الفصل الخامس |
|||
يستنتج من يود كتابة تاريخ الاتحاد السوفياتي أن سياسة البيروقراطية الحاكمة كانت تقف مواقف متناقضة في المسائل الكبيرة، وقامت بسلسلة من التعرجات. وتبرير هذه التعرجات أو تفسيرها "بتغير الظروف" أمر غير مقبول. إن الحكم يتطلب حسن التوقع، والتكتل الستاليني لم يتوقع أبدا النتائج الحتمية للتطور التي أنهكته مرارا. لقد رد بارتكاسات إدارية، واضعا بعد فوات الأوان النظرية التي تحكم انعطافاته، دون الاهتمام بما كان يعلـِّمه البارحة. إن الوقائع والوثائق الدامغة سوف تجبر كذلك المؤرخ على الاستنتاج أن المعارضة اليسارية قدمت تحليلا أصح مئات المرات عن التطورات الجارية في البلاد، وتوقعت بشكل أفضل بكثير مجراها اللاحق. ويبدو هذا التأكيد للوهلة الأولى متناقضا مع الحقيقة الماثلة في انتصار أقل أجنحة الحزب قدرة على التوقع، وانتقال أكثر الأجنحة فطنة من فشل إلى آخر. هذا الاعتراض الذي يتبادر إلى الذهن غير مقنع إلا بالنسبة لمن يطبق الفكر العقلاني على السياسة فلا يرى فيها سوى جدل منطقي أو لعبة شطرنج. والحال أن الصراع السياسي هو في الحقيقة صراع مصالح وقوى لا صراع حجج. ولا يمكن تجاهل ميزات الزعماء في نتيجة المعركة، ولكنها ليست العامل الوحيد أو الحاسم، فكل من المعسكرات المعادية يتطلب زعماء على صورته ومثاله. لقد حملت ثورة فبراير إلى الحكم كيرنسكي وتسيريتيلي وليس ذلك لأنهما "أذكى" أو "أحذق" من الجماعة القيصرية الحاكمة، بل لتمثيلهما مؤقتا على الأقل الجماهير الثائرة ضد النظام القديم. وإذا كان تمكن كيرنسكي من دفع لينين إلى العمل السري، وألقي بزعماء بلاشفة آخرين في السجون، فلم يكن ذلك بفضل صفاته الشخصية وتفوقه عليهم بل لأن غالبية العمال والجنود كانت ما تزال تسير آنذاك خلف البرجوازية الوطنية الصغيرة. لقد كانت "ميزة" كيرنسكي في أنه لم يكن يرى أبعد مما تراه الأغلبية. ثم انتصر البلاشفة على الديمقراطية البرجوازية الصغيرة لا بفضل عظمة زعمائهم بل بفضل تجميع القوى تمكنت البروليتاريا خلاله من جر الفلاحين المتذمرين وراءها إبان المعركة ضد البرجوازية. ويظهر تسلسل مراحل الثورة الفرنسية الكبرى في صعودها وانحدارها أن قوة "الزعماء والأبطال" كانت تتجسد في انسجامهم مع طبيعة الطبقات والشرائح الاجتماعية التي تدعمهم، حيث سمح هذا التوافق وحده لكل منهم أن يطبع بشخصيته مرحلة تاريخية معينة. وفي تسلسل وصول ميرابو وبريسو وروبسبيير وباراس وبونابرت إلى السلطة شرعية موضوعية أقوى من المميزات الشخصية لهؤلاء الأشخاص التاريخيين أنفسهم. إننا نعرف أن الثورات تثير بعدها ردود فعل وثورات مضادة تسلب الوطن الكثير من مكاسبه، ولكنها لا تنجح في إعادته إلى نقطة انطلاقه الأولى. كما أننا نعرف أن الرواد الأوائل والمعلمين والزعماء الذين كانوا على رأس الجماهير في المراحل الأولى هم ضحايا أول موجة رد فعل بينما نرى كيف يتقدم إلى الصف الأول رجال من الصف الثاني متحدين مع من كانوا في العشية أعداء الثورة. وتخفي المبارزات الدرامية للأدوار الكبيرة الأولى على المسرح السياسي انزلاقات في العلاقات بين الطبقات وتبدلات عميقة في نفسية الجماهير التي كانت بالأمس ثائرة. ردا على عدد كبير من الرفاق كانوا يتساءلون باستغراب عما حل بنشاط الحزب البلشفي والطبقة العاملة وببداهتهما الثورية وكبريائهما الشعبي، تلك الصفات التي حل محلها ما نراه اليوم من دناءة وجبن وتردد ووصولية، استرجع راكوفسكي تقلبات الثورة الفرنسية التي قامت في القرن الثامن عشر وذكر كيف خرج بابوف من سجن لابيي فتساءل مندهشا عما حل بالشعب البطل في ضواحي باريس ؟ إن الثورة مفترس كبير للطاقات الفردية والجماعية. والأعصاب تتعب فيها ويتراخى الضمير وتنفلّ الطباع. وتجري الحوادث بسرعة بحيث يعجز تدفق القوى الجديدة عن تعويض الخسائر. لقد تأثرت ضواحي باريس بالمجاعة، والبطالة، وخسارة الكادرات الثورية، وإبعاد الجماهير عن المراكز الحساسة، بحيث أصيبت بفقر دم معنوي ومادي لدرجة أنها احتاجت إلى أكثر من 30 سنة حتى تقف على قدميها من جديد. أما التأكيد البديهي من جانب الصحافة السوفياتية الذي يرى أن قوانين الثورة البرجوازية "لا تنطبق" على الثورة البروليتارية فلا أساس علمي لها. إن الطابع البروليتاري لثورة أوكتوبر نتج عن الوضع العالمي وعن توازن القوى في الداخل. إلا أن الطبقات بالذات تشكلت في روسيا في أحضان الهمجية القيصرية والرأسمالية المتخلفة دون أن تكون معدة لمتطلبات الثورة الاشتراكية. لا