إن جميع الملاكين، إن كل البرجوازية، يسعون إلى اجتذاب الفلاح المتوسط
إلى جانبهم، فهم يعدونه بشتى أنواع التدابير
التي تؤول إلى تحسين استثماراته (محاريث زهيدة الأسعار، مصارف ريفية،
اتباع طريقة زراعة الحشائش، بيع المواشي والأسمدة بأسعار مخفضة، الخ.)
ويشركونه أيضا بشتى أنواع الاتحادات الزراعية (التعاونيات، كما
يسمونها في الكتب) وهي اتحادات بين شتى أصناف الملاكين من أجل تحسين
الاستثمار. على هذا النحو، تسعى البرجوازية جهدها إلى أن تصرف الفلاح
المتوسط وحتى الفلاح الصغير، وحتى نصف البروليتاري، عن الاتحاد مع
العمال؛ بل إنها تسعى جهدها إلى تحريضهم على الوقوف إلى جانب الأغنياء،
إلى جانب البرجوازية، في نضالها ضد العمال، ضد البروليتاريا. أما
العمال الاشتراكيون-الديموقراطيون، فإنهم يردون على هذه المساعي كما
يلي: إن تحسين الاستثمار أمر حسن. فأي ضرر ينجم عن شراء المحاريث
بأسعار زهيدة، فالتاجر الفطن يحاول الآن أن يبيع بأسعار زهيدة لكي
يجتذب الزبائن. ولكن، عندما يقولون للفلاح الفقير وللفلاح المتوسط أن
تحسين الاستثمار وترخيص أسعار المحاريث سيساعدان جميع الفلاحين الصغار
والمتوسطين في التخلص من البؤس وفي النهوض من العثرة، دون أي مساس
بالأغنياء، فذلك خداع بخداع. فالأغنياء هم أكثر من يربحون من جميع
تخفيضات الأسعار ومن جميع هذه التحسينات والتعاونيات (اتحادات بيع
وشراء البضائع). وهم يزدادون قوة على الدوام، وينيخون أكثر فأكثر على
الدوام بكلكلهم على الفلاحين المتوسطين لن يتخلصوا أبدا من البؤس،
مادام الأغنياء أغنياء وما داموا يحوزون القسم الأكبر من الأرض
والماشية والعتاد والمال. قد يتمكن فلاح أو فلاحان متوسطان من التسرب
إلى صفوف الأغنياء بفضل هذه التحسينات وهذه التعاونيات، ولكن الشعب
بأسره وجميع الفلاحين المتوسطين سيغرقون مع ذلك أعمق فأعمق في لجة
البؤس. فلكي يصبح جميع الفلاحين المتوسطين أغنياء، ينبغي القضاء على
الأغنياء أنفسهم، ولن يتحقق هذا الغرض إلا باتحاد عمال المدن مع
الفلاحين الفقراء.
إن البرجوازية تقول للفلاح المتوسط (بل للفلاح
الصغير) سنبيعك الأرض والمحاريث بأسعار زهيدة، غير أنه يترتب عليك أن
تبيعنا روحك وتتخلى عن النضال ضد جميع الأغنياء.
أما العامل الاشتراكي-الديموقراطي فإنه يقول:
إذا كانوا يبيعون فعلا بأسعار زهيدة، فلماذا لا نشترى طالما معنا مال:
فتلك مسألة تجارية. أما فيما يتعلق بالروح، فينبغي ألا نبيعها أبدا.
إن التخلي عن النضال بالتحالف مع عمال المدن ضد كل البرجوازية
إنما
يعني البقاء أبدا فريسة للبؤس والعوز. فالغني يكسب أكثر من ترخيص أسعار
البضائع، ويغتني أكثر. ولكن، من ليس عنده أبدا مال، لن يفيده الرخص
أبدا طالما لم ينتزع هذا المال من البرجوازية.
