إن الاشتراكيين-الديموقراطيين يناضلون في سبيل
تحرير الشعب العامل بأسره من كل نهب، وكل ظلم، وكل تعسف. ولكي تتحرر
الطبقة العاملة، يتعين عليها قبل كل شيء أن تتحد. ولهذا الغرض ينبغي أن
تتوافر لها حرية التجمع، وحق التجمع، ينبغي أن تتوافر لها الحرية
السياسية. لقد سبق أن قلنا أن الحكم الاوتوقراطي إنما هو إذلال الشعب
من قبل الموظفين والبوليس. فالحرية السياسية ضرورية إذن لكل الشعب، عدا
قبضة من حاشية القصر وكبار أصحاب المرتب وكبار ذوي النفوذ الذين يلجون
أبواب القصر. ولكن الحرية السياسية ضرورية بوجه خاص للعمال والفلاحين.
فالأغنياء يستطيعون إنقاذ أنفسهم بالمال من تعسف الموظفين والبوليس
وطغيانهم. وبوسعهم أن يرتقوا أعلى الدرجات لرفع شكاواهم. ولذا يسمح
رجال البوليس والموظفون لأنفسهم بمماحكة الأغنياء أقل بكثير جدا من
مماحكة الفقراء. وليس لدى العمال والفلاحين ما يرشون به البوليس
والموظفين، وليس لهم من يقدمون له شكاواهم، وليس لديهم أية وسيلة
للدفاع عن أنفسهم أمام المحاكم. ولن يستطيعوا أبدا التخلص من طغيان
البوليس والموظفين وتعسفعهم ونهبهم وسلبهم طالما لا تقوم في الدولة
حكومة منتخبة، وجمعية نواب شعبية. وهذه الجمعية هي وحدها التي تستطيع
إنقاذ الشعب من استذلال الموظفين له. وعلى كل فلاح مدرك أن يقف إلى جانب الاشتراكيين-الديموقراطيين الذين يطالبون الحكومة القيصرية قبل
كل شيء وفوق كل شيء بعقد جمعية شعبية من النواب.
ينبغي على جميع الناس دون تمييز في الفئة الاجتماعية التي
إليها
ينتسبون، دون تمييز بين الأغنياء والفقراء أن ينتخبوا النواب. ينبغي أن
يكون الانتخاب حرا دون أية عقبة من جانب الموظفين، ينبغي أن يعهد
بالسهر على سير الانتخابات إلى رجال ثقة، لا إلى افراد البوليس في
القضاء، ولا إلى رؤساء الأقضية(7). وفي هذه الحال، يستطيع نواب
الشعب بأسره بحث كل حاجات الشعب واقامة نظام أفضل في روسيا.
إن الاشتراكيين-الديموقراطيين يطالبون بمنع البوليس من سجن
أي كان
دون محاكمة. ينبغي معاقبة الموظفين بصرامة إذا ما عمدوا إلى الاعتقال
الكيفي. إن الموظفين يتصرفون كما يطيب لهم، على هواهم، فلأجل وضع حد
لتصرفهم هذا، ينبغي العمل بصورة ينتخبهم معها الشعب بنفسه، بصورة يحق
معها لأي كان تقديم الشكوى مباشرة إلى المحكمة ضد أيّ كان من الموظفين.
وإلا، فما الفائدة من تقديم الشكوى ضد أحد أفراد البوليس الريفي إلى رئيس القضاء،
أو ضد رئيس القضاء إلى الحاكم ؟ غنيّ عن البيان أن رئيس
القضاء لن يلقي المسؤولية على رجل البوليس، وأن الحاكم لن يلقي
المسؤولية بدوره على رئيس القضاء، بل إن الشاكي هو الذي سيتحمل وزر
شكواه. فيزجونه بالسجن أو ينفونه إلى سيبيريا. ولن يأخذ الخوف أي مأخذ
من الموظفين إلا عندما يصبح في روسيا (كما في جميع الدول الأخرى) من
حق كل فرد تقديم الشكوى إلى الجمعية الشعبية، إلى المحكمة المنتخبة،
وعرض حاجاته بكل حرية، أو نشرها في الصحف.
