دور الأممية الرابعة ومهامها
(مقرر المؤتمر العالمي الخامس عشر للأممية الرابعة - فبراير 2003)

 


1- الطور السياسي الجديد والمهمة الاستراتيجية للمرحلة

1) إن الطور السياسي الجديد في نشاط الحركة العمالية والاجتماعية، وتوجهـِها البرنامجي - السياسي وتنظيمها، يضع على جدول الأعمال لمرحلةٍ بكاملها، المقاومة ضد هجوم الطبقات السائدة الشرس، ويطرح كمهمة استراتيجية إنزال الهزيمة بالاشتراكية - الديمقراطية النيوليبرالية، التي لا تزال غالبية في الحركة العمالية والشعبية، وذلك بهدف إعادة بناء هذه الحركة على قاعدة مناهضةٍ للرأسمالية، وأممية، وبيئية ونسوية. هذه المعركة تخاض حول رهان مزدوج: معارضة سياسة الحرب ومناهضة السياسة النيوليبرالية، ضمن منظور النضال لأجل الاشتراكية.

2) هذه الفرصة موجودة لأنه منذ بداية هذه الدورة الجديدة:

يدخل الخطاب النيوليبرالي في أزمة، وتبسط السياسة النيوليبرالية طبيعتها الانكفائية اجتماعياً و، بوجه خاص، تكشف "الطريقُ الثالثة" للاشتراكية - الديمقراطية النيوليبرالية (بشتى تنويعاتها التنظيمية والإقليمية) خواءها. وعلى أرضية السياسة الملموسة، سيكون الخيار اكثر فأكثر بين السياسة النيوليبرالية، التي تخدم العولمة الرأسمالية، وتوجهٍ مناهض للرأسمالية لأجل تلبية الحاجات الاجتماعية للجماهير المستغلة والمضطهدة؛

لقد أيقظ التهديد بالحرب، الذي يولد صعوداً مستجداً للتيارات العنصرية، والرجعية والفاشية، جيلاً شاباً جديداً مستعداً لأن يتعبأ ويتنظم؛

إن الأزمة التاريخية للتيارات المسيطرة (الاشتراكيون - الديمقراطيون، الستالينيون، الشعبويون - القوميون) وانحدار الحركة العمالية التقليدية يفتحان مساحة واسعة لبديل سياسي وتنظيمي؛

تشكل الحركة ضد العولمة الرأسمالية رافعة قوية لأجل تجدد الحركة العمالية والاجتماعية والإفساح أمام منظور محرِّر جديد. ومنذ افتتاح هذه الدورة الجديدة، تنضوي ضمنها قوى نضالية جذرية (سياسية، واجتماعية، ونقابية، ومواطنية، وفكرية) خارجة عن رقابة بيروقراطيات الحركة العمالية التقليدية، لا بل تلعب دوراً مبادراً فيها؛

بات الاندماج ممكناً بين جيل شاب جديد متميِّز بإعادة التسيُّس وبتجذر جديد، والمناضلين المستمرين في نشاطهم والمنتمين إلى الأجيال المجربة لدورتي "1968" و"1985 - 1995"؛

إن الظرف الاجتماعي - السياسي والاقتصادي الذي يتواصل فيه هجوم نيوليبرالي وتتعزز المقاومة، يسهِّل تقاطب الطبقات ويعزز الجدال السياسي داخل المجتمع والحركة الاجتماعية؛

لقد تجلت روح أممية جديدة بصورة مذهلة في تحركات لم يسبق لها مثيل منذ الستينات، تـَعْمر بنزعة أممية جديدة وعداء عفوي للرأسمالية؛

أعادت الحركة النسوية الحيوية للنشاط - وأطلقته مجدداً - وذلك على الصعيد الوطني، والإقليمي والعالمي، ولاسيما ضد السياسات النيوليبرالية وأعمال العنف ضد النساء.

3) لا يزال التحول التاريخي للحركة العمالية والاجتماعية في بداياته. فثمة أمامنا مرحلة طويلة من إعادة البناء. لقد أزال انعطاف في الوضع العالمي شعوراً كثيفاً بالعجز السياسي والجبرية في الأوساط المناضلة. وفي غياب حدث تاريخي ورمزي يقلب الوضع العالمي رأساً على عقب، سوف تتم إعادة تنظيم الحركة الاجتماعية المعادية للرأسمالية/المعادية للإمبريالية، عبر سلسلة من التجارب الاجتماعية والسياسية، التي من شأنها أن توحد مجدداً، حول خيارا ت مطلبية واجتماعية، الشرائح المستغَلَّة والمضطَهَدة المشذرة والمنقسمة اليوم، وأن تعيد تكوين أفرقاء من المناضلين وكوادر مناضلة للحركة الاجتماعية، وتطوِّر برنامجاً مناهضاً للرأسمالية "انتقالياً" ذا أهمية إجمالية، يكون ناتج التناقضات الحالية للرأسمالية ونشاط الطبقات المستغَلَة والمضطهدة. إننا نشهد وضعاً جديداً خاصاً جداً حيث لا تزال الطبقة العاملة في وضع من الضعف في حالة الدفاع، لكن حيث ينهض اليسار الجذري مجدداً ويستعيد المبادرة السياسية على مستوى واسع. والهدف (من ذلك كله) تثبيت يسار مناهض للرأسمالية، اجتماعي وسياسي، جريء يهدف إلى التأثير في النضالات والتعبئات وتوجيهها. إن المسار الذي ينفتح طويل وصعب، بين" اللحظة الراهنة" التي تبدأ فيها إعادة تنظيم الحركة الاجتماعية والمرحلة اللاحقة التي سيعيد فيها انقلاب ميزان القوى بين الطبقات إطلاق المعارك الهجومية على المستوى العالمي، خالقاً المناخ الإيديولوجي والسياسي المناسب للمنظور الاشتراكي.

 


2- دعم النضالات، بناء الحركة الجماهيرية

1) إن إحدى مهامنا الأولى هي وتبقى المشاركة في خط المواجهة الأول في النضالات، والتعبئات، والحملات وتنظيم طبقة المأجورين والشبيبة، والنساء، والمهاجرين، على الصعيدين الوطني والعالمي. نحن منخرطون في بناء الحركة الجماهيرية كما هي، ونضطلع فيها بمهام ومسؤوليات، ونتماثل مع أهدافها، ونحن في الطليعة لأجل الوحدة والتعاون مع مناضلين آخرين وتيارات أخرى. وهذا العمل ذو النَفَس الطويل يهدف لتعزيز الحركة النقابية، والحركة النسائية، وحركة الشبيبة، والحركة المناهضة للحرب، والحركة البيئية، والمناهضة للعنصرية. وهو يهدف في الوقت نفسه لجعل هذه الحركات تتقدم على صعيد التوجه السياسي، والمطالب والاستراتيجية، ويستتبع بوجه خاص صياغة مطالب انتقالية: نحن ندعم كل الإصلاحات التي من شأنها تحسين شروط حياة الشغيلة وحقوقهم، وكل تقدم يحفز التنظيم الذاتي والثقة في النضال الجماعي، وكل مطلب يتيح أن يعي الناس عبر التجربة الحدود المصادفة في الرأسمالية لأجل جعل المكتسبات فعلية وتثبيتها. كما أن تدخلنا يتم ضمن القناعة بأن انطلاق الحركة الجماهيرية سيحرر المناضلين لبناء حزب جديد اشتراكي ثوري جماهيري، يمد جذوره في البروليتاريا.

2) نواصل دعم "الحركة ضد العولمة النيوليبرالية" وبناءها حول قمم الإمبريالية بهدف فضح السياسة النيوليبرالية العالمية وتأكيد قطب مناهض للرأسمالية/مناهض للإمبريالية أممي. إن اللقاءات العالمية في بورتو الليغري (المنتدى الاجتماعي العالمي)، واعتماد اللامركزية في اتجاه شتى القارات واندماجها بالـ"حركة الفعلية" في شتى المجتمعات بدَّلت وسوف تبدِّل أيضاً الشروط للمضي نحو تجديد جذري للحركة العمالية والاجتماعية.

