , أن يتحرر من استثمار العمل .
ولأجل بلوغ هذا الهدف , ينبغي أن يكون لنا هذا الجيل من الشبان الذين اخذوا يتحولون إلى رجال واعين , في جو من النضال الانضباطي , الضاري , ضد البرجوازية . وفي معمعان هذا النضال سيربي هذا الجيل شيوعيين حقيقيين ؛ ولهذا النضال و به ينبغي لهذا الجيل أن يخضع ويربط كل خطوة يخطوها في دراسته وتربيته وتعليمه . إن تربية الشبيبة الشيوعية لا تعني التكرم عليها بالخطب المعسولة وبقواعد الأخلاق . ليس هذا قوام التربية . فان الذين رأوا آباءهم وأمهاتهم يقضون حياتهم تحي نير الملاكين والعقاريين والرأسماليين ؛ والذين تحملوا قسطهم من الآلام التي عاناها أولئك الذين بدؤوا المعركة ضد المستثمرين ؛ والين رؤوا أي تضحيات تقتضيها مواصلة هذا النضال دفاعا عن المكتسبات , وأي أعداء الداء ضره هم الملاكون العقاريون والرأسماليون , – أن هؤلاء هم الذين تربوا , في تلك الظروف , تربية شيوعية . إن ما يقوم في أساس الأخلاق الشيوعية , هو النضال في سبيل ترسيخ الشيوعية , وانجاز بنائها. ذلك هو أساس التربية الشيوعية والتثقيف الشيوعي والتعليم الشيوعي . ذلك هو الجواب على مسألة معرفة كيف ينبغي أن نتعلم الشيوعية .
إننا لا نؤمن بالتعليم والتثقيف والتربية إذا انحصرت في المدارس وانفصلت عن الحياة الجياشة . وما دام الملاكون العقاريون والرأسماليون يضطهدون العمال والفلاحين , وما دامت لمدارس في أيدي هؤلاء الملاكين والرأسماليين , فلسوف يبقى الجيل الفتي أعمى وجاهلا . والحال , ينبغي لمدارسنا نحن أن تعطي الشباب أسس المعرفة , وان تعلمهم كيف يكونون بأنفسهم مفاهيم شيوعية , ينبغي لها أن تجعل منهم أناس مثقفين . ينبغي لها , خلال مدة دراستهم , أن تجعل منهم مناضلين في سبيل تحرير المستثمرين . إن اتحاد الشبيبة الشيوعية لا يكون جديرا بهذا الاسم , لا يكون حقا الجيل الشيوعي الفتي , إلا متى ربط كل خطوة يخطوها في دراسته وتعليمه وتربيته , بالنضال المشترك الذي يخوضه جميع الشغيلة ضد المستثمرين . وبالفعل , انتم تعرفون جيدا انه مادامت روسيا هي الجمهورية العمالية الوحيدة , ومادام النظام البرجوازي القديم قائما في باقي العالم , فإننا سنظل اضعف من أعدائنا , وسنظل مهددين في كل لحطة بهجوم جديد , وإننا لن ننتصر في النضال اللاحق ولن ترسخ بالتالي أقدامنا ومواقعنا , فيستحيل فعلا قهرنا , إلا إذا تعلمنا كيف نتحد وكيف نعمل بقلب واحد . وهكذا , أن يكون المرء شيوعيا , فهذا يعني تنظيم وتوحيد كل الجيل الصاعد , هذا يعني إعطاء المثال على التربية والروح الانضباطي في هذا النضال . وإذ ذاك تستطيعون أن تباشروا وتتمموا بناء صرح المجتمع الشيوعي .
ولكي أنيركم حول هذه النقطة , أورد مثلا . أننا نسمي أنفسنا شيوعيين . فنم هو الشيوعي ؟ إن كلمة شيوعي آتية من اللاتينية ( Communis ) . كلمة كومونيس تعني المشترك . والمجتمع الشيوعي , يعني : مجتمع كل شيء فيه مشترك – الأرض مشتركة , والمعامل مشتركة , وعمل الجميع مشترك . تلك هي الشيوعية.