إن الشعب الروسي يخضع حتى الآن لتبعية ذليلة إزاء الموظفين. فبدون
إذنهم، لا يحق له تنظيم الاجتماعات ولا نشر الكتب أو الصحف ! أليس
في ذلك تبعية ذليلة ؟ فإذا كان ممنوعا تنظيم الاجتماعات العلنية ونشر
الكتب العلنية، فكيف العمل لكبح جماح الموظفين والأغنياء ؟ وبالطبع،
يمنع الموظفون كل كتاب حقيقي صادق، كل كلمة حقيقية صادقة عن بؤس الشعب.
وهذا الكتاب بالضبط هو الذي يترتب على الحزب الاشتراكي-الديموقراطي
طبعه سرا وتوزيعه ونشره سرا ؛ وكل من يجدون عنده هذا الكتاب سيساق أمام
المحاكم والى السجن. ولكن العمال الاشتراكيين-الديموقراطيين لا
يخافون المحاكم ولا السجون، وهم يطبعون أكثر فأكثر على الدوام الكتب
الحقيقية الصادقة للشعب، ويوزعونها أكثر فأكثر على الدوام.
وليس ثمة سجن ولا قمع بوسعهما أن يضعا حدا للنضال في سبيل حرية الشعب !
إن الاشتراكيين-الديموقراطيين يطالبون بالغاء امتيازات الفئات
الاجتماعية، بمساواة جميع مواطني الدولة مساواة تامة في الحقوق. ففي
بلادنا الآن فئات تتحمل الضرائب وفئات أخرى لا تتحملها، في بلادنا
مميزون وغير مميزين، وفي بلادنا نبلاء وعامة ؛ بل ما يزال عقاب الجلد
معمولا به ويطبق على عامة الشعب. وليس ثمة في اي بلد من البلدان قوانين
مختلفة لمختلف الفئات، إلا في روسيا. لقد حان للشعب الروسي أن يطالب
بأن يكون للموجيك جميع حقوق النبيل نفسها. أليس من العار أن يظل معمولا
بعقاب الجلد بعد مضي أربعين سنة ونيف على إلغاء القنانة وأن يكون هناك
فئة خاصة تخضع وحدها للضريبة ؟
إن الاشتراكيين-الديموقراطيين يطالبون بمنح الشعب الحرية التامة في
التنقل وفي اختيار المهن والصنع. وماذا تعنى حرية التنقل ؟
انها تعنى ان يكون الفلاح حرا في الذهاب إلى حيث يشاء، والاقامة حيث
يطيب له، واختيار اية قرية من القرى أو اية مدينة من المدن، دون ان
يطلب الاذن من اي كان. انها تعني إلغاء جوازات السفر في روسيا أيضا (فقد الغيت منذ زمن بعيد في البلدان الاخرى)؛ ينبغي الا يكون لأي فرد
من افراد البوليس الريفي او لأي رئيس من رؤساء الاقضية الحق بمنع اي
فلاح كان من السكن والشغل حيث يطيب له.
ان الموجيك الروسي ما يزال خاضعا للموظفين إلى حد انه لا يستطيع المضي
إلى المدينة والاقامة فيها ولا الانتقال إلى ارض اخرى والاقامة فيها
بحرية. والوزير يأمر حكام المقاطعات بمنع الهجرات غير المسموح بها !