3) إننا مستمرون في دعم الحملات الجارية وتعزيزها أو في (إعادة) تطوير الحركات التي تقوم بها وبنائها، ولا سيما:

إلغاء ديون العالم الثالث؛ كرافعة لتوجيه الاتهام*• فرض ضريبة توبين إلى الرأسمالية الممولنة ( أي المحوّلة إلى رأسمالية مالية)؛

وبصورة أعم، المعركة لأجل نزع شرعية المؤسسات شبه الدولانية الأهم: منظمة التجارة العالمية، صندوق النقد الدولي/ البنك الدولي.....

ضد العبودية الجديدة، ولا سيما عمل الأولاد وفرط استغلال النساء؛

لأجل حق النساء في الإشراف على إنتاجهن، وحصول النساء الشابات على التكوين (الثقافي والمهني - م)، والوصول إلى ماء الشرب وإلى الاستشفاء والطبابة؛

ضد الأجسام المعدلة جينيا ً(OGM) (الإيكولوجيا؛ انظر قرار المؤتمر العالمي الخامس عشر).

4) إننا نساهم في إعادة إطلاق الحركة النسوية في بلداننا وعلى المستوى العالمي، مستندين إلى المسيرة العالمية للنساء، بين أمور عديدة أخرى. وهذه الأخيرة ترمي إلى ضمان طابع الحركة التعددي والمناهض للنيوليبرالية، وتعبئ ضد العنف الذي يمارس ضد النساء، وتلعب دوراً أساسياً في تجديد النضالات النسوية. وهي تشكل رافعة جبارة لإتاحة المجال أمام تفاعل حركة النساء مع الحركة ضد العولمة الرأسمالية. إن تدخلنا يرمي أيضاً إلى الحفاظ على استقلالية الحركة ضمن منظور التحرر الذاتي، وهو الأمر الذي يستتبع رفض أي إخضاع لهذه الحركة لأي حزب سياسي أو أي مؤسسة دولانية.

5)

5 - 1. تهيئ الحكومات - الإمبريالية منها كما حكومات البلدان الرأسمالية الخاضعة للسيطرة - بحجة النضال ضد التهريب غير القانوني للأجانب أو "ضد الإرهاب"، هجمات جديدة ضد حرية الانتقال والإقامة. هذا وإن الهشاشة، والمرونة، وإعادة تنظيم المكاسب الاجتماعية المفروضة، في المقام الأول، على الشغيلة المهاجرين، إنما الهدف منها هو توسيعها في وقت لاحق لتشمل مواطني البلدان المعنية.

5 - 2. إن توحيد سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي وأمكنة أخرى يعبر عن نفسه بمطابقة قمعية وأمنية تتجلى في توالي تدابير مقيِّدة في مختلف البلدان، ورقابة عسكرية عند الحدود، وتعميم بصمات الأصابع.

5 - 3. ظهرت في أوروبا، علامات مقاومة من جانب قسم من الشغيلة المهاجرين عام 1996 في فرنسا، مع التنظيم الذاتي لمن ليست معهم أوراق ثبوتية. وقد ظهر تضامن واسع مع حركة دعم لنضالاتهم في الدولة الإسبانية والبرتغال وإيطاليا.

5 - 4. في بلدان متنوعة خاضعة للسيطرة، اعتُمدت إجراآت رقابة قمعية بحق المهاجرين (مثلاً الرقابة على المهاجرين من جنوب آسيا في بلدان الخليج والهجمات الشرسة ضد المهاجرين من بنغلادش إلى الهند، على أسس دينية).

5 - 5. إن مهمة الحركة العمالية هي أن تنمّي المقاومة لهذه السياسة باسم المساواة في الحقوق. هكذا فإن قانون حزيران/ يونيو 2002، الذي سنَّته حكومة برلوسكوني بخصوص الهجرة، أحدث إضرابات لعمال إيطاليين وأجانب في منشآت موجودة في الشمال.

5 - 6. في هذا الإطار، تقترح الأممية الرابعة الدمج المنهجي للبعد الديمقراطي للنضالات لأجل المساواة في الحقوق بين أبناء البلدان المعنية والمهاجرين، ولأجل حق الانتقال والإقامة كحق للبشر لا يمكن التصرف به. وهذان النضالان مترابطان لأنه لا يمكن الحصول على التكافؤ والمساواة من دون فتح الحدود.

5 - 7. تقترح الأممية الرابعة على فروعها أن تخوض حملة عالمية واسعة ووحدوية، لأجل المساواة في الحقوق، وفتح الحدود، وانتقال الأفراد وإقامتهم بحرية.

6) ينذر الهجوم العالمي للإمبريالية الأميركية "ضد الإرهاب العالمي" بسلسلة من الحروب والتدخلات العسكرية خلال فترة طويلة الأمد. وهذا سيؤدي حتماً إلى النمو الكثيف للنفقات العسكرية للدول (الكبيرة والصغيرة)، وإلى مضاعفة بؤر التوتر واستفحال النزاعات. وسوف تتعرض الحريات الديمقراطية للتهديد اكثر فأكثر، وهو ما قد يستتبع أيضاً هجمات منهجية على الوضع الاجتماعي للبروليتاريا. ينبغي (إعادة) بناء حركة دائمة ضد الحرب ("حركة لأجل السلام") تحلل كل وجوه النزعة العسكرية الجديدة (غزو الفضاء، أسلحة الدمار الشامل، إعانات مالية دولانية سخية للبحث العسكري، ضمانة دولانية للتتجير (تحويل منتجات عسكرية إلى سلع تجارية)، الخ...).

في الوقت عينه، ينبغي أن يكون رد الفعل فورياً، على المستوى العالمي وضمن الوحدة الأشد اتساعاً، ما أن يتحضر تدخل عسكري ويندلع. إننا نناضل لأجل حل الحلف الأطلسي. وضمن الشروط الحالية، سنجد نفسنا مدفوعين عملياً إلى فضح دور الحكومة الأميركية، في المقام الأول وبقوة. لكننا سوف نشهِّر أيضاً وفي الوقت عينه بعسكرة الإمبريالية الأوروبية، حليفة الإمبريالية الأميركية ومنافستها. فليس الاتحاد الأوروبي محباً أكثر للسلام إلا لأنه يتخلف كثيراً جداً عن اللحاق بالولايات المتحدة من حيث قوته العسكرية. إننا نعارض أيضاً دور دولنا التي تثير "حروباً محليةً" أو تدعمها لصالح مؤسَّساتـ"نا" العابرة للأمم التي تهدف لاستغلال المواد الأولية في بلدان الأطراف (إفريقيا تحت الصحراء).

7) سوف تولي الأممية الرابعة، في الفترة القادمة، اهتماماً معزَّزاً لنشاطها داخل عالم الشغل. وسوف يصبح ذلك ملموساً عن طريق تدخل، وتنسيق وإعلام أكثر منهجية في النضالات الاجتماعية. وعلى الصعيد العالمي تعاني الحركة النقابية إجمالاً تأخراً درامياً إزاء مركزة رأس المال ومكاتب خدمته الدولانية. إن هدفنا هو بناء حركة نقابية فاعلة، وأممية ونسوية.

أ) يتعلق هذا في المقام الأول بتعزيز التضامن والوحدة والتنظيم بين الشغيلة/والشغيلات الأكثر تعرضاً للاستغلال: المحرومون، والمتعرضون للهشاشة الاجتماعية، والعبودية الجديدة، بما فيهم الشغيلة المهاجرون داخل العالم الإمبريالي، والشغيلة الشباب والشابات معدومو الحقوق في "الاقتصاد الجديد"، وجمهور الفقراء الذين يعيشون ضمن شروط غير إنسانية. وهذا يستتبع اهتماماً خاصاً بالشغيلات، ومذاك، دمج مطالب النساء في المفاوضات النقابية، ولا سيما بخصوص المساواة في الأجور، والاستخدام الآمن ومكتسبات أخرى في حالة الشغل بدوام جزئي أو لمدة محدودة. إن البنية التراتبية للرأسمالية العالمية تفرض لا مساواة بنيوية مشابهة داخل البروليتاريا العالمية، بين الطبقة العاملة في النواة المركزية والبلدان الطرفية، لكن كذلك في كل واحدة من الطبقات العاملة. تنتج من ذلك مضاعفة ومفاقمة المنافسة بين الطبقات العاملة وأقسامها المختلفة. وتواجه الحركة النقابية فيها بصورة متزايدة إشكالية معروفة جداً لكنها تستفحل (الولايات المتحدة - كندا + أميركا اللاتينية؛ اليابان + شمال شرق آسيا). وفي الاتحاد الأوروبي، تواجه عالم العمل مباشرة بداية دولة فوقومية، وهذا سلاح قوي بالنسبة للمنافسة بين الطبقات العاملة الوطنية، التي يفاقمها التوسع الوشيك في اتجاه أوروبا الشرقية.