بل إن العكس هو الصحيح. فلأن البروليتاريا الروسية، المتخلفة في العديد من النواحي، حققت في أشهر قليلة قفزة لا مثيل لها في التاريخ، من ملكية نصف إقطاعية إلى الديكتاتورية الاشتراكية، كان لا بد أن تنشط الرجعية حتما في صفوف البروليتاريا نفسها. وتزايد ذلك خلال الحروب التي تلت، وغذته الظروف الخارجية والحوادث بلا انقطاع. لقد جاء التدخل الأجنبي عقب التدخل، ولم تقدم البلاد الغربية المساعدة المباشرة، وانتظرت البلاد السعادة فحل مكانها البؤس أمدا طويلا. وتوفـِّي كبار ممثلي الطبقة العاملة في الحرب الأهلية، وانفصل الباقون عن الجماهير نظرا لارتفاع مستواهم المادي بضع درجات. وبعد فترة توتر كبير للقوى والآمال والأوهام جاءت فترة طويلة من التعب والانهيار وخيبة الأمل. وانحسر "الكبرياء الشعبي" ليتلوه مد من الأصولية والجبانة. وحمل المد والجزر إلى السلطة شريحة جديدة من القادة. لقد لعب تسريح الجيش الأحمر المؤلف من خمسة ملايين رجل دورا كبيرا في تشكيل البيروقراطية، إذ احتل القادة المنتصرون مراكز هامة في السوفياتات المحلية والإنتاج والتعليم، وحملوا معهم إلى كل مكان النظام الذي حقق لهم النصر في الحرب الأهلية، ووجدت الجماهير نفسها في كل مكان مبعدة شيئا فشيئا عن الاشتراك الفعلي في السلطة. وجاء رد الفعل في أوساط البروليتاريا لينعش الآمال والثقة بشكل غير اعتيادي لدى البرجوازية الصغيرة في المدن والريف التي دعتها السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب)، إلى حياة جديدة، فتزايدت هكذا جرأتها، وأصبحت البيروقراطية التي تشكلت بالأساس لخدمة البروليتاريا حكما بين الطبقات، فتحررت بذلك شهرا بعد آخر من كل رقابة. وأثر الوضع العالمي بشدة ضمن الاتجاه ذاته. وكانت البيروقراطية السوفياتية تكسب ثقة إضافية كلما تلقت الطبقة العاملة العالمية هزائم قاسية جديدة. ليست العلاقة بين هاتين الحقيقتين علاقة تسلسل زمني وحسب، بل هي علاقة سببية ومتبادلة: لقد ساهمت الإدارة البيروقراطية للحركة في الهزائم، وجاءت الهزائم لتقوي البيروقراطية. إن فشل الثورة البلغارية، وتقهقر العمال الألمان المذل في عام 1923، وفشل محاولة للثورة في استونيا عام 1924، والتصفية المنافقة للإضراب العام في انجلترا، وتصرف الشيوعيين المخزي خلال انقلاب بيلسودسكي في بولونيا عام 1926، والهزيمة المنكرة للثورة الصينية في عام 1927، والهزائم الأكثر خطرا التي تلت ذلك في ألمانيا والنمسا، تلك هي الكوارث التاريخية التي دمرت ثقة الجماهير بالثورة العالمية وسمحت للبيروقراطية السوفياتية بأن تتألق باستمرار كمنارة تحدد طريق الخلاص. والكاتب مضطر الآن للرجوع إلى مؤلفاته السابقة التي حاول أن يبرز فيها الدور المشؤوم الذي لعبه في الحركة الثورية للبلدان جميعا قادة الكرملين المحافظون، وذلك لتحديد أسباب الهزائم التي لحقت بالبروليتاريا العالمية إبان السنوات الثلاث عشرة الأخيرة. والمهم هنا هو أن الهزائم التي منيت بها الثورة في أوروبا وآسيا في حين كانت تضعف موقف الاتحاد السوفياتي عالميا كانت تثبـِّت في الوقت نفسه دعائم البيروقراطية السوفياتية. ويبرز في هذا النطاق هذا التسلسل التاريخي تاريخان مهمان: ففي النصف الثاني من عام 1923 تركز انتباه العمال السوفيات بشغف على ألمانيا حيث كان يبدو أن البروليتاريا تمد يدها نحو السلطة. لقد جاء التراجع المريع للحزب الشيوعي الألماني يثير لدى الجماهير العمالية في الاتحاد السوفياتي خيبة أمل مريرة، وقد أعلنت البيروقراطية السوفياتية آنذاك الحرب فورا ضد "الثورة الدائمة" وكبدت المعارضة اليسارية هزيمتها القاسية الأولى. وفي عامي 1926–1927 تجددت الآمال في نفوس الشعب السوفياتي واتجهت الأنظار هذه المرة نحو الشرق، حيث كانت تدور أحداث الثورة الصينية. واستعادت المعارضة اليسارية قواها بعد الفشل وكسبت مناضلين جددا. إلا أنه لم تأت نهاية عام 1927 حتى كان الجلاد تشان كاي شك ينسف الثورة الصينية بعد أن سلمه قادة الأممية الشيوعية مصائر العمال والفلاحين الصينيين. ومرت موجة خيبة أمل باردة فوق جماهير الاتحاد السوفياتي. وقامت معركة محمومة في الصحف والاجتماعات قررت البيروقراطية بعدها القيام بعمليات تنكيل واسعة النطاق بين صفوف المعارضة (1928). لقد تجمع عشرات الألوف من المناضلين الثوريين تحت علم البلاشفة–اللينينيين، ونظر العمال إلى المعارضة بود أكيد، ولكنه ود سلبي لاعتقاد الجميع بعدم جدوى الصراع لتغيير الوضع. والحالة هذه، كانت البيروقراطية تؤكد ما يلي: "إن المعارضة تستعد لتلقي بنا في أتون حرب ثورية لمصلحة الثورة العالمية. لقد شاهدنا من التقلبات ما فيه الكفاية ! وعلينا أن نرتاح قليلا، لنبني المجتمع الاشتراكي في بلادنا فثقوا بنا نحن رؤساءكم !". وجمعت الدعوة للراحة كتلة الموظفين مع كتلة العسكريين ووجدت بلا شك بعض الصدى بين العمال المتعبين، وفي صفوف جماهير الفلاحين على وجه الخصوص. وتساءل البعض: أفلا تقوم المعارضة بتضحية مصالح الاتحاد السوفياتي على مذبح 'الثورة الدائمة' ؟ في الواقع إن مصالح الاتحاد السوفياتي الحيوية هي التي كانت في خطر، إذ سببت سياسة الأممية الشيوعية الخاطئة خلال 10 سنوات انتصار هتلر في ألمانيا وهذا يعني خطرا محدقا لنشوب الحرب في الغرب. كما أدت السياسة الخاطئة إلى تقوية الإمبريالية اليابانية واقتراب الخطر في الشرق. وليس هذا غريبا ففترات المد الرجعي تتصف غالبا بالجبانة الفكرية. ووجدت المعارضة نفسها منعزلة، فاستغلت البيروقراطية الفرصة لتطرق الحديد حاميا، وتستفيد من ضياع وسلبية العمال ومسلطة الجهلاء منهم على الواعين، متعمدة دائما على الكولاك، وعموما على البرجوازيين الصغار وقد نجحت البيروقراطية في الانتصار خلال سنوات على الطليعة الثورية العمالية. ومن الخطأ أن نعتقد أن ستالين الذي كانت تجهله الجماهير ظهر فجأة من خلف الكواليس مسلحا بمخطط استراتيجي جاهز. كلا، لقد اختارته البيروقراطية قبل أن يرى طريقه. كان يقدم لها كل الضمانات المطلوبة: هيبة بلشفي قديم، وشخصية صلبة، وأفقا ضيقا، وصلة لا تنقطع مع المكاتب التي تشكل مصدر تأثيره الوحيد. وفوجئ ستالين في بادئ الأمر بنجاحه. لقد حصل على التأييد المطلق لشريحة جديدة من الحكم تريد التخلص من المبادئ القديمة ومراقبة الجماهير، وتحتاج إلى حكم مضمون في قضاياها الداخلية. إن ستالين، الذي كان وجها من الصف الثاني في الثورة وفي نظر الجماهير، بدا قائدا بلا منازع للبيروقراطية التيرميدورية والأول بين التيرميدوريين (1). وظهر بعد ذلك أن للشريحة الحاكمة الجديدة آراءها ومشاعرها ومصالحها. وأغلب البيروقراطيين من الجيل الحاضر كانوا خلال ثورة أوكتوبر في الخندق الأخر. (ونكتفي لإثبات ذلك بالتكلم على الديبلوماسيين السوفيات مثل السادة ترويانوفسكي – مايسكي – بوتامكين – سوريتس – خينتشوك – وآخرين) – أو كانوا في أفضل الحالات خارج الصراع. أما البيروقراطيون الحاليون الذين كانوا أيام أوكتوبر مع البلاشفة فأغلبهم ممن لعبوا دورا صغيرا غير هام. وإذا نظرنا إلى البيروقراطيين الشباب لوجدنا أنهم تتلمذوا على يدي البيروقراطيين القدامى الذين اختاروهم بأنفسهم، أو أنهم يمتون إليهم بصلات القرابة. ولم يكن هؤلاء الرجال ليصنعوا ثورة أوكتوبر، ولكنهم وجدوا أنفسهم في أفضل المواقع لاستغلالها. وأثرت العوامل الشخصية حتما في تسلسل هذه الفصول التاريخية. ولا شك أن مرض لينين ووفاته سرّعا الخاتمة. ولو عاش لينين مدة أطول لكان تقدم البيروقراطية أبطأ وخاصة في السنوات الأولى. إلا أن كروبسكايا قالت عام 1926 لأنصار المعارضة اليسارية: "لو كان لينين اليوم حيا لكان حتما في السجن". لقد كانت توقعات لينين ومخاوفه ما تزال حية في ذاكرتها، ولم تكن لديها أوهام حول قدرته على مواجهة الرياح والتيارات المعاكسة للتاريخ. إن البيروقراطية لم تنتصر على المعارضة اليسارية فحسب، ولكنها انتصرت على الحزب البلشفي، وعلى برنامج لينين الذي كان يرى الخطر الرئيسي في انقلاب أجهزة الدولة "من خدام للمجتمع إلى سادته". لقد انتصرت على كل أعدائها (المعارضة، حزب لينين) ، لا بالحجج والأفكار، بل بسحقهم تحت وزنها الاجتماعي. ولقد وجدت المقطورة الخلفية المرصصة نفسها أثقل وزنا من رأس الثورة. هذه هي تفسيرات التيرميدور السوفياتي.
لقد أعد الحزب البلشفي انتصار ثورة أوكتوبر وفاز به. بنى الدولة السوفياتية على هيكل متين. أما انحطاط الحزب فكان سببا لتبقرط الدولة ونتيجة له. يهمنا هنا أن نبين باختصار كيف تم ذلك. يتصف النظام الداخلي للحزب البلشفي بالمركزية الديمقراطية، وليس في اتحاد هاتين الموضوعتين، أي تناقض. لقد كان الحزب يحدد أبعاده بدقة، ولكنه يعتبر أن كل من يتجاوز الحدود إلى داخله يملك الحق في توجيه سياسته، وكان النقاش الفكري وحرية النقد يشكلان محتوى ديمقراطية الحزب. أما العقيدة الحالية، التي تدعم إمكانية توافق البلشفية مع وجود الأجنحة، فهي تخالف الوقائع. وتاريخ البلشفية في الحقيقة، عبارة عن صراع الأجنحة. وكيف يمكن لتنظيم ثوري حقيقي يهدف إلى قلب نظام العالم، ويجمع تحت لوائه الرافضين والثائرين، والمقاتلين الشجعان، أن يعيش وينمو هادئا، دون نزاعات فكرية، أو تجمعات، أو أجنحة مؤقتة ؟ لقد نجحت قيادة الحزب غالبا، بالنظر لبعد رؤيتها، في تخفيف الصراعات التكتلية واختصارها، ولكنها لم تفعل أكثر من ذلك. كانت اللجنة المركزية تستند إلى هذه القاعدة الفوارة وتستمد منها الجرأة في التنظيم واتخاذ القرار، وأعطتها نظرتها الصائبة في كل المراحل الحرجة سلطة كبيرة شكلت رأس مال معنويا ثمينا للمركزة. إن نظام الحزب البلشفي، قبل الاستيلاء على السلطة، متعارض كليا مع نظام الأممية الشيوعية الحالية، "برؤسائها" المعينين بصورة متسلسلة، وانعطافاتها المنفذة حسب الطلب، ومكاتبها البعيدة عن الخضوع للمراقبة، واحتقارها للقاعدة، وخضوعها للكرملين. ولو تجرأ أحد الأشخاص في السنوات الأولى التي تلت الاستيلاء على السلطة، حين بدأ الصدأ البيروقراطي يغطي الحزب، ورسم صورة الحزب بالشكل الذي وصل إليه بعد 10–15 سنة، لاعتبره ستالين وأي بلشفي آخر متخرصا حقيرا. كان اهتمام لينين ومعاونيه منصبا دائما على حفظ صفوف الحزب البلشفي من أخطاء السلطة. إلا أن الاتصال الوثيق بين الحزب والدولة واندماجه بأجهزتها في بعض الأحيان سبب منذ السنوات الأولى أضرارا أكيدة لحرية النظام الداخلي للحزب ومرانته. وتضاءلت الديمقراطية مع تزايد الصعوبات. وقد أراد الحزب في البدء أن يحافظ على حرية الصراعات السياسية في إطار السوفياتات. إلا أن الحرب الأهلية وجهت لهذه الرغبة ضربة صارمة، فألغيت أحزاب المعارضة الواحد بعد الأخر. ورأى زعماء البلاشفة في هذه التدابير المتعارضة مع فكرة الديمقراطية السوفياتية ضرورة من الضرورات المؤقتة اللازمة للدفاع، لا قرارات مبدئية. وأدت زيادة عدد أعضاء الحزب الحاكم السريعة، في مواجهة جدة المهمات واتساعها، إلى بروز اختلافات فكرية لا يمكن تلافيها. ومارست تيارات المعارضة ضغوطها على عمل الحزب الشرعي الوحيد بأساليب مختلفة، وسببت زيادة في حدة الصراع بين الأجنحة. وأخذ الصراع في نهاية الحرب الأهلية شكلا عنيفا، لدرجة كادت تهز السلطة كلها. وفي آذار / مارس 1921 عندما قامت انتفاضة كرونشتادت التي تجاوب معها عدد لا باس به من البلاشفة، اضطر المؤتمر العاشر للحزب إلى إلغاء الأجنحة، وهذا يعني سحب نظام الدولة السياسي على الحياة الداخلية للحزب الحاكم. وكان إلغاء الأجنحة مجرد تدبير استثنائي ينتظر إلغاءه عند أول تحسن جدي للموقف، وبدت اللجنة المركزية حذرة جدا في تنفيذ هذا القانون الجديد حتى لا تصاب الحياة الداخلية للحزب بالاختناق. ولكن القيادة البيروقراطية وجدت التدبير الاستثنائي، الذي اعتبر في البدء ضريبة ينبغي دفعها تحت ضغط ظروف قاسية، ملائما لذوقها، فهي بدأت تنظر إلى حياة الحزب الداخلية من زاوية راحة الحكام وحسب. وفي عام 1922، بعد أن تحسنت صحة لينين مؤقتا، ارتعب من تزايد خطر البيروقراطية، وجهز هجوما على جناح ستالين الذي امسك جيدا بدفة جهاز الحزب، قبيل استيلائه على جهاز الدولة. ولكن مرض لينين وموته، لم يسمحا له بامتحان قواه في مواجهة قوى الردة. وتركزت جهود ستالين، منذ ذلك التاريخ على تحرير جهاز الحزب من مراقبة الأعضاء، وسايره في ذلك زينوفييف وكامينيف. وفي الصراع من أجل تامين "استقرار" اللجنة المركزية، كان ستالين أكثر مثابرة وحزما من حلفائه. لم يكن عليه أن يشيح بوجهه عن المشكلات الأممية التي لم يهتم بها في يوم من الأيام. وكانت الذهنية البرجوازية الصغيرة للشريحة الجديدة الحاكمة متلائمة مع ذهنيته، فهو يؤمن بأن بناء الاشتراكية عمل قومي وإداري، ويعتبر الأممية الشيوعية شرا لا بد منه، عليه الاستفادة منه قدر الإمكان لأغراض تتصل بالسياسة الخارجية، ولم يقم أي وزن للحزب إلا كقاعدة منقادة للدواوين. لقد صيغت إلى جانب نظرية "الاشتراكية في بلد واحد" نظرية أخرى لحساب البيروقراطية، تعتبر اللجنة المركزية كل شيء بالنسبة للبلاشفة، بينما الحزب لا شيء. وقد حظيت النظرية الثانية بنجاح أكثر من الأولى. وما إن توفي لينين حتى بدأت البيروقراطية حملة تجميع أعضاء تحت اسم "دورة لينين"، وفتحت أبواب الحزب المحروسة جيدا حتى ذلك الحين على مصراعيها، ودخل منها العمال والمستخدمون والموظفون بأعداد كبيرة. وكان الهدف السياسي من وراء ذلك ذوبان الطلائع الثورية داخل كتل بشرية محرومة من التجربة ومعدومة الشخصية، لكن معتادة بالمقابل على إطاعة الرؤساء. ونجح المخطط. فبتحرر البيروقراطية من