فالحاكم يعرف احسن من الموجيك إلى اين ينبغي ان يمضي الموجيك ! فليس
الموجيك سوى طفل صغير، ممنوع عليه ان يخطو اية خطوة دون موافقة ولاة
الشأن ! أليس هذا تبعية ذليلة ؟ ألا يعني هذا الهزء من الشعب، عندما يكون
لأي نبيل صغير مفلس حق التأمر بالمزارعين الراشدين ؟
هناك كتاب اسمه "الموسم الرديء والكارثة الشعبية" (المجاعة)، كتبه
"وزير الزراعة" الحالي، السيد ييرمولوف. وقد جاء فيه بوضوح ما يلي:
ينبغي الا ينتقل الموجيك من مكانه إلى مكان آخر حين يكون السادة
الملاكون العقاريون بحاجة إلى الايدي العاملة. ان الوزير يتكلم بصراحة،
وعلنا، ودون حياء، وهو يظن ان الموجيك لن يسمع اقواله هذه، وانه لن
يفهمها. لماذا نسمح للجميع بالنزوح عن قراهم حين يكون السادة الملاكون
بحاجة إلى الايدي العاملة الرخيصة ؟ وكلما اشتد ضيق الشعب، كان ذلك في
مصلحة الملاكين العقاريين، وكلما تفاقم البؤس، اضطر الفلاحون إلى العمل
باجور ارخص وتحملوا شتى ألوان الظلم بمزيد من الخضوع. فيما مضى كان
الوكلاء هم الذين يسهرون على مصلحة السيد؛ اما الآن ، فهم رؤساء
الاقضية والحكام. فيما مضى، كان الوكلاء هم الذين يقررون تطبيق الجلد
بالسوط في الاسطبل، اما الآن فهم رؤساء الاقضية الذين يأمرون بالجلد
بالسوط في مكتب الناحية.
ان الاشتراكيين-الديموقراطيين يطالبون بالغاء الجيش الدائم،
والاستعاضة عنه بنظام الميليشيا الشعبية، لكي يكون الشعب كله مسلحا.
ان الجيش الدائم انما هو جيش منفصل عن الشعب، يعدونه لاطلاق النار على
الشعب. فاذا كانوا لا يحشرون الجندي سنوات في الثكنة واذا كانوا لا
يدربونه بصورة غير انسانية، فهل كان بوسع الجندي ان يطلق الرصاص على
اخوانه، على العمال والفلاحين ؟ وهل كان بوسع الجندي ان يمشي ضد
الفلاحين الجياع ؟ لأجل الدفاع عن الدولة ضد هجمات العدو، ليس هناك ابدا
حاجة لجيش دائم؛ فالميليشيا الشعبية وحدها تكفي. فاذا كان كل مواطن من
مواطني الدولة مسلحا، فليس لروسيا ان تخشى اي عدو من الاعداء، كذلك
يتخلص الشعب من نير العسكرية: فالدولة تنفق على الجيش مئات الملايين
من الروبلات كل سنة، وهذا المال انما تقتطعه من الشعب، ولذا بلغت
الضرائب هذا الحد من الفداحة، وتفاقمت مصاعب الحياة يوما بعد يوم. ان
العسكرية تقوي أيضا من سلطة الموظفين والبوليس على الشعب وهي وسيلة
لنهب الشعوب الاخرى، هي وسيلة، مثلا، لانتزاع الارض من الصينيين. وحياة
الشعب لا تصبح أسهل مما هي عليه بسبب العسكرية، بل تزداد صعوبة من جراء
الضرائب الجديدة التي تتطلبها العسكرية. ان استبدال تسليح الشعب كله
بالجيش الدائم من شأنه ان يسهل حياة جميع العمال وجميع الفلاحين إلى حد
كبير جدا.
كذلك من شأن الغاء الضرائب غير المباشر الذى يريد الاشتراكيون-الديموقراطيون تحقيقه، ان يسهل حياة العمال والفلاحين
إلى حد كبير جدا.