إليكم مثلا. إن أنصار البرجوازية يتباهون بتعاونياتهم (اتحاداتهم
للشراء بأسعار زهيدة وللبيع بأسعار طيبة). بل ثمة من يزعمون أنهم "ثوريون-اشتراكيون" ويعلنون، على
إثر البرجوازية، أن ما ينبغي بخاصة
للفلاحين، إنما هي التعاونيات. في روسيا أيضا، بدأ تنظيم التعاونيات.
ولكن عددها ما يزال قليلا جدا في بلادنا وسيبقى قليلا جدا طالما لم
نظفر بالحرية السياسية. أما في ألمانيا، مثلا، فهناك عدد طائل جدا من
شتى أنواع التعاونيات بين الفلاحين. ولكن انظروا من تفيد هذه
التعاونيات أكثر من غيرهم. في عموم ألمانيا، 140000 ملاك ريفي منضمون
إلى تعاونيات لبيع الحليب ومنتجات الحليب. وهؤلاء الـ 140000 (ونأخذ
مرة أخرى أرقاما مبسطة لتبسيط الأمور) يملكون 1100000 بقرة. وفي عموم
ألمانيا أربعة ملايين فلاح فقير، 40000 فقط منهم منضمون إلى تعاونيات:
ينجم إذا أن فلاحا واحدا من أصل مئة فلاح فقير يفيد من هذه التعاونيات
وهؤلاء الفلاحون الفقراء الـ 40000 لا يملكون جميعا سوى 100000 بقرة.
ثم إن عدد الملاكين المتوسطين، أي الفلاحين المتوسطين، يبلغ مليونا
واحدا، يشترك 50000 منهم في التعاونيات (أي خمسة اشخاص من كل مئة)؛
وهم يملكون 200000 بقرة؛ واخيرا هناك، ثلث مليون مستثمر غني (أي من
ملاكين عقاريين وفلاحين أغنياء معا)، يشترك 50000 منهم في التعاونيات
(أي سبعة عشر شخصا من كل مئة)؛ وهم يملكون 800000 بقرة !
إلى هؤلاء الاغنياء، اليهم قبل كل شيء وفوق كل شيء، تمد التعاونيات يد
المساعدة. هكذا يخدع الموجيك اولئك الذين يزعقون بانقاذ الفلاح المتوسط
بوساطة شتى انواع الاتحادات للشراء برخص وللبيع باسعار طيبة. يقينا ان
البرجوازية تريد، بقليل من الكلفة، ان "تشترى" الموجيك وتنتزعه من
الاشتراكيين-الديموقراطيين الذين يدعون الفلاحين الفقراء والفلاحين
المتوسطين على السواء إلى الوقوف في جانبهم.
كذلك ينشئون عندنا جمعيات لصنع الجبنة ومراكز لجمع الحليب. وعديدون هم
عندنا الذين يعلنون: ارتيلات و"ميرات" وجمعيات، هذا ما يحتاج اليه
الموجيك. ولكن انظروا من تفيد هذه الارتيلات وهذه الجمعيات، وهذه
التأجيرات المشاعية. فمن كل مئة اسرة عندنا، عشرون اسرة على الاقل لا
تملك اية منها بقرة؛ وثلاثون اسرة تملك كل منها بقرة واحدة وهذه الاسر
تبيع حليبها بدافع الفقر المدقع ولا يبقى ثمة حليب لاطفالها فيتضورون
جوعا ويموتون كالذباب. اما الفلاحون الاغنياء، فان كلا منهم يملك ثلاث
بقرات أو اربع، أو اكثر، وهم يملكون جميعا نصف جميع البقرات الموجودة
في حوزة الفلاحين. فمن تفيد اذا هذه الجمعيات لصنع الجبنة ؟ اولا،
بالطبع، الملاكين العقاريين والبرجوازية الفلاحية. وبديهي انهم يفيدون
اذا ما تبعهم الفلاحون المتوسطون والفلاحون الفقراء، اذا ما اعتبر
هؤلاء ان الوسيلة للخلاص من البؤس ليست في نضال جميع العمال ضد مجمل
البرجوازية، بل في ميل الملاكين المنفردين الصغار إلى التخلص من وضعهم
والارتقاء إلى مستوى الاغنياء.