ب) يستتبع ذلك النضال ضد (وكذلك داخل) المنشآت متعددة القومية التي تشكل النواة المركزية للرأسمالية المعولمة: بواسطة حملات "مدنية" ضد بعض الشركات متعددة الجنسية المستهدفة بوجه خاص؛ وبالتضامن العالمي مع شغيلة شركة متعددة الجنسية يخوضون صراعاً؛ وبالمشاركة النشطة في الحملات التي تقودها الأمانات المهنية العالمية (SPI، المرتبطة بالـ CISL) ولجان المنشأة داخل الشركات متعددة الجنسية.

8) في الاتحاد الأوروبي، تنبثق السياسة النيوليبرالية الفظة من جهاز بداية دولة فوقومية يؤثر مباشرة في كل وجوه الحياة اليومية و، بالتالي، الوضع المتعلق بالأجور. إزاء ذلك، تقدم الحركة النقابية الأوروبية الرسمية (الـ CES) كشف حساب كارثياً. ينبغي تنشيط البنى الموجودة واتخاذ مبادرات. وهذا يتضمن: التضامن مع نضال خاص في أحد البلدان لكنه رمزي بالنسبة لجميع البلدان؛ وتنسيق الإضرابات القطاعية؛ وتنمية حملات مطلبية جزئية وأعمال تعبوية وإرساء برنامج اجتماعي عالمي. لكن بوجه خاص: تثير هذه المشكلات النقابية في الحال ضرورة استراتيجية سياسية للحركة العمالية والاجتماعية وبديلاً للمجتمع ومؤسسات الدولة (أنظر قرارات آخر مؤتمر عالمي). إننا نواصل مهمتنا الاستراتيجية، المتمثلة بالمساهمة في حركة نقابية نشطة في أوروبا، عبر نشاط في الكونفدراليات الوطنية الكبيرة الخاصة بالـ CES، وفي الوقت ذاته في النقابات الجذرية، وكل حركة أو جمعية مرتبطة بالبروليتاريا (أنظر حركة المسيرات الأوروبية،...). ينبغي أيضاً إقامة روابط عملية بين المناضلين النقابيين (المندوبين النقابيين، الخ...) لبناء تضامن أممي حقيقي داخل الشركات العملاقة وفروعها.

 


3- إنزال الهزيمة بالنيوليبرالية، سلوك الطريق المناهضة للرأسمالية

1) إن النضال لأجل إنزال الهزيمة بـ"النيوليبرالية" هو في قلب معركتنا السياسية. واستمرار الهجوم من جانب أرباب العمل والإمبريالية يشكل تهديداً حقيقياً لحياة ملايين الناس، ولكوكب الأرض، والديمقراطية، والحركة العمالية والاجتماعية بالذات. إن المقاومة التي تتعزز، وتتنظم وتتسيس لم توقف الهجمات، التي يمكن أن تأخذ أشكالاً فظة جداً وقاسية للغاية.

2) كلما حصلت المقاومة على نجاح أكبر، كلما زاد فقدان الاشتراكية - الديمقراطية حظوتها، وكلما تطورت أكثر منطقة واسعة "مناهضة للنيوليبرالية" و"معادية للعولمة"، وكلما تمايزت هذه الأخيرة أكثر. وفي داخلها، في الحركة التقليدية، وفي الحركات الاجتماعية "الجديدة"، وفي الحركة العالمية المناهضة للعولمة، سوف تنمو خيارات سياسية واستراتيجية وتنظيمية مختلفة.

3) يتطلب ذلك معركة سياسية للتوضيح والتوجيه على مستويين متمايزين ومع رهانات مختلفة. أولاً، في اتجاه تيارات مناوئة للنيوليبرالية لكنها تتخذ الطريق الإصلاحي: إما لأنها تدعم المؤسسات العالمية وتندمج فيها باسم روح أممية شهمة ضد نزعة قومية ضيقة وحاقدة؛ أو أنها تدعم دولتها البرجوازية القومية باسم تفوقها الديمقراطي.

ثانياً، داخل التيار الراديكالي، وإزاء تعدد واسع للتحليلات، والآراء، وطرق النضال، والإيديولوجيات، وأشكال التنظيم الهجينة، نخوض الجدال بخصوص الانتقال من العداء للرأسمالية/العداء للإمبريالية العفوي إلى برنامج معاد للرأسمالية - اشتراكي؛ ومن الراديكالية السياسية نحو استراتيجية أكثروية للقطيعة مع الرأسمالية ودولتها، تقوم على النشاط الذاتي للبروليتاريا والشرائح المضطهدة وتنظيمها الذاتي؛ ومن الانخراط النضالي في الحركة نحو بناء حزب وأممية اشتراكية - ثورية يفهمان المتطلبات الاستراتيجية الأساسية التي من شأنها ضمان استيلاء الطبقة العاملة على السلطة... وهذا هو، في هذه الفترة، كل معنى تدخلنا البرنامجي، والإيديولوجي والعملي.

 


4- لأجل وحدة الطبقة العاملة ونقابية "صراع طبقي"

1) على مدى عشرين سنة، عرفت الحركة النقابية ضعفاً شديداً، على صعيد عدد المنتسبين إليها، وقدرتها على التعبئة والكفاحية، وعلى مستوى الاستقلال الذاتي والبرنامجي. وهذا يعكس تدهور ميزان القوى. وهو أيضاً ناتج فقدان عالم الشغل بالذات تماسكه، بعد هذا التراجع الكبير. هنالك أيضاً مسؤولية سياسية: الالتحاق النشط للاشتراكية - الديمقراطية بالسياسة النيوليبرالية عموماً وخضوعها المتزايد للمؤسسة الدولانية الوطنية والعالمية. إن إنهاض الحركة النقابية مهمة أساسية.

2) لا يتعلق الأمر فقط بتشكيل "يسارات نقابية" وتوحيدها. إن "إعادة بناء نقابية" جماهيرية وإعادة تنظيم عميق هما ما يجب القيام به، في ارتباط مع عالم الشغل، في المنشأة وخارجها، مع ثلاثة جوانب.

روح إبداعية متواصلة لبلورة مطالب اجتماعية تتعلق بإعادة هيكلة الشغل المستغل عموماً، لكن تنبثق أيضاً من التغييرات المهمة في الحياة في المجتمع وفي الوعي التي تطول النساء والشبيبة بوجه خاص. إن أخذ هذه الأمور بالحسبان عامل تسييس قوي جداً؛
التشكيلة الجديدة للبروليتاريا حيث النساء، والمهاجرون وبوجه خاص الشباب، بصورة تتغير وفقاً للقارات، سيكونون في الخط الأول من المعارك الطبقية، من دون أن يكون لهم، لذلك، حق إبداء الرأي، في الغالبية الساحقة من النقابات. وذلك أيضاً مع الكتلة المتنامية من الشغيلة/الشغيلات على هامش النواة الثابتة نسبياً من البروليتاريا، الذين يعيشون حالة حرمان، أو هشاشة اجتماعية، وفي البؤس؛ وهذا يستتبع اهتماماً خاصاً ببناء النقابات في الصناعات الجديدة في البلدان الرأسمالية التابعة داخل المناطق الحرة حيث لا يوجد قانون اجتماعي ولا أدنى حماية.

الأشكال الجديدة للعمل،والتعبئة والتنظيم التي سيخلقها الصعود الاجتماعي الجديد - كما كان ذلك دائماً في تاريخ الحركة العمالية. إن طابعه الأممي سيكون في الوقت عينه عاملاً من عوامل إعادة التشكل النقابي.