ان الضرائب غير المباشرة هي الضرائب التي لا تستوفى مباشرة على الارض
أو على الاستثمارة الريفية؛ انما يؤديها الشعب بصورة غير مباشرة عن
طريق رفع اسعار البضائع. فان الدولة تفرض الضرائب على السكر، والفودكا،
والكاز، والكبريت، وجميع سلع الاستهلاك الاخرى، وهذه الضرائب يدفعها
التاجر أو الصناعي للدولة، لا من ماله الشخصي، طبعا، بل من المال الذي
يدفعه له الشارون. ولذا يزداد سعر الفودكا، والسكر، والكاز، والكبريت،
وكل من يشتري زجاجة فودكا أو رطلا من السكر لا يدفع فقط ثمن البضاعة،
بل يدفع أيضا الضرائب المترتبة عليها. مثلا، اذا دفعت، لنقل، اربعة عشر
كوبيكا ثمنا لرطل من السكر، فان اربعة كوبيكات منها (تقريبا) تذهب إلى الخزينة ضريبة؛ لقد سبق لصاحب مصنع السكر ان دفع هذه الضريبة
إلى الخزين وها هو الآن يقتطع من كل شار هذا المبلغ الذى دفعه. وهكذا فان
الضرائب غير المباشرة هي الضرائب التي تستوفى من ثمن حاجيات الاستهلاك
والتي يدفعها الشاري عن طريق زيادة سعر البضاعة. يقال احيانا ان
الضرائب غير المباشرة هي أعدل الضرائب. فالشاري يدفع حسب الكمية التي
يشتريها. ولكن ذلك كذب. فالضرائب غير المباشرة هي اقل الضرائب عدلا،
لأن الفقراء يتضايقون اكثر من الاغنياء عند دفعه. فان دخل الغني هو
ارفع من دخل الفلاح او العامل بعشرة اضعاف، هذا اذا لم يكن ارفع منه
بمئة ضعف. ولكن هل ان الغني يستهلك من السكر مئة ضعف ما يستهلكه العامل
والفلاح ؟ ومن الفودكا أو الكبريت، عشرة اضعاف ؟ او من الكاز ؟ كلا، طبعا.
ان اسرة غنية تشتري من الكاز والفودكا والسكر ضعفي ما تشتريه اسرة
فقيرة، او ثلاثة اضعاف على الاكثر. وهذا يعني ان الغني يدفع من دخله
ضريبة للدولة نصيبا أقل من النصيب الذي يدفعه الفقير من دخله ضريبة
للدولة. ولنفترض ان دخل الفلاح الفقير مائتي روبل بالسنة؛ ولنفترض انه
يشتري بستين روبلا كمية من البضائع التي تخضع للضريبة والتي يزداد
سعرها من جراء ذلك (فالسكر والكبريت والكاز تخضع لضريبة تسمى رسم
الانتاج اي ان المنتج يدفع الضريبة قبل بيع البضاعة في السوق؛ اما
الفودكا التي تنتجها ادارة حصر المشروبات، فان الدولة نفسها ترفع
اسعارها، وفيما يتعلق بالقطنيات والحديد وسائر البضائع ، فان اسعارها
تزداد، لأن البضائع الرخيصة المستوردة من الخارج لا تستطيع الدخول إلى روسيا دون دفع رسوم عالية). فمن اصل هذه الروبلات الستين، عشرون روبلا
تشكل الضريبة ولذا يدفع الفقير عشرة كوبيكات من كل روبل من دخله بشكل
ضرائب غير مباشرة؛ (هذا عدا الضرائب المباشرة، وتعويضات شراء الارض،
والاتاوات النقدية، والضرائب الزراعية للزيمستفو، والناحية والمشاعية). اما الفلاح الغني، فان دخله يبلغ الف روبل، وهو يشتري بمئة وخمسين
روبلا كمية من البضائع التي تخضع للضريبة. فيدفع خمسين روبلا كضريبة (من اصل هذه الروبلات المائة والخمسين). ولذا لا يدفع الغني ضريبة غير
مباشرة من كل روبل من دخله سوى خمسة كوبيكات. وكلما ازداد غناه، قل ما
يدفعه من دخله ضريبة غير مباشرة. ولذا كانت الضرائب غير المباشرة اقل
الضرائب عدلا. فان الضرائب غير المباشرة هي الضرائب التي تصيب الفقراء.