وهذا الميل يدعمه ويشجعه بجميع الطرق جميع انصار البرجوازية الذين
يزعمون انهم اصدقاء الفلاح الصغير وانصاره. وعديدون هم الناس السذج
الذين لا يعرفون الذئب المتستر بثوب الحمل ويكررون الكذب البرجوازي،
ظانين انهم يفيدون بذلك الفلاح الصغير والفلاح المتوسط. فهم يسعون،
مثلا، إلى البرهان في الكتب والخطابات ان الاستثمارة الصغيرة هى الافيد
والأربح، وانها في ازدهار؛ ولهذا، كما يزعمون، يوجد في كل مكان هذا
العدد الكبير من الملاكين الصغار شديدي التعلق بالارض (لا لأن أجود
الاراضي هي في حوزة البرجوازي ولأن كل المال أيضا في حوزتها، بينما
يتكدس الفلاحون الفقراء بعضهم فوق بعض، ويكدحون طوال حياتهم على قطع
صغيرة من الارض !). ويقول هؤلاء القوم ذوو الخطابات المعسولة: ليس
الفلاح الصغير بحاجة إلى كثير من المال؛ فالفلاح الصغير والفلاح
المتوسط هما اكثر توفيرا واشد اجتهادا من الفلاح الكبير؛ وكل منهما
يعرف كيف يعيش بمزيد من التواضع: فبدلا من ان يشترى كمية اضافية من
العلف للماشية، يدبر الامر ببعض القش؛ وبدلا من ان يشترى آلة غالية
الثمن، ينهض باكرا، ويكدح مدة اطول ويشتغل جيدا كالآلة؛ وبدلا من ان
يعطي المال للآخرين من اجل الاصلاحات، يأخذ بنفسه الفأس يوم العيد
ليقطع الخشب وينجر، - الامر الذي يكلف أقل بكثير مما يكلف الفلاح
الكبير، وبدلا من ان ينفق على حصان أو على ثور، يدبر الامر ببقرته لكي
يحرث الارض؛ فان جميع الفلاحين الفقراء الألمان يحرثون الارض ببقراتهم؛
ثم ان البؤس بلغ حدا عندنا بدأت معه حراثة الارض لا بالبقرات وحسب بل
بالبشر أيضا ! وما افيد هذا ! وما ارخصه ! أليس ذلك عملا محمودا ان يكون
الفلاح المتوسط والفلاح الفقير على ما هما عليه من الاجتهاد والاندفاع،
وانهما يعيشان حياة بسيطة جدا ولا يتلهيان بالترهات ولا يفكران
بالاشتراكية، بل باستثمارتيهما فقط ! انهما لا يسيران على مثال العمال
الذين يشنون الاضطرابات ضد البرجوازية، بل يسيران على مثال الاغنياء؛
وليس لديهما سوى فكرة واحدة، هي ان يكونا من الناس الطيبين ! فاذا كان
كل امرئ بمثل الاندفاع وهذا الاجتهاد، واذا عاش حياة بسيطة واذا لم
يسكر، واذا وفر مبلغا من المال اكثر قليلا، واذا انفق اقل على شراء شتى
القطنيات، واذا انجب عددا اقل من الاولاد، حينذاك يعيش جميع الناس في
البحبوحة، ولا يبقى ثمة أي بؤس واي حرمان !
تلك هى الخطب المعسولة التي ترددها البرجوازية على مسامع الفلاح
المتوسط. ومع ذلك، ثمة سذج يصدقون هذه الخطب ويرددونها ! * غير ان جميع
هذه الخطب المعسولة ليست في الواقع، الا خداعا للفلاح، الا ازدراء به.
ان هؤلاء القوم الذين يلقون الخطب المعسولة يطلقون اسم الاستثمارة
المفيدة الرخيصة التكاليف على البؤس، البؤس المدقع الذى يدفع الفلاح
المتوسط والفلاح الصغير إلى الشغل من الصباح حتى الليل، والى التوفير
من كل لقمة خبز، إلى جرمان النفس من انفاق أي مبلغ زهيد من المال.