3) إن إعادة البناء النقابي هذه وإعادة التنظيم سوف تكونان غير متكافئتين بالضرورة، وفقاً للقارات والبلدان. وهما سوف تجدان نقاط انطلاق متنوعة جداً. وفي الكونفدراليات الكبرى القائمة منذ زمن بعيد في البلدان التي تعرف معدلات انتماء إلى النقابات مرتفعة جداً، مع تراث نقابي كبير، سوف تمر إعادة التعبئة بالضرورة عبر هذه المنظمات. إن إعادة البناء النقابي سوف تجد فيها بالتأكيد نقاط ارتكاز. مع ذلك، فإن الديالكتيك بين القاعدة العمالية، والمندوبين في المنشآت، وشتى شرائح البيروقراطية النقابية، يمكن أن يأخذ حتماً طرقاً أكثر تعقيداً. وفي البلدان التي ولدت فيها حركة نقابية جماهيرية بعد ذلك بقرن (كوزاتو في أفريقيا الجنوبية، كوت CUT في البرازيل،...)، سوف تبقى هذه الحركة أكثر قابلية للتأثر بمشاعر القاعدة. وفي هذه الحالة وتلك، سوف تكون تيارات في اليسار النقابي إحدى نقاط الارتكاز، بالتأكيد، لاندفاع الحركة النقابية مجدداً. فضلاً عن ذلك، فإن الافتقار في سلسلة واسعة من البلدان، لاتحادات نقابية كبرى، ترك فسحات نمت فيها نقابات جديدة هي عموماً أقلوية جداً في الطبقة العاملة بمجملها، لكن مع مواقع قوية، لا بل مسيطرة، في بعض النقابات، وبعض المنشآت، وبعض المناطق أو المدن. هذا وإن المستقبل سوف يحسم أي طريق ستأخذها إعادة البناء النقابي الجماهيرية. إن هذه "الإعادة" بالذات معقدة أكثر، بمقدار ما أن عالم الشغل عرف أكثر هزة ضخمة في هياكله، وعاداته، ووعيه، الخ... . وينطبق ذلك بوجه خاص بالنسبة للشبيبة القادمة حديثاً إلى سوق العمل ضمن شروط هشة، والتي لا تتماثل مع "الحركة العمالية التاريخية" وليست مستعدة للانضمام إليها. وتلك هي أيضاً حال النساء في القطاع العام اللواتي هن أول من يعاني آثار الاقتطاعات من الموازنة في البرامج الاجتماعية وخصخصة المصالح العامة.

4) بمقدار ما يلعب الماركسيون - الثوريون دوراً عملياً وواضحاً للعيان، يتحملون مسؤولية كبرى في التنظيم لأجل تحقيق أهداف الحركة الاجتماعية. وتصبح الوحدة مسألة ملحة أكثر بمقدار ما أن الاندفاع الاجتماعي المتجدد يبقى دفاعياً وسريع العطب، ويتواصل ضعف الحركة العمالية التقليدية (النقابية والسياسية)، في حين لا تزال القوى الجذرية البديلة مشتتة وأقلية جداً. في الفترة الحالية، تتخذ هذه الوحدة شكلين متمايزين وفقاً للهدف:

المعركة لأجل الجبهة المتحدة الكلاسيكية، أي وحدة أقصى قدر ممكن من القوى البروليتارية المنظمة بهدف النشاط العملي لأجل أهداف محددة. ولمعرفتنا بتهاون المنظمات ذات القيادة الاشتراكية - الديمقراطية لجهة الدفاع عن المطالب الأساسية، لا نتخلى لأجل ذلك عن الانخراط في العمل الجماهيري. لكن تحديد موقعنا السياسي والتكتيكي سيأخذ من الآن وصاعداً بالحسبان، بالضرورة، المجافاة العميقة من جانب الجماهير الشعبية، ولا سيما الشبيبة.

وحدة العمل والتلاقي داخل وبين الحركات الاجتماعية، والتيارات النقابية، والحملات طويلة الأمد، والأوساط الثقافية، الخ. المناضلة ضد النيوليبرالية، والتي غالباً ما تجمع نشاطاً من نوع "الجبهة المتحدة" مع نشاط سياسي حزبي أولي كثيف، وتشكل، بسبب ذلك، أمكنة خصبة لإعادات تشكُّل اجتماعية، وديناميات سياسية. وإذ نفعل ذلك، نأخذ بالحسبان الخصائص المتعلقة بالوسط، وحساسياته، وطرائق شغله، و"حسه المشترك"، الخ.

 


5- تجذر الشبيبة الجديد

لقد قام جيل مناضل جديد في المعركة ضد عولمة رأس المال النيوليبرالية. ولدت جذرية جديدة سوف تتبع طرقها الخاصة بها. إنه جيل جديد هو في الوقت نفسه عالمي، وأممي بالمعنى الأوسع، وأكثر جذرية، وأكثر التزاماً على الصعيد التنظيمي. إنه يحمل رموزه الخاصة به، وطرائق عمله (العصيان) وطرائقه التنظيمية، في قطيعة مع الثقافة السياسية المسيطرة في الحركات. إن الشبيبة الثانوية والجامعية هي المكوِّن الأكثر عدداً في الحركة، وهي تشاطر الشغيلة/والشغيلات، الشباب/والشابات الذين يدخلون في الحياة المهنية، ظروفهم الاجتماعية (ولا سيما الهشاشة الاجتماعية). إن كسب هذا الجيل الجديد إلى الاشتراكية والثورة مهمة أساسية. ولأجل ذلك، علينا أن نتوجه إلى هذه الشبيبة بوجه خاص، هادفين إلى تعزيز سيرورة التجذر بمعنى مناهض للرأسمالية ومناهض للإمبريالية. إن هذا التدخل المستقل من جانب الرفاق الشباب، في علاقة وثيقة بالمشروع السياسي الخاص بالفرع، أمر لا غنى عنه لأجل تجديد القوى الثورية، الضمانة الوحيدة لقدرتنا على الاستجابة لتطور الحركة الاجتماعية والعمالية وللتطلعات الجديدة للمستغلين والمستغلات، والمضطهدين والمضطهدات.

 


6- بناء أحزاب بروليتارية واسعة مناهضة للرأسمالية

1) إن هدفنا هو تشكيل أحزاب للبروليتاريا تكون:

مناهضة للرأسمالية، وأممية، وبيئية ونسوية؛ واسعة، وتعددية وتمثيلية؛

مشدودة بعمق إلى المسألة الاجتماعية وتربط المطالب المباشرة، من دون عوائق، بتطلعات عالم الشغل الاجتماعية؛

تعبر عن كفاحية الشغيلة/والشغيلات، وعن إرادة التحرر لدى النساء، وعن تمرد الشبيبة، والتضامن الأممي، وتكافح كل المظالم؛

تمحور استراتيجيتها حول المعركة خارج البرلمان، والنشاط الذاتي للبروليتاريا والمضطهدين والمضطهدات وتنظُّمهم الذاتي؛

تقف بوضوح مع مصادرة رأس المال ولأجل الاشتراكية (الديمقراطية المسيَّرة ذاتياً). هذا وإن هدفنا، بخصوص أميركا اللاتينية، هو بناء أحزاب و/أو تجمعات معادية للرأسمالية واسعة، وتعددية ومنغرسة بالفعل في البروليتاريا والحركات الاجتماعية، التي تمفْصِل المقاومة المناهضة للنيوليبرالية في إطار النضال ضد العولمة الرأسمالية. وبوصفنا تياراً ماركسياً ثورياً، نحن مع بناء "نواة صلبة" لليسار. وهذا المنظور لا يمكنه أن ينجح إذا أحللنا محل التفكير الاستراتيجي، والعمل الجذري، والمبادرات الجريئة، موقفاً عصبوياً قائماً على "تأكيد الذات" ونزعة محافظة لـ"هويتنا".

2) سوف يمر النضال لأجل أحزاب كهذه بسلسلة من المراحل، والتكتيكات والاشكال التنظيمية التي ستكون خاصة بكل بلد. إن إعادة تشكُّل كهذه مناهضة للرأسمالية تسعى على الفور وراء هدف أساسي: خلق تقاطب فاعل وواضح حيال كل القوى المناصرة للنيوليبرالية الاجتماعية (الاشتراكية - الديمقراطية، ما بعد الستالينية، المهتمون بحماية البيئة، الشعبويون) بهدف تسريع أزمتها وإعطاء هذه الأخيرة نهاية إيجابية.