والفلاحون والعمال يشكلون معا تسعة اعشار مجموع السكان، وهم يدفعون
تسعة اعشار أو ثمانية اعشار الضرائب غير المباشرة كلها. بينما لا يحصل
الفلاحون والعمال، بلا ريب، على اكثر من اربعة اعشار مجمل الدخل في
البلاد ! ولهذا يطالب الاشتراكيون-الديموقراطيون بالغاء الضرائب غير
المباشرة وبفرض ضريبة تصاعدية على الدخل والارث. وهذا يعني انه ينبغي
ان تزداد الضريبة بقدر ما يزداد الدخل. فمن بلغ دخله الف روبل، ترتب
عليه ان يدفع كوبيكا واحدا عن كل روبل؛ ومن بلغ دخله الفي روبل ترتب
عليه ان يدفع كوبيكين، الخ. أما الايرادات الصغيرة (التي لا تتجاوز،
مثلا، مبلغ اربعمائة روبل)، فلا ينبغي ان تدفع اية ضريبة. واما كبار
الاغنياء فيترتب عليهم ان يدفعوا ضرائب باهظة. ان هذه الضريبة المسماة
ضريبة الدخل أو بالاصح، الضريبة التصاعدية على الدخل، هي اعدل بكثير من
الضرائب غير المباشرة. ولهذا يسعى الاشتراكيون-الديموقراطيون إلى الغاء الضرائب غير المباشرة والى فرض ضريبة تصاعدية على الدخل. بيد انه
غني عن البيان ان جميع الملاكين، كل البرجوازية، لا يريدون ذلك
ويعارضونه. ان التحالف الوطيد بين الفلاحين الفقراء وعمال المدن هو
وحده الذي يستطيع ان ينتزع هذا التحسين من البرجوازية.
واخيرا، ثمة تحسين على درجة بالغة من الاهمية بالنسبة لمجمل الشعب، ولا
سيما بالنسبة لفقراء الريف، هو التعليم المجاني للاطفال، وهو ما يطالب
به الاشتراكيون-الديموقراطيون. ففي الوقت الحاضر، يوجد في الريف عدد
من المدارس اقل بكثير من عددها في المدن، هذا مع العلم ان الطبقات
الغنية، ان البرجوازية وحدها، هي التي تتوافر لها في كل مكان امكانية
تأمين تعليم جيد لابنائها. فقط التعليم المجاني الالزامي لجميع الاطفال
سيحرر الشعب وان جزئيا من الجهل الحالي.
والحال، ان الفلاحين الفقراء يعانون بخاصة وطأة هذا الجهل، وهم بحاجة
ماسة إلى التعليم. بيد انه يقتضي لنا، بالطبع، تعليم حقيقي حر، لا
التعليم الذى يريده الموظفون والكهنة.