مراقبة الطليعة البروليتارية، وجهت "دورة لينين" طعنة قاتلة لحزب لينين. وحصلت الدواوين على الاستقلال الذي تريده، وحلت المركزية البيروقراطية محل المركزية الديمقراطية. أجريت تعديلات جذرية كبيرة على أجهزة الحزب، وأصبحت الطاعة العمياء أحسن ميزة يتمتع بها البلشفي. وباسم الصراع ضد المعارضة استبدل الثوريون بموظفين محترفين ودخل تاريخ الحزب البلشفي في مرحلة انحدار سريع. بقي المعنى السياسي لهذا الصراع غامضا على الكثيرين نظرا لأن زعماء الاتجاهات الثلاثة اليمين والوسط واليسار كانوا ينتمون لهيئة أركان واحدة هي قيادة الكرملين التي تشكل المكتب السياسي، وكان أصحاب الأفكار السطحية يعتقدون أن هناك صراعا شخصيا وسباقا على "خلافة" لينين؛ والحقيقة أن الديكتاتورية الحديدية كانت تخفي الصراعات الاجتماعية في البداية فلا تبدو إلا من خلال أجهزة الحزب الحاكم. إن كثيرا من التيرميدوريين ظهروا في الماضي من الحزب اليعقوبي الذي بدأ بونابرت حياته عضوا فيه. بين اليعاقبة القدامى بالذات وجد القنصل الأول، وإمبراطور فرنسا فيما بعد، أخلص خدامه. فالأيام تتغير واليعاقبة يتبدلون، بما فيهم يعاقبة القرن العشرين. لم يبق اليوم من المكتب السياسي الذي كان في عهد لينين سوى ستالين. لقد حكم على زينوفييف وكامنيف أقرب مساعدي لينين خلال فترة الهجرة الطويلة بالسجن عشر سنوات لجريمة لم يرتكباها. وعزل ريكوف وبوخارين وتومسكي عن السلطة ونالوا وظائف صغيرة مكافأة لهم على سلبيتهم واستسلامهم. وكاتب هذه السطور مطرود من البلاد. وأرملة لينين، كروبسكايا، محاطة بالشكوك لأنها لم تعرف كيف تتلاءم مع التيرميدوريين رغم محاولاتها بهذا الصدد. أما أعضاء المكتب السياسي الحاليين، فقد احتلوا في تاريخ الحزب البلشفي مراكز ثانوية، ولو تنبأ أي امرئ بصعودهم في السنوات الأولى للثورة لكانت نبوءته موضع دهشتهم واستغرابهم هم بالذات. وأصبحت القاعدة أن المكتب السياسي دائما على حق ولا يمكن لإنسان أن يكون محقا في عدائه له. إلا أن المكتب السياسي لا يمكن أن يكون على حق في مواجهة ستالين، الذي لكونه لا يخطئ لا يمكن أن يكون على حق ضد نفسه. لقد كانت المطالبة بعودة الحزب إلى الديمقراطية أكثر مطالب مختلف تجمعات المعارضة إلحاحا في الماضي واقلها أملا. لقد اشترط برنامج المعارضة اليسارية في عام 1927 إضافة مادة إلى قانون العقوبات تقضي "باعتبار الاضطهاد المباشر أو غير المباشر لأحد العمال، بسبب انتقاداته، جريمة خطيرة ضد أمن الدولة.." وها نحن نجد اليوم في قانون العقوبات مادة تطبق ضد المعارضة. ولم يبق من ديمقراطية الحزب سوى ذكريات باهتة في مخيلة الجيل القديم. وزالت مع ديمقراطية الحزب ديمقراطية السوفياتات والنقابات والتعاونيات والتنظيمات الرياضية والثقافية. وسيطر نظام السكرتيريين في كل مكان وعلى كل إنسان. وأخذ النظام شكل الحكم المطلق قبل أن يسود في ألمانيا بعدة سنوات. لقد كتب راكوفسكي في عام 1928: "استطاعت الجماعة الحاكمة أن تغدو اوليغارشية لا تتزحزح ولا يمكن قلبها، وأن تحل محل الطبقة والحزب، وذلك بفضل أساليب تحطم المعنويات وتقلب الشيوعيين المفكرين إلى آلات، وتقتل الإرادة والشخصية والكرامة الإنسانية". لقد حقق الانحطاط المشار إليه تقدما خطيرا منذ أن كتبت هذه السطور الناقمة، وأصبح البوليس السياسي عاملا حاسما في حياة الحزب الداخلية. وإذا كان استطاع مولوتوف في آذار / مارس 1936 أن يهنئ نفسه أمام أحد الصحفيين الفرنسيين، بأن الحزب الحاكم لم يعد يعرف الصراع الداخلي، فهذا عائد إلى أن الخلافات في وجهات النظر أصبحت تسوّى ميكانيكيا بتدخل البوليس السياسي. إن الحزب البلشفي قد مات ولا يمكن لأية قوة أن تعيد له الحياة. ومع تزايد الانحراف السياسي للحزب تفاقم الفساد في بيروقراطية لا تخضع لأية مراقبة. ودخلت كلمة "سوفبور" أي برجوازي سوفياتي في أحاديث العمال للدلالة على امتيازات الموظفين الكبار. ووجدت التطلعات البرجوازية في ظل السياسة الاقتصادية الجديدة مجالا أفضل. لقد حذر لينين أعضاء المؤتمر الحادي عشر للحزب في آذار / مارس 1923 من فساد الأوساط الحاكمة. ويعرف التاريخ أمثلة عديدة تبنـَّى المنتصر فيها حضارة المهزوم، عندما تكون هذه الحضارة أسمى من حضارته. إن ثقافة البرجوازية والبيروقراطية الروسيتين كانت تافهة بلا ريب، ولكن ثقافة الشرائع الحاكمة الجديدة لا تزال دونها مستوى. "إن 4600 شيوعي مسؤول يديرون جهاز الحكومة في موسكو، فمن هو الراعي، ومن هي الراعية ؟ إنني أشك في أن الشيوعيين هم الحكام الحقيقيون..." ، ولم تتح الفرصة للينين كي يتكلم بعد ذلك في مؤتمر الحزب، ولكن كل أفكاره خلال الأشهر الأخيرة من حياته كانت منصبة على ضرورة حماية وتسليح العمال ضد الضغط والاعتباط والفساد البيروقراطي، مع أنه لم يقيض له أن يلاحظ سوى بعض معالم الخطر الأولى. حينما وجد كريستيان راكوفسكي نفسه في المنفى، بعد أن كان رئيس لجنة مفوضي الشعب الأوكراني، ثم سفير السوفيات في لندن وباريس، أرسل عام 1928 إلى أحد أصدقائه دراسة قصيرة عن البيروقراطية استعرنا منها بعض الأسطر أعلاه، لأنها أحسن ما كتب إلى الآن بهذا الصدد. كتب راكوفسكي: "كان هدف زعامة الحزب، برأي لينين وبرأينا جميعا، صيانة الحزب والطبقة العاملة من التأثير السيئ الذي تحمله الامتيازات والمكاسب والحظوات التي تتمتع بها السلطة، وحمايتهما من الاقتراب من بقايا طبقة النبلاء القديمة، والبرجوازية الصغيرة البائدة، وتأثير السياسة الاقتصادية الجديدة الضار، وإغراءات العادات البرجوازية وإيديولوجيتها. يجب أن نجهر بكل صراحة ووضوح أن مكاتب الحزب لم تستطع تنفيذ هذه المهمة، وأنها أثبتت عجزها التام عن القيام بدورها المضاعف في الحماية والتثقيف. وهكذا أعلنت إفلاسها وخانت مهمتها وواجبها...". صحيح أن راكوفسكي أنكر انتقاداته بعد ذلك تحت تأثير القمع البيروقراطي. مثلما اضطر غاليليه وهو في السبعين من عمره إلى إنكار كروية الأرض تحت ضغط محاكم التفتيش المقدسة دون أن يمنع ذلك الأرض من الدوران. نحن لا نؤمن بإنكار راكوفسكي لما كتبه وهو في الستين من عمره، خاصة وأنه كان يهاجم بلا هوادة عمليات النكران المشابهة. ولكن انتقاده السياسي وجد في الوقائع العملية قاعدة أصلب من صلابة كاتبه الذاتية. إن عملية الاستيلاء على السلطة لا تغير موقف البروليتاريا تجاه الطبقات الأخرى فقط، ولكنها تغير كذلك في الوقت نفسه تركيب البروليتاريا الداخلي وتصبح ممارسة السلطة مقصورة على مجموعة اجتماعية معينة تحاول دائبة حل "قضيتها" الاجتماعية الخاصة بها، بمقدار ما ترى جسامة مهمتها. لقد كتب راكوفسكي: "إن نظرنا إلى الدولة العمالية التي لا يُسمح فيها لأعضاء الحزب الحاكم بالقيام بتراكم رأسمالي وجدنا أن التمايز يكون في بادئ الأمر وظيفيا ثم يصبح اجتماعيا، وأنا لا أقول تمايزا طبقيا بل اجتماعيا". ويشرح راكوفسكي فكرته: "إن الحالة الاجتماعية للشيوعي الذي يملك سيارة ومنزلا جميلا ويتمتع بعطلات منتظمة ويتلقى أعلى مرتب يحدده الحزب تختلف عن حالة الشيوعي الذي يعمل في المناجم ويكسب حوالي 50–60 روبلا في الشهر". وفيما يحدد أسباب انحطاط اليعاقبة بعد الاستيلاء على السلطة بالثراء وتموينات الدولة... الخ، يذكر ملاحظة طريفة لبابوف عن الدور الذي تلعبه في هذا المجال نساء الطبقة الارستقراطية اللواتي كن يثرن الكثير من اهتمام اليعاقبة ويهتف بابوف متعجبا: "ماذا تفعلون أيها العاميُّون الجبناء ؟ إنهن يقبلنكم اليوم وسيذبحنكم غدا". وتعطي إحصائيات زوجات المسؤولين في الاتحاد السوفياتي صورة مشابهة. ولقد حدد الصحفي السوفياتي المشهور سوسنوفسكي دور "السيارة–الحريم" في تشكيل البيروقراطية. صحيح أن سوسنوفسكي قد أعلن ندمه وعاد من سيبيريا، إلا أن عادات البيروقراطية لم تتبدل بل على العكس، يدل اعتذار سوسنوفسكي على مدى التقدم الذي أحرزه الانهيار الأخلاقي. وتحوي مقالات سوسنوفسكي القديمة التي كانت تنتقل في الماضي من شخص إلى آخر على شكل وريقات منسوخة بخط اليد، على فقرات حية من حياة الحكام الجدد تدل على أية درجة تشرّب المنتصرون عادات المهزومين. وحتى لا نعود إلى السنوات القديمة – ما دام سوسنوفسكي قد استبدل سوطه نهائيا بقيثارة عام 1934 – لنكتف الآن بأمثلة قريبة مأخوذة من الصحافة السوفياتية، ولنختر الأشياء العادية المعروفة رسميا من قبل الرأي العام، متغاضين عن "التجاوزات" المثيرة. يتباهى مدير شيوعي معروف في مصنع من مصانع موسكو على صفحات البرافدا بالتطور الثقافي في مصنعه فيقول: "لقد اتصل بي عامل الهاتف سائلا: "هل تسمحون لي بإيقاف الفرن أم أن عليّ أن أنتظر" فرددت عليه: "انتظر لحظة...". إن عامل الهاتف يخاطبه بصيغة الجمع بكل احترام وهو يرد عليه بصيغة المفرد، هذا الحوار المخجل والمستحيل في بلد رأسمالي متمدن، ينقله المدير بلا غضاضة كأنه حديث عادي ! فلا تعترض هيئة التحرير ولا يحتج القراء، فقد اعتادوا على ذلك. ولا نعجبن نحن ففي جلسات الكرملين الرسمية يخاطب مفوضو الشعب و"الرؤساء" بصيغة المفرد مرؤوسيهم