فهل يمكن أن يكون ثمة عمل مشترك إذا كان كل امرئ يستثمر كل قطعة ارض لحسابه الخاص ؟ إن العمل المشترك لا ينشا دفعة واحدة . هذا غير ممكن . ولا هو يهبط من السماء . إنما ينبغي اكتسابه , انه ثمرة آلام طويلة . ينبغي إنشاءه . وهو ينشا في غمرة النضال . فالمسالة ليست هنا مسألة كتاب قديم , إذ لن يصدقه احد . وإنما نحتاج إلى التجربة الشخصية في الحياة . عندما كان كولتشاك ودينيكين يزحفان إلينا من سيبيريا والجنوب , كان الفلاحون إلى جانبهما . ولم تكن البلشفية لترضيهم , لان البلاشفة كانوا يأخذون الحبوب بأسعار ثابتة . ولكن , عندما عانى الفلاحون في سيبيريا أوكرانيا حكم كولتشاك ودينيكين , أدركوا انه لا خيار لهم . فإما السير وراء الرأسمالي الذي يعيدهم إلى عبودية الملاك العقاري, وأما السير وراء العامل الذي لا يعد , حقا , بالمن والسلوى , والذي يتطلب منهم الثبات والانضباط الحديدي في معركة قاسية , ولكنه يحررهم من عبودية الرأسماليين والملاكين العقاريين . بل حين أدرك الفلاحون الجهلة أنفسهم هذه الحقيقة وتثبتوا منها بتجربتهم الخاصة , أصبحوا من أنصار الشيوعية الواعين الذين اجتازوا مدرسة صعبة . هذه التجربة , ينبغي لاتحاد الشبيبة الشيوعي أن يضعها في أساس كل نشاطه .
لقد أجبت على مسألة معرفة ما يترتب علينا أن نتعلمه وما ينبغي لنا أن نأخذه من المدرسة القديمة والعلم القديم . وسأحاول أن أجيب أيضا على مسألة معرف كيف ينبغي أن نتعلم كل هذه الأمور : لن نتعلم إلا إذا ربطنا بصورة لا تنفصم عراها كل خطون من العمل في المدرسة , وكل خطون من التربية والتعليم والدراسة , بنضال جميع الشغيلة ضد المستثمرين .
ببعض الأمثلة المستقاة من تجربة عمل هذه المنظمة أو تلك من منظمات الشباب , سأبين لكم بوضوح كيف ينبغي أن تجري هذه التربية الشيوعية . جميع الناس يتحدثون عن تصفية الأمية . وأنتم تعلمون انه يستحيل بناء مجتمع شيوعي في بلد من الأميين . فلا يكفي أن يأمر حكم السوفيات , أو أن يطلق الحزب شعارا معينا, أو أن نعبئ لهذه المهمة قسما من خيرة مناضلينا . لهذا الغرض , ينبغي للجيل الفتي أن يجعل من هذه المهمة قضيته . إن الشيوعية هي أن يعلن الشبان والفتيات المنتسبون إلى اتحاد الشبيبة : أن هذه قضيتنا , وسنضم صفوفنا ونمضي إلى القرى لتصفية الأمية , لكي لا يبقى في صفوف جيلنا الصاعد أميون . ونحن نسعى لكي ينصب نشاط الجيل الناشئ على هذه المهمة . وأنتم تعلمون أنه يستحيل تحويل روسيا الجاهلة الأمية بسرعة إلى بلد متعلم ؛ ولكن , إذا اخذ اتحاد الشبيبة هذه المهمة على عاتقه , وذا عملت الشبيبة كلها في صالح الجميع , فان هذا الاتحاد , الذي يضم 400000 من الشبان والفتيات , سيحق له أن يتسمى اتحاد شبيبة الشيوعية . وعلى الاتحاد أيضا , مع استيعابه هذه المعارف أو تلك , أن يساعد الشبان الذين لا يستطيعون تحرير أنفسهم بأنفسهم من ظلمات الأمية . وان يكون المرء عضوا في اتحاد الشبيبة , يعني انه يترتب عليه أن يضع عمله وطاقته في خدمة القضية المشتركة . في هذا تنحصر التربية الشيوعية . فبالعمل على هذا النحو فقط , يصبح الشاب أو الفتات شيوعيين حقيقيين . ولا يصبحان شيوعيين حقيقيين إلا إذا حصلا بعملهما هذا على نتائج عملية .