وبالفعل، هل ثمة ما هو "أرخص"، و"أفيد" من لبس السروال نفسه ثلاث
سنوات، من الحفى ايام الصيف، من شد المحراث الخشبي بحبل هزيل، ومن
اطعام البقرة القش العفن، المنزوع عن سقف البيت ! فلو اعطينا أي برجوازي
أو أي فلاح غني هذه الاستثمارة "الرخيصة" و"المفيدة"، لما طال به
الامر حتى ينسى خطبه المعسولة !
إن الذين يطرون الاستثمارة الصغيرة يريدون احيانا تقديم خدمة للفلاحين،
ولكنهم لا يحملون له، في الواقع، سوى الاذى. ان خطبهم المعسولة تخدع
الموجيك كما يخدع اليانصيب الشعب.
سأقول لكم ما هو اليانصيب. عندي، مثلا، بقرة تساوي خمسين روبلا. واريد
ان اطرح هذه البقرة باليانصيب فاعرض على جميع الناس بطاقات ثمن كل منها
روبل واحد. يمكن للمرء ان يربح البقرة لقاء روبل واحد ! ويقع الناس في
شباك الاغراء، وتمطر الروبلات علي مدرارا. وحين اجمع مئة روبل، اسحب
اليانصيب: فالرابح صاحب الحظ، يأخذ البقرة لقاء روبل واحد، بينما يمضي
الآخرون خاسرين. فهل ان هذه البقرة كلفت الشعب "رخيصا" ؟ كلا، انها
كلفت غاليا جدا، لأن الناس دفعوا ضعفي ثمنها، لأن شخصين (الذي نظم
اليانصيب والذي ربح البقرة) قد اغتنيا دون أي جهد على حساب تسعة
وتسعين شخصا فقدوا مالهم. ولذا كان الزعم القائل بان اليانصيب يفيد
الشعب، مجرد خداع للشعب. كذلك يخدع الفلاح اولئك الذين يعدونه بمعالجة
بؤسه وحرماناته بوساطة شتى انواع التعاونيات (جمعيات للبيع باسعار
طيبة وللشراء باسعار رخيصة)، وشتى انواع الاتقانات الزراعية،
والمصارف، الخ. وكما هو الحال في اليانصيب حيث الرابح واحد فقط،
بينما يخسر الآخرون ما دفعوه، كذلك هي الحال هنا: فان فلاحا متوسطا
واحدا يدبر اموره ويصبح غنيا، بينما يكدح رفاقه التسعة والتسعون طوال
حياتهم دون ان يتخلصوا من البؤس، بل انهم يزدادون خرابا على خراب.
ليدرس كل ساكن من سكان الريف الحالة في قريته وكل ناحيته عن قرب قريب:
فهل ثمة كثيرون من الفلاحين المتوسطين يصبحون أغنياء وينسون البؤس ؟ وكم
هو عدد الفلاحين المتوسطين الذين لا يستطيعون التخلص من البؤس طيلة
حياتهم ؟ وكم هو عدد الذين يحل بهم الخراب ويهجرون قراهم ؟ فليس في عموم
روسيا، كما رأينا، اكثر من مليوني استثمارة تخص الفلاحين المتوسطين.
لنفترض ان عدد شتى الجمعيات للشراء باسعار رخيصة وللبيع باسعار طيبة قد
ازداد عشرة اضعاف بالنسبة لما هو عليه في الوقت الراهن. فالام يؤدى
ذلك ؟ ان 100000 فلاح متوسط، على اكبر تقدير، سيبلغون مستوى الاغنياء.
وماذا يعنى هذا ؟ انه يعني ان خمسة من كل مئة فلاح متوسط قد اغتنوا.
والخمسة والتسعون الباقون ؟ ان حياتهم صعبة كما من قبل، بل ان وطأة
الحياة تشتد على الكثيرين منهم ! اما الفلاحون الفقراء فيشتد خرابهم !