من مدراء مصانع ورؤساء كولخوزات ومراقبين وعمال مدعوين لاستلام الأوسمة. علما بأن أحد الشعارات الثورية الأكثر شعبية في النظام القديم كان يتطلب إلغاء مخاطبة الرؤساء للمرؤوسين بصيغة المفرد (2). وتثبت أحاديث المسؤولين في الكرملين المتعالية مع "الشعب" أنه رغم ثورة أوكتوبر وتأميم وسائل الإنتاج، والتجميع، وتصفية الكولاك كطبقة، فإن العلاقات بين الناس في قمة الهرم السوفياتي بعيدة عن الارتفاع إلى مستوى الاشتراكية، ولم تصل في كثير من النواحي إلى مستوى الرأسمالية المتمدنة. لقد مشى الكثيرون خطوة كبيرة إلى الوراء في هذا الحقل الهام خلال السنوات الأخيرة، ولا شك أن سبب العودة إلى البربرية الروسية القديمة يقع على التيرميدور السوفياتي الذي أعطى البيروقراطية محدودة الثقافة حرية كاملة، معفية من الرقابة، وأمر الجماهير بالصمت والطاعة. نحن لا نفكر بمقارنة مفهومي الديكتاتورية والديمقراطية لنزن صفاتهما المتقابلة بموازين العقل الصرف، فكل شيء نسبي في هذا العالم الذي لا دائم فيه سوى التبدل: لقد كانت ديكتاتورية الحزب البلشفي أقوى دوافع التقدم في التاريخ. ولكننا نذكر هنا قول الشاعر: يصبح العقل جنونا، والمعروف كدرا. لقد أدى إلغاء الأحزاب المعارضة إلى إلغاء الأجنحة في الحزب، وأدى إلغاء الأجنحة إلى تعطيل التفكير إلا بالشكل الذي يريده الرئيس المعصوم من الخطأ. وأدت وحدة الحزب البوليسية إلى الحصانة البيروقراطية التي غدت بدورها سبب كل أشكال الانحلال والفساد.
لقد عرّفنا التيرميدور السوفياتي كانتصار للبيروقراطية على الجماهير وحاولنا أن نبين الظروف التاريخية لهذا النصر. لا شك أن قسما من الطليعة الثورية العمالية ذاب في أجهزة الدولة وفقد اندفاعه شيئا فشيئا، وتدمر القسم الثاني في الحرب الأهلية، ثم جاءت عمليات التطهير لتزيل القسم الثالث. أما الجماهير التي إصابتها خيبة الأمل فكانت تنظر إلى ما يجري في الأوساط الحاكمة بلامبالاة. ولكل هذه الأسباب على أهميتها لا تكفي لأن تشرح لنا كيف نجحت البيروقراطية في الارتفاع فوق المجتمع وأمسكت بيدها مصيره لمدة طويلة: إن إرادتها وحدها غير كافية ولا بد أن هنالك أسبابا اجتماعية أعمق أدت إلى تشكيل شريحة حاكمة جديدة. والواقع أن تعب الجماهير وتحلل الكادرات في القرن الثامن عشر أديا إلى انتصار التيرميدوريين على اليعاقبة، إلا أن سيرورة عضوية وتاريخية أعمق كانت في ظل هذه الظاهرات، الثانوية في الواقع. ودلت الدراسة التحليلية التاريخية العميقة لهذا الموضوع بعد ذلك أن قاعدة اليعاقبة كانت مستندة إلى الشرائح السفلى من البرجوازية الصغرى المندفعة مع الموجة الجارفة. فكان من الطبيعي أن تؤدي ثورة القرن الثامن عشر المتجاوبة مع تطور قوى الإنتاج إلى دفع البرجوازية الكبيرة إلى السلطة. ولم تكن حركة التيرميدوريين سوى حلقة من هذا التطور الحتمي. فأية ضرورة اجتماعية تختفي إذن خلف التيرميدور السوفياتي ؟ لقد حاولنا في فصل سابق إعطاء تفسير تمهيدي للأسباب التي أدت إلى انتصار الدرك. فلنتابع هنا تحليل شروط التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية، والدور الذي تلعبه الدولة في هذا التحول. ولنقارن مرة أخرى التوقع النظري مع الحقيقة. كتب لينين في عام 1917 متحدثا عن المرحلة التي تتبع الاستيلاء على السلطة: "إن من الضروري حتى الآن الضغط على البرجوازية، ولكن جهاز الضغط هو غالبية الشعب لا أقليته كما كانت الحالة حتى الآن... بهذا المعنى، تبدأ الدولة بالزوال" فكيف يتم زوالها ؟ إنه يتم قبل كل شيء باستبدال "الجهاز الخاص الذي تملكه الأقلية ذات الامتيازات" (موظفون ذوو امتيازات، قيادة الجيش الدائم) بأغلبية قادرة على "القيام" بنفسها بوظائف الضغط. ثم كتب لينين بعد ذلك نظرية لا تقبل النقد لبداهتها: "كلما أصبحت وظائف السلطة وظائف للشعب كله كلما تضاءلت ضرورة هذه السلطة". إن إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج يلغي المهمة الأساسية للدولة التي شكـّلها التاريخ، وهي الدفاع عن امتيازات الملكية في يد الأقلية ضد الأغلبية العظمى. ويبدأ زوال الدولة حسب رأي لينين غداة نزع ملكية نازعي الملكية، أي قبل أن يبدأ النظام الجديد وظائفه الاقتصادية والثقافية. وكل نجاح في تنفيذ هذه المهمات يعني مرحلة جديدة من ذوبان الدولة في المجتمع الاشتراكي. وهنا يمكن صياغة النظرية الاجتماعية التالية: يتناسب إكراه الجماهير في الدولة العمالية طردا مع حجم القوى التي تحاول الاستغلال أو العودة إلى