ثم ان الاشتراكيين-الديموقراطيين يطلبون لكل انسان الحق المطلق بان
يعتنق بكل حرية الدين الذي يريده. فقط روسيا وتركيا، بين الدول
الاوروبية، احتفظتا بالقوانين المخزية ضد الذين هم من دين آخر، غير
الارثوذكسى، ضد المنشقين، واصحاب الملل الخاصة، واليهود. فان هذه
القوانين تمنع صراحة هذا الدين أو ذاك، أو تمنع نشره، أو انها تحرم من
بعض الحقوق الناس الذين ينتسبون إلى هذا الدين او ذاك. ان جميع هذه
القوانين هي اشد القوانين ظلما وتعنتا وخزيا. ينبغي ان يكون لكل امرىء
الحرية التامة باعتناق الدين الذى يريد، كما ينبغي ان يكون له أيضا
الحرية التامة بنشره أو باعتناق دين آخر. وما من موظف ينبغي ان يكون له
الحق سؤال اي كان من الناس عن الدين الذي يعتنق. فتلك مسألة ضمير لا
يحق لأي احد ان يتدخل فيها. ينبغي الا يكون هناك اي دين "سائد" او
اية كنيسة "سائدة". بل ينبغي ان تكون جميع الاديان وجميع الكنائس
متساوية امام القانون. وينبغي ألا يعيش رجال الدين من جميع الطوائف إلا
على حساب الذين ينتمون إلى طوائفهم، ولا ينبغي للدولة ان تمول،
بالاموال العامة، اي دين أو اي رجل دين، سواء أكان ارثوذكسيا، أم
منشقا، أم من ملة خاصة، أم غير ذلك. وفي سبيل هذا يناضل الاشتراكيون-الديموقراطيون، وطالما لا يصار
إلى تطبيق هذه التدابير دون اي تحفظ
ودون اي تهرب، فان الشعب لن يكون في مأمن من الاضطهادات البوليسية
المخزية بسبب الدين، ولا من الحسنات والتبرعات البوليسية، المخزية
أيضا، لأهل هذا الدين او ذاك.
* * *
لقد بحثنا في التحسينات التى يسعى الاشتراكيون-الديموقراطيون
إلى تحقيقها لما فيه خير الشعب كله، ولا سيما الفلاحون الفقراء.
لنر الآن اية تحسينات يجهدون لتحقيقها من اجل العمال، لا عمال المصانع
والمدن وحسب، بل عمال الارياف أيضا. ان عمال المصانع والمعامل يعيشون
في ضيق أشد، مكدسين بعضهم فوق بعض بصورة أشد، وهم يشتغلون في مشاغل
كبيرة؛ ولذا كان من الأسهل عليهم الافادة من العون الذي يسديه اليهم
الاشتراكيون-الديموقراطيون المثقفون. لجميع هذه الاسباب، بدأ عمال
المدن، قبل غيرهم بكثير، النضال ضد ارباب العمل، وحصلوا على تحسينات
اهم بكثير. بل حصلوا على سن قوانين عمالية. ولكن الاشتراكيين-الديموقراطيين يناضلون في سبيل تحقيق التحسينات نفسها لجميع العمال:
الحرفيين الصغار الذين يشتغلون في بيوتهم لحساب ارباب العمل، في المدن
كما في القرى، والعمال الاجراء الذين يشتغلون عند صغار الحرفيين
والصناع، وعمال البناء (النجارين، والبنائين، الخ.)، وعمال الغابات
والفعلة، والعمال الزراعيين على حد سواء. ان جميع هؤلاء العمال بدأوا
يتحدون منذ الآن في عموم روسيا، على اثر عمال المصنع وبمساعدتهم، وهم
يتحدون للنضال من اجل شروط حياة افضل، من اجل يوم عمل اقصر، من اجل اجر
ارفع. ان الحزب الاشتراكي-الديموقراطي يأخذ على نفسه مهمة مساندة
جميع العمال في نضالهم من اجل حياة افضل، ومساعدتهم في تنظيم (حشد)
اشد العمال ثقة وحزما في اتحادات قوية، واعانتهم عن طريق توزيع الكتب
والمناشير بينهم وارسال العمال المجربين إلى العمال غير المجربين،
ومساعدتهم، بوجه عام، بجميع الوسائل الممكنة، وعندما نظفر بالحرية
السياسية، سيكون لنا أيضا في جمعية النواب الشعبية، رجال لنا، سيكون
لنا نواب عمال، اشتراكيون-ديموقراطيون يعمدون، مثل رفاقهم في البلدان
الاخرى، إلى المطالبة بسن قوانين في صالح العمال.