وذلك يتطلب ما يلي:

حضور قوى سياسية مهمة ثمة حيث تتعاون التيارات الماركسية - الثورية مع تيارات أو ممثلين مهمين أو رمزيين يقطعون علاقاتهم بالأحزاب الإصلاحية من دون أن يرتقوا بالضرورة إلى مواقع ماركسية ثورية؛

علاقة محترمة لكن وثيقة مع الحركة الاجتماعية، التي ترتبط إعادة تشكُّلها بمطالبها وأعمالها؛

(قوة) تمثيلية معترف بها في المجتمع تحطم احتكار الأحزاب المناصرة للاشتراكية - النيوليبرالية، والتي لها، بفضل الاقتراع العام، منتَخبون ومنتخبات في الجمعيات على المستوى المحلي، والإقليمي، والوطني، و(عند الاقتضاء) على المستوى الدولي (الأوروبي)؛

اشتغال تعددي يسهِّل، أبعد من مجرد الديمقراطية الداخلية، التلاقي والنقاش في الوقت عينه، لأجل إتاحة بقاء تيار ماركسي - ثوري كعنصر مقبول داخل كلٍّ أكثر اتساعا ً واشتغال هذا التيار.

3) تبيِّن تجربة السنوات العشر الأخيرة أن اليسار الثوري غير العصبوي يمكن أن يلعب دوراً أساسياً لأجل الحفاظ على توجُّهٍ كهذا راديكالي ووحدوي، وغير برلماني وذي قوة تمثيلية انتخابية، في الوقت عينه. ولبلوغ ذلك، سيكون عليه أن يجتاز مساراً معقداً مكوناً من مراحل وعطفات لأجل مراكمة القوى، وتوضيح الرهانات بصورة تدريجية، وإعادة تنشيط الأوساط النضالية، والبناء الصبور للروابط مع الحركة الاجتماعية. ثمة أربعة عناصر مهمة في العقد الأخير يجب إدخالها في التكتيك في هذا المستهل لطور سياسي جديد:

ما من تيار يساري واسع في الأحزاب القائمة تنظَّم وتقدَّم لإعادة تشكُّل مناهضة للرأسمالية؛

إن اتجاهات اليسار الاشتراكي - الديمقراطي جبانة، ولا توحي بالثقة وقليلة التماسك؛

إن الأحزاب الشيوعية الكبيرة "المحافظ عليها" هي في الدور النهائي، والمواقف التي اتخذتها ضد النيوليبرالية والإمبريالية لم تصب في مشروع سياسي مناهض للرأسمالية ونمط اشتغال ديمقراطي - تعددي (باستثناء حزب إعادة التأسيس)، ولم يبصر النور أي اتجاه يساري غير ستاليني له امتداد وطني صلب؛

لم تنجح أحزاب الخضر الكبيرة في تجسيد بديل سياسي واجتماعي حقيقي، وبعضها (كالغرونن الألمان) انتقلت بصراحة إلى جهة الدولة البرجوازية؛ والمعارضة الداخلية في هذه الأحزاب لا تفضي إلى تنظيم معارضة يسارية اجتماعية - اقتصادية حقيقية.

4) لا يعني ذلك أنه قد لا يكون هناك، في هذه الأحزاب وفي الحركة الاجتماعية، اهتمام واستعداد لإعادة تشكُّل مناهضة للرأسمالية. وإعادة التشكُّل هذه يمكن أن تأخذ أشكالاً متنوعة. وليس الاستنتاج هو الابتعاد عن هذه الأحزاب وعن مناضليها. على العكس، إن توسيع إعادة التشكُّل في هذا الاتجاه عبر سياسة تعاون وتلاقٍ منهجية أمر لا غنى عنه لأجل خلق قطب جاذب واسع جداً بهدف إنزال الهزيمة بالاشتراكية - النيوليبرالية. لكن الخلاصة الأساسية التي تتفرع من ذلك إنما هي أن الأمر سيتوقف، أكثر بكثير مما في السابق، على نمو قطب قوي ومستقل وميزان قوى خارجي لاجتذاب هذه التعاطفات وتنظيمها. ليس هناك، في هذه المرحلة، من طرف غير اليسار الثوري، قادر بحكم موقعه، على أخذ المبادرة لإعادة التشكُّل المناهضة للرأسمالية، وللحفاظ على التوجه نحو مشروع جذري وتعددي، متأصل اجتماعياً، وذي طابع جماهيري. لكن ذلك يتطلب رفضاً للعصبوية عميقا،ً ومدروساً وممارساً. وهذا يستتبع أيضاً أنه لا يمكن تصور التقاربات داخل اليسار الثوري إلا في إطار التجربة المشتركة لإعادة التشكُّل المناهضة للرأسمالية هذه وعبر تلك التجربة.

5) مع ذلك، فهذه السيرورات تدرج أيضاً مسألة إعادة تجمع القوى الثورية في جدول الأعمال، لأنه لا يمكن اليسار الثوري أن يعمل كحفَّاز لإعادات تجمُّع واسعة من دون التصدي لانقساماته الخاصة.

6) في حين تساهم الأممية الرابعة في إعادة تنظيم واسعة للحركة العمالية، والاجتماعية والشعبية على المستوى العالمي، مع منظور خلق قوة جديدة تعددية، وأممية، وثورية، ومناضلة، ولها تأثيرها في الجماهير، علينا في الوقت عينه أن نعزز تنظيمنا لأنفسنا. وهذا ليس بهدف منافسة التيارات الثورية العالمية الأخرى والتغلب عليها، بل للمساهمة قدر الإمكان في بناء هذه القوة الجديدة، في الوقت ذاته الذي نوضح فيه الدروس النظرية الأساسية التي يجب استخلاصها من تجارب ثورات القرن العشرين.

 


7- إعادة تأسيس البرنامج الانتقالي

1) إن المرحلة التاريخية الجديدة من الرأسمالية والمعركة الاشتراكية - الثورية تتطلب إعادة تأسيس برنامجية حقيقية:

تأخذ بالاعتبار كل الانقلابات البنيوية الاجتماعية والثقافية للرأسمالية والطبقات المستغَلَّة والشرائح المضطهدة؛

تدمج كشف الحساب النقدي لمائة وخمسين عاماً من الحركة العمالية وتجربة الثورات الاشتراكية الظافرة الأولى وانحطاطها؛

تأخذ بالحسبان، كما يقتضي، الوعي الحالي للجماهير الشعبية وتتشبث بمطالبها وأنماط عملها وتنظيمها. وسوف نساهم فيها إلى أقصى الحدود‘ علماً بأن برنامجاً انتقالياً كهذا للقرن الواحد والعشرين لن يكون وقفاً على مجموعة أو تيار خاص. فالأمر لا يتعلق بتمرين كتابي سريع. وكما كانت الحال بالنسبة للبرامج الانتقالية التي تعاقبت منذ ماركس، سيلزم نقاش حر واسع، وبلورة جماعية، وتعاون "معولم"، وجدال نقدي ونقد - ذاتي، وانفتاح على التجارب الاجتماعية الجارية والمستقبلية. إنه تحدٍّ حقيقي بمقدار ما لا يتوقف الصراع السياسي بين التيارات والتنظيمات، وفي حين أن كل تنظيم بحاجة لأن يعطي، في العجلة النضالية، أجوبة فورية.

2) في الجدال البرنامجي - الاستراتيجي الذي يشمل مجمل مشكلات النضال لأجل الاشتراكية، سوف نغذي نقاشاً حول:

أ) ضرورة صياغة برنامج شامل يتناول الحاجات الاجتماعية والحقوق الإنسانية انطلاقاً من الأزمة البيئية العالمية، والنكوص الاجتماعي المعمَّم، والفقر المدقع لغالبية البشرية والتفاوتات الاجتماعية داخل عالم الشغل.

ب) وجود الملكية الخاصة للثروات ووسائل الإنتاج والتبادل، التي تشكل قاعدة طبقة مسيطرة ومالكة، كعقبة دون تحقيق هذا البرنامج الاجتماعي، وبالتالي الضرورة الحتمية لمصادرتها لصالح الجماعة البشرية.