وطبيعى ان البرجوازية لا تطلب اكثر من ان يسعى اكبر عدد من الفلاحين
المتوسطين والفلاحين الصغار إلى بلوغ مستوى الاغنياء، ومن ان يؤمنوا
بامكانية الخلاص من البؤس دون النضال ضد البرجوازية، ومن ان يعتمدوا
على اجتهادهم، وكدهم وتقتيرهم، واثرائهم، لا على التحالف مع عمال
الارياف والمدن. كما ان البرجوازية تبذل كل جهودها لتغذية هذا الايمان
الكاذب وهذا الامل عند الموجيك؛ وهي تسعى لتخديره بخطب معسولة.
لأجل فضح كذب جميع هؤلاء الناس ذوي الكلام المعسول، يكفي ان نطرح عليهم
اسئلة ثلاثة.
السؤال الاول. هل يستطيع الشعب العامل ان يتخلص من الحرمانات والبؤس
عندما يكون مئة مليون ديسياتين في روسيا من اصل مئتين واربعين مليون
ديسياتين من الاراضي الجيدة، ملكا للملاكين الخصوصيين ؟ وعندما يحوز ستة
عشر الفا من كبار ملاكي الاراضي خمسة وستين مليون ديسياتين من هذه
الاراضي الجيدة ؟
السؤال الثاني. هل يستطيع الشعب العامل ان يتخلص من الحرمانات والبؤس
عندما تكون مليون ونصف مليون اسرة من الفلاحين الاغنياء (من اصل عشرة
ملايين اسرة فلاحية) قد استأثرت بنصف جميع الاراضي الفلاحية المزروعة،
ونصف جميع الاحصنة الفلاحية ونصف كل المواشي الفلاحية، وبأكثر بكثير من
نصف جميع الاحتياطيات والتوفيرات النقدية لدى الفلاحين ؟ عندما تزداد هذ
البرجوازية الفلاحية ثراء على الدوام، منيخة بثقل على الفلاحين الفقراء
والمتوسطين، جامعة الثروة من كدح الآخرين، من كدح الاجراء الزراعيين
والمياومين ؟ عندما تكون ستة ملايين ونصف مليون اسرة تتألف من فلاحين
فقراء حل بهم الخراب وابدا جائعين، ويحصلون على كسرة بائسة من الخبز
بالقيام بشتى الاشغال المأجورة ؟
السؤال الثالث. هل يستطيع الشعب العامل ان يتخلص من الحرمانات والبؤس
عندما يكون المال القوة الرئيسية وعندما يمكن شراء كل شيء بالمال:
المصنع، والارض، بل الكائنات البشرية لتحويلها إلى اعمال اجراء، إلى ارقاء مأجورين ؟ عندما لا يستطيع المرء دون المال، لا ان يعيش ولا ان
يستثمر حصته من الارض ؟ عندما يترتب على الملاك الصغير، الفقير، ان
يناضل ضد المالك الكبير لكي يحصل على المال ؟ عندما يكون عدة آلاف من
الملاكين العقاريين، والتجار، والصناعيين، واصحاب المصارف قد استأثروا
بمئات الملايين من الروبلات ويتصرفون، فوق ذلك، جميع المصارف التى
تتجمع فيها آلاف الملايين من الروبلات ؟
انه ليستحيل على المرء ان يتهرب من الاجابة على هذه الاسئلة بخطب
معسولة حول فوائد الاستثمارة الصغيرة أو حول فوائد التعاونيات. فليس
لهذه الاسئلة سوى جواب واحد، هو "التعاون" الحقيقي، الذي بوسعه انقاذ
الشعب العامل، هو التحالف بين الفلاحين الفقراء والعمال الاشتراكيين-الديموقراطيين في المدن من اجل النضال ضد البرجوازية برمتها. وكلما
اتسع هذا التحالف ورسخ، كلما ادرك الفلاح المتوسط بمزيد من السرعة كل
كذب الوعود البرجوازية، كلما انضم الفلاح المتوسط إلى جانبنا بمزيد من
السرعة أيضا.