لن نعدد هنا جميع التحسينات التي يريد الحزب الاشتراكي-الديموقراطي
تحقيقها في صالح العمال: فهذه التحسينات معروضة في البرنامج، ومشروحه
بصورة مفصلة جدا في كراس "قضية العمال في روسيا". نكتفي الآن بذكر
التحسينات الرئيسية. ينبغي ألا يتجاوز يوم العمل ثماني ساعات في اليوم.
ينبغي دائما تكريس يوم واحد في الاسبوع للراحة. ينبغي منع ساعات العمل
الاضافي منعا تاما، وكذلك العمل الليلي. ينبغي ان يكون تعليم الاولاد
مجانيا حتى السادسة عشرة من العمر. ولذا ينبغي عدم تشغيل الذين لم
يبلغوا هذه السن كعمال اجراء. ينبغي عدم تشغيل النساء في الاشغال التي
تضر بصحتهن. ينبغي على رب العمل ان يدفع تعويضا للعمال الذين يصابون
بطوارئ العمل اثناء العمل، مثلا، الطوارئ التي تحدث للذين يشتغلون على
الدراسات، على المذاري الخ. ينبغي دفع الاجور لجميع العمال الاجراء
ودفعها دائما مرة في الاسبوع، لا مرة واحدة كل شهرين أو ثلاثة اشهر،
كما يحدث غالبا للذين يقومون باشغال الحقول. فالعمال يهمهم كثيرا ان
يقبضوا اجرتهم بانتظام، مرة في الاسبوع، ونقدا فقط، لا بضاعة. فارباب
العمل يحبون كثيرا ان يفرضوا على العمال، على حساب اجورهم، شتى انواع
السلع الرديئة التي تزيد اسعارها ثلاثة اضعاف، فلأجل وضع حد لهذه
الفضيحة، ينبغي اطلاقا ان يمنع القانون دفع اجور العمال عينا. ثم انه
ينبغى ان يتقاضى العمال المسنون راتبا تقاعديا من الدولة. فان العمال
يعيلون بعملهم كل الطبقات الغنية والدولة برمتها: ولذا كان حقهم في
الراتب التقاعدي لا يقل عن حق الموظفين الذين يفيدون من هذا الراتب.
ولكي لا يعمد ارباب العمل إلى استغلال وضعهم وبمخالفة الانظمة المقررة
لصالح العمال، ينبغي تعيين مفتشين، لا للاشراف على المصانع وحسب، بل
للاشراف أيضا على الاستثمارات العقارية الكبيرة، وللاشراف بوجه عام على
جميع المشروعات التي تستخدم عمال اجراء. غير انه ينبغي ألا يكون هؤلاء
المفتشون موظفين، يعينهم الوزراء او الحكام والا يكونوا في خدمة
البوليس. انما ينبغي ان يكون المفتشون عمالا منتخبين، وينبغي على
الدولة ان تدفع اجرا للذين يثق بهم العمال ويختارونهم بكل حرية. وينبغي
على هؤلاء النواب العمال ان يحرصوا أيضا على ان تكون مساكن العمال حسنة
الترتيب، وعلى ألا يعمد ارباب العمل إلى اسكان العمال في اكواخ تشبه
زرائب الكلاب أو في اكواخ ترابية (كما يحدث غالبا في اثناء اشغال
الحقول)، وعلى ان يصار إلى التقيد بنظام راحة العمل، الخ .. ولكنه
ينبغي عدم النسيان انه لن تكون ثمة اية جدوى من النواب الذين ينتخبهم
العمال ما دامت الحرية السياسية غير متوافرة وما دام البوليس كلي
الجبروت وغير مسؤول امام الشعب. ان جميع الناس يعرفون ان البوليس يعتقل
الآن النواب العمال دون اية محاكمة، بل يعتقل أيضا كل عامل يجرؤ على
التحدث باسم الجميع، وعلى فضح انتهاك القانون، وعلى دعوة العمال إلى الاتحاد. ولكن النواب العمال سيؤدون خدمة جلى عندما تتوافر لنا الحرية
السياسية.