ج) إزاء تحليل سطحي وأخلاقي يقوم على أساس "الفقراء ضد الأغنياء" و"المحرومين والمحرومات"، نضع في صميم تحليلنا استغلال الرجال والنساء بوصفهم عمالاً، ومستخدمين، وكوادر (حاصلين على أجر)، وعاطلين عن العمل، ومتعرضين للهشاشة الاجتماعية، ومحرومين، أي طبقة الحاصلين على أجر، المضطرة لبيع قوة عملها لرب عمل.

د) الدور الحاسم، بالنسبة للاستراتيجية المناهضة للرأسمالية والاشتراكية، لطبقة المأجورين المعولمة التي سيكون من الضروري إنجاز تحليل مجدَّد لها، واسع وملموس، كما لتوضيح وحدتها في وجه الاستغلال والاضطهاد الرأسمالي وكثرة أوضاعها الملموسة، وطرائقها النضالية، ومطالبها المباشرة، وأشكال تنظيمها.

هـ) الدور الحاسم لحق النساء والمثليين والمثليات في تنظيم أنفسهم بصورة مستقلة.

و) اشتراط الديمقراطية والشفافية والرقابة كمبادئ وممارسة، مفهومة على أنها التدخل النشط من جانب المجتمع والقسم المستغل والمضطهد فيه بوجه خاص، كعنصر نقدي للتجربة الستالينية وكاتهام جذري للديمقراطية البرجوازية.

ز) تصور للحزب يأخذ بالحسبان التجربة التاريخية والشروط الاجتماعية والثقافية الجديدة للمجتمعات والطبقات المستَغَلة.

ح) ضرورة النضال لأجل السلطة، الذي سينخرط في هذه المواجهة عبر إبراز ملامحه الأساسية.

3) يمر هذا البرنامج الانتقالي، في أميركا اللاتينية بوجه خاص بمسائل من مثل:

طابع إعادة الاستعمار الاقتصادي ومسألة السيادة الوطنية (عداء للإمبريالية ملموس)؛

إعادة صياغة سيرورات التكامل الإقليمي بوصفه بديلاً من منطقة التبادل الحر لدول أميركا (ZLEA) (اقتراحات تنمية فعلية)؛

الامتناع عن دفع الدين؛

معركة الحركات الفلاحية لأجل الأرض ولأجل إصلاح زراعي جذري؛ نضال السكان الأصليين لأجل حقوقهم ولأجل الحكم الذاتي؛ وأخيراً دور الحركات الفلاحية وتلك الخاصة بالسكان الأصليين في تشكيل قوى سياسية جديدة مناهضة للرأسمالية في المكسيك، وبوليفيا، والإكوادور وبلدان أخرى؛

النضال ضد الخصخصات؛

مسألة الديمقراطية السياسية وإعادة تملك الحقوق المصادرة، كما مسألة طابع توجُّه إلى ديمقراطية تشاركية، وأهميته وحدوده، على المستوى المحلي أو البلدي (يدير اليسار في أميركا اللاتينية مدناً مهمة وقرى صغيرة في البرازيل، والأوروغواي، والمكسيك، والسلفادور، والإكوادور، والبيرو، وكولومبيا)؛

العلاقات بين النضالات الريفية والمدينية؛

العلاقات بين المقاومة الاجتماعية والتنظيم السياسي؛

الأشكال الجديدة التي تكتسبها "الموضوعات" التي تتكرر بسبب تشذر الطبقة العاملة (البيكتيروس، والجمعيات الشعبية، واحتلالات الأراضي والتعاونيات الغذائية، وتجارب الدفاع الذاتي، ونضالات الأحياء لأجل الخدمات العامة، والمساحات الشابة، والنساء اللواتي ينظمن الحصول على أسباب البقاء، والتجارب المتنوعة لاقتصاد المقايضة)؛

سياسات التحالفات الاجتماعية والسياسية.

 


8- نحو أممية ثورية جماهيرية جديدة

1) لقد استجاب بناء الأمميات، التي وجدت في التاريخ، في كل مرة، لمهام جديدة مرتبطة بتطورات اجتماعية - سياسية كبرى. إن المرحلة السياسية الجديدة لإعادة التنظيم تطرح دفعة واحدة مشكلة أممية جديدة مناهضة للرأسمالية/معادية للإمبريالية، ثورية جماهيرية. هذه "النزعة الأممية الجديدة" تظهر بقوة منذ "سياتل". كانت سلسلة من الاندفاعات قد هيأتها، منذ منعطف السنوات 1989 - 91: ظهور الزاباتية الجديدة، نداء الباستيل الذي دشن الحملة الطويلة لإلغاء ديون العالمالثالث، المسيرات الأوروبية، "عقد" القمم المضادة في وجه مؤسسات العولمة الرأسمالية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، سلسلة الاجتماعات الطويلة حيث كان "المجتمع المدني" (المنظمات غير الحكومية في الغالب) يقف بمواجهة القمم الرسمية (الأرض، النساء، قمة كوبنهاغن الاجتماعية). وبعد اجتماعي المنتدى الاجتماعي العالمي (FSM)، في بورتو أليغري، ومنظور اجتماع ثالث في البرازيل، التي تلت المنتديات الاجتماعية الإقليمية، بدأت سيرورة توطيد تنظيمي وبرنامجي. وبموازاة ذلك، ظهرت سيرورة توضيح وتمايز تحت تأثير الأحداث السياسية في العالم.

2) خلافاً لفترة صعود النزعة "الأممية" في الستينيات والسبعينيات، لا يتعلق الأمر، قبل أي شيء آخر، بتضامن ودعم سياسي لسيرورة اجتماعية أو ديمقراطية - ثورية. إن قوتها الدافعة تأتي من حركة مقاومة هي في الوقت نفسه عالمية ضد طور جديد من عولمة الرأسمالية وسياستها ومؤسساتها. إنها تظهر في هذا الطور كحركة اجتماعية "جديدة" شرعية جداً، تحملها قوى اجتماعية - سياسية تفلت من رقابة البيروقراطيات التقليدية للحركة العمالية والشعبية. وهي تقع أيضاً خارج المنظمات الثورية العالمية، وعموماً، ترفض الدخول في الأحزاب السياسية. في الوقت نفسه، هذه الحركة سياسية بصورة عميقة: لقد فرضت بصورة مذهلة تقاطباً في وجه الطبقات المسيطرة، وأعادت فتح منظور مناهض للرأسمالية وأمل في التحرر، وخلقت فسحة عامة ممركزة وغير ممركزة في آن معاً حيث يجتمع التأمل التحليلي، والمواجهة السياسية، والالتزام النضالي، وخلقت أرضاً توجد فيها بالفعل تيارات سياسية منظمة. لا يمكن تخيل إحداث اختراق في اتجاه أممية ثورية معادية للرأسمالية/ معادية للإمبريالية من دون مجلوب مهم لهذه الحركة الجديدة. إن هذه القوى المرموقة لكن المتنوعة لا يمكنها أن تشكل اليوم منظمة سياسية أممية جديدة لكن في وسعها أن تتعزز سياسياً بسيرورة تجربة وتوضيح، وبتدخل قوى ثورية في هذه الجدالات، ولا سيما الأممية الرابعة بالذات.

3) لا تزال إعادات التجمع التعددية اليسارية، والأممية، والمناهضة للرأسمالية/المناهضة للإمبريالية، ضعيفة وغير رسمية، لأنها، في غياب صعود اجتماعي كبير، تجد صعوبة في التخلص من الخمول التاريخي ومن "ثقافتها السياسية" غير الفعالة إطلاقاً للتصدي للطور الجديد من الصراع الطبقي (ضعف اليسار الاشتركي - الديمقراطي، والمأزق البرنامجي والسلوكات الستالينية لدى شتى التيارات المنبثقة من الأحزاب الشيوعية، والعصبوية الوراثية لمعظم المنظمات الثورية). إن حالات التقدم الأولى موجودة قبل كل شيء على مستوى منطقة / قارة: في أميركا اللاتينية، هنالك فوروم ساو باولو الذي تراجعت ديناميته الأصلية، والدور الذي لعبه حزب الشغيلة البرازيلي في المنتدى الاجتماعي العالمي؛ وفي أوروبا، جهد مؤتمرات اليسار الأوروبي المناهض للرأسمالية، واللقاآت في آسيا... . وفي مواجهة الاتحاد الأوروبي، بات منظور تشكيل "حزب" أوروبي معاد للرأسمالية على جدول الأعمال. وحدها المواجهة المباشرة بين الطبقة المسيطرة والبروليتاريا، ووحده صراع الجماهير للدفاع عن شروط عملها وحياتها سيكونان قادرين على تغيير ميزان القوى، وإحداث انغراس اجتماعي وفرز المناضلين ليبنوا، على المستوى الوطني، قوة سياسية جديدة مناهضة للرأسمالية، وأممية، ونسوية ضمن منظور بناء أممية جديدة. لقد خلقت الحركة الحالية ضد العولمة رجاءً، ومرجعية ونقطة ارتكاز مهمة، لكن مثلما هي، لن تشكل القوة المبادرة إلى ذلك. إن الجدالات السياسية والاستراتيجية التي تعكس التمايزات السياسية الموجودة سوف تصبح أكثر فأكثر حضوراً في هذه الحركة وتجعل الطور الجديد أكثر تعقيداً بكثير.