خذوا , مثلا, العمل في بساتين الخضر قرب المدن . أوليست هذه مهمة رئيسية ؟ إنها من مهمات اتحاد الشبيبة الشيوعية . فالناس جياع والمجاعة قائمة في المعامل والمصانع . فلكي نتخلص من المجاعة , ينبغي تطوير زراعة الخضر ؛ ولكن الزراعة ما تزال تتبع الأساليب القديمة . ينبغي إذا أن تبدأ العمل العناصر الأكثر وعيا . وحينذاك ترون أن البساتين الخضر تتكاثر ومساحتها تزداد , والنتائج تتحسن . ينبغي لاتحاد الشبيبة الشيوعية أن يشترك اشتراكا نشيطا في هذا العمل . ينبغي لكل منظمة أو لكل خلية في الاتحاد أن تعتبر هذه المهمة مهمتها الخاصة .
ينبغي لاتحاد الشبيبة الشيوعي أن يكون فصيلة الصدام التي تقدم مساعدتها في جميع الميادين وتعطي الدليل على روح المبادرة والمبادهة . ينبغي لاتحاد أن يسلك سلوكا يستطيع معه كل عامل أن يرى في أعضاء الاتحاد قوما قد لا يفهم مذهبهم , قوما قد لا يؤمن فورا بمذهبهم , ولكن عمله الحي ونشاطهم يقنعانه بأنهم فعلا هم الذين يبنون له السبيل القويم .
فإذا لم يتوصل اتحاد الشبيبة الشيوعية إلى تنظيم نشاطه على هذا النحو في جميع الميادين , فهذا يعني انه يسلك السبيل القديم , السبيل البرجوازي , ينبغي لنا أن نربط تربيتنا بنضال الشغيلة ضد المستثمرين , لكي نساعد أولئك في انجاز المهمات المنبثقة من المذهب الشيوعي .
ينبغي لأعضاء الاتحاد أن يكرسوا كل ساعة من أوقات فراغهم لتحسين الزراعة في بساتين الخضر أو لتنظيم تعليم الشبان في مصنع ما أو معمل ما الخ .. أننا نريد أن نجعل من روسيا الفقيرة البائسة بلاد غنية . ولذا ينبغي أن يربط اتحاد الشبيبة الشيوعية تعلمه ودراسته وتربيته بعمل العمال والفلاحين , وإلا ينحصر في مدارسو وألا يقتصر على قراءة الكتب والكراريس الشيوعية . فبالعمل فحسب بصورة مشتركة مع العمال والفلاحين , يستطيع المرء أن يصبح شيوعيا حقيقيا . وينبغي أن يرى جميع الناس أن المنتسبين إلى اتحاد متعلمون وأنهم يعرفون في الوقت نفسه كيف يشتغلون . وعندما يرى الجميع إننا نبذنا من المدرسة القديمة أساليب الترويض القديمة وأننا استعضنا عنها بروح انضباطي واع , وان جميع شبابنا يشتركون في الثبوت الشيوعية , وأنهم يستخدمون كل مزرعة قرب المدن لكي يساعدوا السكان , فان الناس سيقفون من العمل موقفا يختلف كل الاختلاف عن موقفهم السابق .