ينبغي منع جميع اصحاب العمل (من صناعيين، وملاكين عقاريين، ومتعهدي
اشغال، وفلاحين اغنياء) منعا مطلقا عن اجراء اية حسومات على هواهم من
اجور العمال، كاجراء حسومات لسبب سوء الصنعة وحسومات بشكل غرامات، الخ. فعندما يعمد ارباب العمل، على هواهم،
إلى اجراء حسومات من اجور
العمال، فانهم يخالفون القانون، ويرتكبون عملا تعسفيا. ينبغي عدم
السماح لرب العمل بتخفيض اجور العمال، باية حجة كانت، ولا باي حسم كان.
ينبغي ألا يكون رب العمل قاضيا أيضا. ويا له من قاض ممتاز هذا الذي
يضع في جيبه الحسومات من اجرة العامل !)، انما ينبغي الرجوع إلى محكمة
حقيقية، وهذه المحكمة ينبغي اختيار اعضائها من بين العمال وارباب العمل
على قدم المساواة. فقط مثل هذه المحاكم تستطيع ان تحكم، بانصاف، بجميع
دواعي استياء ارباب العمل من العمال وبجميع دواعي استياء العمال من
ارباب العمل.
تلك هي التحسينات التي يريد الاشتراكيون-الديموقراطيون ان يصار
إلى تحقيقها في صالح الطبقة العاملة بأسرها. ففي كل استثمارة عقارية، في
استثمارة كبيرة، وعند كل متعهد، ينبغي على العمال ان يدرسوا معا، ومع
اهل الثقة، اية تحسينات ينبغي النضال من اجلها، واية مطالب ينبغي
تقديمها (ان مطالب العمال لن تكون، بالطبع، متماثلة في مختلف المصانع
وفي مختلف الاستثمارات العقارية الكبيرة، وعند مختلف المتعهدين).
ان اللجان الاشتراكية-الديموقراطية تساعد عمال روسيا كلها على صياغة
مطالبهم بصورة واضحة دقيقة، على اصدار المناشير المطبوعة التي تعرض هذه
المطالب، لكي يطلع عليها جميع العمال، وارباب العمل، وولاة الشأن.
وعندما يكافح العمال معا، كرجل واحد، في سبيل مطالبهم، فان ارباب العمل
يضطرون للتراجع وللقبول بمطالب العمال، بهذه الوسيلة حصل عمال المدن
على العديد من التحسينات. وها ان الحرفيين الصغار، وشتى اصحاب المهن
اليدوية، والعمال الزراعيين، اخذوا يتحدون الآن (ينتظمون) ويناضلون
في سبيل مطالبهم. وما دمنا لا نتمتع بالحرية السياسية، فاننا نناضل في
السر، متسترين عن البوليس الذي يمنع المناشير والجمعيات العمالية، على
انواعها. ولكن، عندما نظفر بالحرية السياسية، فاننا سنواصل هذا النضال
على نطاق أوسع وعلنا، امام رؤوس الاشهاد، لكي يتحد الشعب العامل كله في
عموم روسيا ويدافع عن نفسه بمزيد من التضامن ضد الظلم. وكلما ازداد عدد
العمال في صفوف حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي، تعاظمت قوتهم
وتوصلوا بمزيد من السرعة إلى تحرير الطبقة العاملة تحريرا تاما من كل
ظلم، من كل عمل مأجور، من كل عمل في صالح البرجوازية.
* * *
لقد قلنا ان حزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي يعمل في سبيل تحقيق
تحسينات، لا للعمال وحسب، بل لجميع الفلاحين أيضا. لنر الآن ما هي
التحسينات التى يجهد للحصول عليها من اجل جميع الفلاحين. |