4) هنالك تطور مهم داخل وبين بعض التيارات، المنبثقة من "التروتسكية" أو التي تنسب نفسها إليها. لقد بذلت كل المنظمات، ومن ضمنها الأممية الرابعة، جهداً مهماً لتكون على مستوى الوضع العالمي الجديد، على صعيد التحليل والتوجه والنشاط. ولقد كان للقدرة على الاستجابة له، في الوقت المناسب وضمن شروط جيدة، تأثير في استمرارية كل التيارات. هنالك اليوم تنوع كبير جداً للمجموعات المنبثقة من "التروتسكية" أو التي تنسب نفسها إليها، وبعضها أبقى على منظمة عالمية متماسكة نسبياً، بينما تشظت مجموعات أخرى إلى مجموعات وطنية أو متحدة (في فدراليات). وهذا ينطبق أكثر أيضاً على المنظمات "الماوية" سابقاً. إن توحيد "التروتسكيين" أو الماويين السابقين، باسم برنامج أو سياسة، ملتفتين في اتجاه حقبة منقضية من الحركة العمالية الثورية ومستندين إلى الدفاع عن كشف حساب التنظيم، لا يمكن أن يفيد إطلاقاً في إعادة تجمع، أو حتى في اندماج. إن تقارباً بين منظمات تنسب نفسها إلى الماركسية والثورة الاشتراكية لا يمكن أن يكون له معنى إلا في علاقة مع المعارك، والحركة الفعلية، ومهام الحاضر والمستقبل. إننا نلاحظ أن هنالك هذه التطورات الثلاثة السياسية - التنظيمية من النموذج الأممي متجاورةً:

"الحركة الفعلية" ضد العولمة وتياراتها الاجتماعية - السياسية؛

تلاقي التيارات السياسية المناهضة للرأسمالية والتعددية؛

تيارات اليسار الثوري. وهذا الوضع قد يستمر خلال حقبة بكاملها. انطلاقاً من ذلك، حيث تكون اتفاقات واقترابات ممكنة، سوف نأخذ مبادرات وحدوية للتوصل إلى إعادات تجمع جدية.

 


9- الأممية الرابعة، البارحة، واليوم وغداً

1) لقد نشأت الأممية الرابعة كمقاومة لأكبر هزائم البروليتاريا والحركة العمالية (الفاشية، الستالينية، الحرب العالمية). إن فروعنا، التي كانت تشكل أقليات ضئيلة في الحركة العمالية العالمية، وتضطهدها كل القوى المعادية للثورة (الاشتراكيون - الديمقراطيون، والستالينيون، والدول البرجوازية الفاشية أو الديمقراطية)، لم تنجح في التحول إلى أحزاب حقيقية (ثورية). وعلى الرغم من انخراط طليعي في كل المعارك الثورية واليومية الكبرى، غالباً ما اقتصر عملها على التعليق على الأحداث وعلى الحفاظ على مكتسبات الماركسية الثورية تجاه التزويرات البيروقراطية. وفي السبعينيات، أمكن حالات الصعود الثوري في العالم أن تترك مجالاً للاعتقاد بأنه آن الأوان للقيام باندفاعات في اتجاه أممية جماهيرية. كانت الأممية الرابعة آنذاك تنافس التجمعات الأممية التروتسكية الأخرى (اللامبرتيين، المورينيين، تيار صحيفة "المناضل" "Militant"، تيار "رأسمالية الدولة"/ حزب العمال الاشتراكي SWP) على شرعية التيار "التروتسكي" (كان الأمر مماثلاً داخل الأممية الرابعة مع حزب العمال الاشتراكي الأميركي بمواجهة غالبية الأممية). حتى إذا لم تكن الأممية الرابعة سقطت يوماً في الهذيانات العصبوية للتجمعات الأخرى، إلا أنها كانت تعتبر نفسها الطليعة السياسية الشرعية، النواة التي ستتم حولها إعادة تشكل أممية ثورية.

2) لقد تسبب التبدل الزمني، البادي للعيان في الثمانينيات، وأزمة الأممية الرابعة وسقوط جدار برلين بردة فعل عكسية (retour de balancier) هدَّدت حتى بإعادة النظر بوجودها. إن مقاومتنا للهجوم الرجعي الهائل في الثمانينيات والتسعينيات لم تلجأ إلى تشنج ، والتطفل على الحركة الجماهيرية*عصبوي يتقوقع في الدعاوة الاشتراكية التعزيمية وتأكيد الهوية الذاتية. والمنظمات التي فعلت ذلك لم تتحاش أزمات داخلية خطيرة. لقد دفعت الأممية الرابعة أيضاً الثمن التنظيمي للتراجع العام للحركة العمالية العالمية، لكنها نجحت في اجتيازالفترة الرجعية عبر الحفاظ على وحدتها التنظيمية وتماسكها السياسي، عن طريق:
تطوير ماركسية نقدية وحالية؛

نقاش من دون محرَّمات حول "كشف حساب القرن"؛

نظام داخلي يشجع استمرارية النقاش ومقابلة تحليلات حول الأحداث الكبرى المكونة للوضع العالمي الجديد؛

انغراس وانخراط طليعي في الحركة العمالية والاجتماعية (الوطنية والعالمية)؛
عمل وحدوي منهجي؛

سلوك وحدوي وجذري، ولا سيما بالنضال لأجل إعادة تشكُّل مناهضة للرأسمالية تعددية.

3) يمكن الأممية الرابعة اليوم، كمنظمة، أن تحدد نفسها على الشكل التالي:

كمنظمة عالمية للثوريين على قاعدة طريقة البرنامج الانتقالي والاستراتيجية والتكتيك اللذين يتفرعان منها؛

كل لا مثيل له من المراجع البرنامجية والتجارب السياسية ولا سيما حول مسائل كاضطهاد النساء، واضطهاد المثليين والمثليات، والموضوعات التي لم تبلورها تاريخياً بلورة كافية تيارات ثورية أخرى، مع فروع في عدة بلدان مركَّزة حول حاجات الطبقة العاملة في المنطقة؛

منظمة تحترم استقلال الحركات الجماهيرية وديمقراطيتها، وتمارس ضمنها تعدد الاتجاهات؛

إذاً أداة حية، لكن أيضاً غير مستقرة نظراً لضعف أجزائها، وصعوبة إعادة تشكيل تنسيق وبنية قيادية يمكن أن تتطابق مع هذا الواقع النضالي. إن واقع أنه جرت المحافظة على هذه البنية وأن تكون بلا ريب التجمع العالمي الوحيد من هذا النوع إنما هو ورقة رابحة في الحقبة السياسية الجديدة حيث تنشط أجيال مناضلة جديدة.

4) تكمن مهمتنا الرئيسية كأممية رابعة في المساهمة بإعادة تنظيم واسعة للحركة العمالية والاجتماعية على المستوى العالمي مع منظور هو تشكيل قوة جديدة أممية، تعددية، ثورية، مناضلة ولها تأثير جماهيري. هذا المنظور سيمر حتماً بسيرورة تجارب وتوضيحات سياسية طويلة.