والبرجوازية تعرف ذلك، ولهذا فهي تلجأ، علاوة على الخطب المعسولة،
إلى نشر الأكاذيب عن الاشتراكيين-الديموقراطيين. فهي تزعم ان الاشتراكيين-الديموقراطيين يريدون ان ينتزعوا ملكية الفلاح المتوسط والفلاح
الصغير. هذا كذب. ان الاشتراكيين-الديموقراطيين يريون ان ينتزعوا فقط
ملكية كبار المستثمرين، فقط ملكية الذين يعيشون من عمل الآخرين. ان
الاشتراكيين-الديموقراطيين لن ينتزعوا ابدا ملكية الملاكين الصغار
والمتوسطين الذين لا يستخدمون عمالا اجراء. ان الاشتراكيين-الديموقراطيين يدافعون عن مصالح الشعب العامل بأسره ويحافظون عليها،
ولا يقصدون بذلك فقط مصالح عمال المدن الذين هم أكثر وعيا واتحادا من
الآخرين. بل أيضا مصالح عمال الارياف، وكذلك مصالح الفلاحين وصغار
الحرفيين، اذا كانوا لا يستخدمون عمالا ولا يسعون للارتقاء إلى مستوى
الاغنياء، وللوقوف إلى جانب البرجوازية. ان الاشتراكيين-الديموقراطيين انما يخوضون النضال لكي يؤمنوا للعمال والفلاحين جميع
التحسينات التي يمكن تحقيقها حالا، ما دمنا لم نحطم بعد سيادة
البرجوازية، والتي ستسهل هذا النضال ضد البرجوازية. ولكن الاشتراكيين-الديموقراطيين لا يخدعون الفلاح، بل يقولون له كل الحقيقة، انهم يعلنون
سلفا وبكل صراحة ان ليس ثمة اية تحسينات بوسعها انتشال الشعب من لجة
العوز والبؤس، مادامت سيادة البرجوازية. ولكي يعرف الشعب بأسره من هم
الاشتراكيون-الديموقراطيون وماذا يريدون، وضع الاشتراكيون-الديموقراطيون برنامجهم. ان البرنامج هو عبارة عن بيان موجز وواضح
ودقيق عن كل ما يريد الحزب بلوغه وعن كل ما يناضل في سبيله. ان الحزب
الاشتراكي-الديموقراطي هو الحزب الوحيد الذي صاغ برنامجا واضحا
ودقيقا لكي يعرفه الشعب كله ويراه، لكي لا يضم الحزب سوى اناس يرغبون
حقا في خوض النضال من اجل تحرير كل الشعب العامل من نير البرجوازية،
اناس يدركون تماما من هم الذين يجب عليهم ان يتحدوا في سبيل خوض هذا
النضال، وكيف ينبغي خوض هذا النضال. وفوق ذلك، يرى الاشتراكيون-الديموقراطيون انه ينبغي على الحزب ان يوضح في برنامجه، بصورة جلية،
وعلنا، وبدقة، مصدر حرمانات الشعب العامل وبؤسه ولماذا يتسع اتحاد
العمال ويزداد شدة وقوة. فلا يكفي ان نعلن ان الحياة صعبة وان ندعو إلى التمرد؛ فان
أي ثرثار يعرف كيف يفعل ذلك، ولكن دون فائدة كبيرة. ينبغي
ان يدرك الشعب العامل كل الادراك سبب تعاسته ومع من ينبغي عليه ان يتحد
للنضال في سبيل الخلاص من البؤس.
لقد قلنا ما يريده الاشتراكيون-الديموقراطيون، ومن اين تتأتى حرمانات
الشعب العامل وبؤسه، وضد من ينبغي على الفلاحين الفقراء ان يناضلوا ومع
من ينبغي عليهم ان يتحدوا في سبيل القيام بهذا النضال. والآن سنبين اية
تحسينات في حياة العمال وفي حياة الفلاحين نستطيع ان نظفر بها الآن،
بفضل هذا النضال. |