تقوم
مهمة اتحاد الشبيبة الشيوعية , في القرية أو في الحي , يف تنظيم المساعدة في ميدان مثل – واضرب مثلا
صغيرا – الحماية الصحية أو توزيع المأكولات . ولكن , كيف كان بيتم ذلك في المجتمع الرأسمالي القديم ؟
كان كل امرئ لا يشتغل إلا لنفسه , ولم يكن أحد ليهتم بمعرفة ما إذا كان ثمة عجزة أو مرضى , أو ما إذا كانت
جميع الشؤون المنزلية تقع على كاهل المرأة التي كانت , لهذا السبب , مرهقة ومستعبدة . فمن يترتب عليه أن
يناضل ضد هذه الحال ؟ اتحاد الشبيبة . عليه أن يقول : سنغير كل هذا , وسننظم فصائل من الشبان تساعد في تامين
النظافة أو في توزيع المأكولات , وتزور البيوت بانتظام , وتعمل بصورة منظمة لخير المجتمع كله , موزعة قواها
توزيعا سديدا ومبينة انه ينبغي أن يكون العمل عملا منظما .
إن
الجيل الذي بلغ أبناءه اليوم ما يقرب من الخمسين من العمر لا يستطيع أن يأمل برؤية المجتمع الشيوعي . فان
هذا الجيل سيغيب قبل أن يأتي هذا المجتمع . أما الجيل الذي يبلغ اليوم الخامسة عشر من العمر , فسيرى المجتمع
الشيوعي وسيعمل بنفسه في بنائه . ولذا ينبغي له أن يعرف أن كل هدف حياته هو بناء هذا المجتمع . ففي المجتمع
القديم كانت كل عائلة تعمل على انفراد , ولم يكن ثمة من ينسق هذا العمل إلا الملاكون العقاريون والرأسماليون
, الذين كانوا يضطهدون سواد الشعب . أما نحن , فينبغي أن ننظم كل عمل , مهما كان وسخا وصعبا , بصورة يستطيع
معها كل عامل وكل فلاح أن يقول في نفسه : إني عضو في هذا الجيش الكبير , جيش العمل الحر , وسأعرف كيف ابني
حياتي بنفسي دون الملاكين العقاريين والرأسماليين , وسأعرف كيف أقيم النظام الشيوعي . ينبغي لاتحاد الشبيبة
الشيوعية أن يثقف الجميع , منذ الصغر , بروح العمل الواعي الانضباطي . وهكذا نستطيع أن نأمل بانجاز المهمات
الواضعة الآن أمامنا .
ينبغي أن نحسب عشر سنوات على الأقل لكهربة البلاد , ولتتمكن أرضنا التي افتقرت , من الاستفادة من آخر منجزات التكنيك . على الجيل الذي يبلغ اليوم الخامسة عشر من العمر والذي سيعيش في المجتمع الشيوعي بعد عشر أو عشرين سنة أن ينظم مسائل تدرجه بصورة تستطيع معها الشبيبة كل يوم , في كل مدينة وفي كل قرية . أن تقوم عمليا بهذه المهمة أو تلك من العمل المشترك , مهما كانت هذه المهمة ضئيلة وبسيطة . وبقدر ما يجري ذلك في مجتمع القرى وتتطور المباراة الشيوعية , وتبرهن الشبيبة على أنها تعرف كيف تنسق عملها , بقدر ما يتأمن نجاح البناء الشيوعي . ولن يستطيع اتحاد الشبيبة الشيوعية أن يحشد نصف المليون من أعضائه في جيش واحد للعمل , ويكسب احترام الجميع , إلا إذا نظرنا إلى كل عمل من أعمالنا نمن زاوية نجاح هذا البناء , وإلا إذا تسألنا إذا كنا بذلنا كل ما في وسعنا لكي نكون شغيلة متحدين واعين .
المؤلفات – المجلد 31 0 ص 292 – 310
(1)المؤتمر الثالث لاتحاد الشبيبة الشيوعية لعامة روسيا جرى في موسكو من 2 إلى 10 تشرين الأول ( أكتوبر ) 1920 واشترك فيه زهاء 600 مندوب . ألقى لينين خطابه في الجلسة الأولى , مساء 2 تشرين الأول ( أكتوبر ) . صفحة 23