إن ذلك لا يستتبع إطلاقاً إضعاف منظمتنا أو حلها. على العكس، نريد تعزيز وضعنا، لأجل المساهمة إلى أقصى حد في الهدف التالي: بناء قوة جديدة في الوقت الذي نوضح فيه الدروس النظرية الأساسية التي يجب استخلاصها من تجربة ثورات القرن العشرين.

5) في كل هذه الحقبة الانتقالية، سوف نقدم جواباً على ثلاثة مستويات:

في الحركة ضد العولمة كما في الحركة النقابية وحركات اجتماعية أخرى، نناضل لأجل "الجبهة المتحدة" في النضالات والتعبئات، ولخلق الحركات أو تصليبها، في الوقت نفسه الذي نشارك فيه في الجدال البرنامجي والسياسي. إننا نشجع خلق حركات أممية جماهيرية مناهضة للرأسمالية حول أهدافها الخاصة بها.

وعلى المستوى الحزبي، وفقاً للوضع الملموس الإقليمي/القاري، نناضل لأجل عمل مشترك للقوى السياسية المناهضة للرأسمالية التي يمكن أن تتخذ أشكالاً متنوعة.

وعلى صعيد اليسار الثوري، سوف ننخرط في حوار أكثر منهجية وأكثر عمومية عن طريق لقاآت ثنائية، ومشاركات في اجتماعات داخلية وعامة مع تيارات أخرى لديها فهم مشترك للوضع العالمي الحالي وللتوجهات والمهام الكبرى.

6) نلاحظ أمرين اثنين: بدايةً، هنالك مسافة مهمة بين نفوذنا المنتشر داخل الحركات والتعزيز السياسي والتنظيمي لمنظماتنا. هذا النفوذ الإيديولوجي المنتشر أو الشخصي لا ينتقل إلى الحزب إلا بصعوبة. إن نوعية تحليلاتنا، وانخراط المناضلين والتعلل بالمنظور الاشتراكي غير كافية إطلاقاً. ثم إن سيرورة إعادة التسييس الجارية لا تقود تلقائياً إلى الانخراط في حزب (ثوري أو غير ثوري)، حيث أن العائق كبير بوجه خاص وسط الشبيبة. والنتيجة هي أنه على المنظمة الماركسية الثورية أن تكون قادرة على البرهان على أن لديها، منذ اليوم، وظيفة سياسية خاصة ينبغي الاضطلاع بها بخصوص النشاط الجاري، والعمل الجماهيري والحركة. وهذا يتطلب بوجه خاص دعاوة أكثر انتظاماً واستمراراً لأفكارنا، وتحريضاً أكثر تماسكاً، وإرادة جدال سياسي واستراتيجي، ومنظومة تنظيمية معززة كدعامة. باختصار: استقلال سياسي يميزنا ويحدد هويتنا بوضوح في المجتمع، وفي الحركة، وبالنسبة للتيارات الإيديولوجية والسياسية الأخرى في الحركة الاجتماعية.

7) هذا الاستقلال لا يهدف إلى تدشين مسار عصبوي لتشهيرات، وسجالات، أو عمليات "دخولية" تهدف لتحقيق مكاسب في المدى القصير. إنه ينطلق من الفهم التقليدي الخاص بتيارنا الماركسي الثوري، ومن العلاقة بين حركة الجماهير والحزب:

أ) احتراف الاستقلال والديمقراطية الداخلية، وذلك يعني أيضاً فهم الحساسيات وميكانيزمات الاشتغال الخاصة بالحركة، و ب) رفض مفهوم طليعة مستنيرة ومتغطرسة، تتطفل على الحركة أو تُخضعها. هنالك بين مجرد مواكبة هذه الحركة وتأكيد الذات العصبوي - الإيديولوجي المتطفل على الحركة، طريق أخرى تتميز من التيارات الجذرية العصبوية، التي تنتزع، من جهتها، الشبيبة الساعية وراء حلول ثورية قوية والتزام نضالي. لا يمكن جوابنا أن يكون الشيء ذاته.

8) لكن مشكلتنا الرئيسية ليست موجودة، عموماً، على صعيد العصبوية، بل بالأحرى على صعيد سلوك سياسي وتنظيمي يبخس المنظمة الماركسية - الثورية قيمتها أو يخفِّف من شأنها. والتصحيح يتناول ثلاثة أصعدة مجتمعة:

توجهاً، ومظهراً عاماً وسلوكاً سياسياً، مستقلاً للحركة؛

تدخلاً أكثر وضوحاً وأكثر تماسكاً؛

وهذا سوف يتطلب تنسيقاً داخلياً أقوى.

9) نحن بحاجة إلى بنية قيادية معززة قادرة على الاضطلاع بالمهام الموصوفة أعلاه. إن إصلاح الأنظمة، الذي يستند إلى تجربتنا في السنوات الأخيرة، يقدم قاعدة متماسكة، سوف تشجع في آن معاً الجدال المتواصل، والمفتوح والنقدي في الهيئة المركزية، اللجنة الأممية، ومن جهة أخرى، دور المكتب التنفيذي، كمركز نشط لتنسيق الشغل. سيكون على اللجنة الأممية (اللجنة التنفيذية الأممية سابقاً) أن تستمر في لعب دورها كمركز ثقل لجدال متواصل ومتناقض. هذا الجدال حر ولا سيما أن النظام الداخلي ينص على استقلال للفروع الوطنية لم يعد يفرض أي التزام بتبني المواقف التي تتبناها غالبية اللجنة الأممية. وبالأحرى هو مفتوح بفعل حضور اجتماعات اللجنة الأممية من جانب منظمات خارجية تشارك من دون التزام تنظيمي تجاهنا.

ستكون مهمة المكتب التنفيذي الأساسية (بجانب القيادة الجارية على صعيد الإدارة، والمالية، والصحافة، والاتصالات الداخلية والخارجية) بناء صلات معززة مع المنظمات الوطنية وفي ما بينها، ومع كوادر المنظمات. وسيكون ذلك وارداً أيضاً على صعيد الإعداد، والمبادرة، والتنسيق واتخاذ المواقف العامة. ويشكل نمو صحافة الأممية (المجلات، المنشورات الإلكترونية، المواقع الإلكترونية) أولوية.

إن ذلك يستتبع، بالنسبة للمكتب التنفيذي، الاستفادة من العافية التي تتمتع بها أكثر من غيرها عدة فروع وطنية لأجل تعزيز المكتب برفاق يشاركون في قيادات منظمات وطنية (ولا سيما أوروبية، بفضل الجوار الجغرافي). ثم سيكون على المكتب التنفيذي أن يبني أو يعزز دور بنى الشغل، وبعضها على المستوى الأوروبي، وبعضها الآخر عالمي بصورة أكثر وضوحاً (الشغل في المنشآت، شبكات العولمة، النساء، الشباب، الشغل المتعلق بالجمعيات).

بنتيجة تطور البعد الإقليمي/القاري للرأسمالية المعولمة، ينبغي تصور بنى شغل وفقاً للشروط الملموسة (أوروبا، أميركا اللاتينية، آسيا). وبسبب تطور الاتحاد الأوروبي كبنية دولانية، تتمثل مهمة أوروبية بشكل خاص بالتوصل لإرساء قيادة أوروبية فعلية قادرة على الرد على الضرورات المتعددة التي يفرضها إطار الاتحاد الأوروبي، عبر تنمية وزن الهيئات الحالية ووتيرتها (المكاتب السياسية الأوروبية، الأمانة الأوروبية). وهذه البنى جميعها ينبغي أن تلعب في الوقت عينه دوراً متعلقاً بالتنسيق، والمبادرة، والبلورة السياسية الجماعية أيضاً بخصوص قضايا العالم الراهن المتعددة. ينبغي أن تسمح أيضاً بتطوير منظمات وطنية وبنائها وبتعزيز الروابط بين قياداتها. إن اللجنة النسائية سوف تؤمِّن بوجه خاص:

تغطية نسوية ونشر مقالات تكتبها نساء في صحافتنا الأممية؛

تكويناً نسوياً في إطار المدرسة الأممية؛

مساعدة للفروع ترمي إلى إدخال سياسة عمل إيجابية؛

تعاوناً وثيقاً، بهدف دمج المنظور النسوي في عملنا لأجل عولمة أخرى والهجرة/ مناهضة العنصرية، مع البنى المناسبة.