الرأسمالية، كما يتناسب عكسا مع التضامن الاجتماعي والإخلاص المشترك للنظام الجديد. أما البيروقراطية، أي "الموظفون ذوو الامتيازات وقيادة الجيش الدائم"، فإنها تقوم بنوع من الإكراه لا تستطيع الجماهير ممارسته أو لا تريد ذلك، وهو يمارس بصورة أو بأخرى رغما عنها، وضدها. فلو استطاعت السوفياتات الديمقراطية أن تحافظ حتى اليوم على قوتها واستقلالها في الوقت الذي تستمر فيه مجبرة على اللجوء إلى الإكراه بالنسبة ذاتها التي كانت واردة في السنوات الأولى، لأقلقنا ذلك جديا. فكم يجب أن يكون قلقنا الآن بعد أن تركت السوفياتات المسرح نهائيا وسلمت وظائفها الإكراهية لستالين وياجودا (3) وشركائهما ! وأية وظائف إكراهية هي هذه ! لنتساءل الآن وقبل أن نبدأ عن السبب الاجتماعي الكامن وراء حيوية الدولة العنيدة هذه و"إضفاء الطابع البوليسي" عليها. فلهذا السؤال أهمية كبرى لأن الإجابة عليه ستدفعنا إما إلى تبديل أفكارنا التقليدية حول المجتمع الاشتراكي أو إلى نبذ كافة التقديرات الرسمية حول الاتحاد السوفياتي. لنقرأ في عدد حديث لصحيفة من صحف موسكو الصفة المحددة للنظام السوفياتي الحالي، تلك الصفة التي يرددها الجميع يوما بعد يوم ويحفظها التلاميذ عن ظهر قلب: "إن طبقات الرأسماليين والملاك الفلاحين الأغنياء الطفيلية قد انتهت إلى الأبد في الاتحاد السوفياتي، وانتهى معها إلى الأبد استغلال الإنسان للإنسان، وأصبح الاقتصاد الوطني بمجموعه اشتراكيا. وتقوم حركة استاخانوف المتعاظمة بتحضير الانتقال من الاشتراكية إلى الشيوعية" ( البرافدا 4 نيسان / أبريل 1936). وتردد الصحافة العالمية للأممية الشيوعية القول نفسه. ولكن مادام الاستغلال قد انتهى "إلى الأبد" وما دمت البلاد سائرة فعلا على طريق الشيوعية أي المرحلة العليا، فإنه لا يبقى على المجتمع إلا أن يتخلص من وثاق الدولة الثقيل. ولكننا نرى بدلا من ذلك تناقضا غريبا مؤداه أن الدولة السوفياتية تأخذ شكلا بيروقراطيا وكليانيا. ويمكننا أن نلاحظ التناقض نفسه عند دراسة مصير الحزب. وتتلخص المسالة تقريبا كما يلي: لماذا كنا نستطيع بين عامي 1917 – 1921 أن نناقش داخل الحزب أخطر المواضيع السياسية دونما خوف، رغم أن الطبقات الحاكمة القديمة كانت ما تزال تقاوم بقوة السلاح بدعم من الامبرياليين في العالم أجمع، ورغم وجود كولاك مسلحين يخربون دفاع وتموين البلاد. فلماذا لا يمكن الآن بعد انتهاء التدخل المسلح، وهزيمة الطبقات المستغلة، ونجاح التصنيع والقيام بالتجميع على صعيد أغلبية الفلاحين العظمى، قبول أصغر نقد موجه للمسؤولين الذين لا يمكن زحزحتهم ؟ ولماذا يبعد كل بلشفي يطالب حسب قواعد الحزب بعقد المؤتمر ؟ إن كل مواطن يعبـِّر بصوت مسموع عن شكوكه بعصمة ستالين من الخطأ يعامل كأنه إرهابي متآمر. فمن أين تولدت هذه القوة المخيفة البشعة التي يتخذها القمع والجهاز البوليسي ؟ ليست النظرية سندا ماليا يمكن دفعه في كل لحظة، إنها شيء قبل للتبدل، فإذا ما ظهر خطؤها وجبت مراجعتها وسد ثغراتها. فلنكشف الآن القوى الاجتماعية الحقيقة التي سببت ظهور التناقض بين الواقع السوفياتي والماركسية المألوفة. فلا يمكن على كل حال السير في الظلام مع ترديد الجمل الطقسية التي قد تنفع في زيادة هيبة الرؤساء ولكنها تصفع الحقيقة الحية. ولنر ذلك فورا بفضل مثل مقنع. أعلن رئيس مجلس مفوضي الشعب في كانون الثاني / يناير 1936 أمام اللجنة التنفيذية: "إن الاقتصاد الوطني غدا اشتراكيا (تصفيق). وفي هذا الصدد حللنا مسالة تصفية الطبقات (تصفيق)". إن الماضي يثقلنا حتى الآن "بعناصر معادية حقا"، وهي بقايا الطبقات المسيطرة سابقا. ويمكن أن نجد بين عمال الكولخوزات وموظفي الدولة، وأحيانا بين العمال "متلاعبين صغارا" و"مبددين لأموال الدولة والكولخوزات"، و"مروجي شائعات ضد السوفيات".. الخ. من هنا تأتي ضرورة تصليب الديكتاتورية. لقد كان المجلس يتطلع إلى اليوم الذي "ستغفو" فيه الدولة، إلا أن عليها اليوم أن تزداد صحوا. إن تصريحات رئيس الدولة السوفياتية مطمئنة تماما لولا أنها تحمل في طياتها تناقضا واضحا. إنه يقول أن الاشتراكية قد انتصرت نهائيا في البلاد، وتم "في هذا الصدد" إلغاء الطبقات، (ومادامت الطبقات ملغاة في هذا الصدد فيه ملغاة في كل صدد). لا شك أن الانسجام الاجتماعي مضطرب هنا وهناك بفضل بقايا الماضي الكامنة تحت الرماد، ولكننا لا نصدّق أن أشخاصا مبعثرين محرومين من السلطة والملكية يحلمون بعودة الرأسمالية، يستطيعون مع "المتلاعبين الصغار" تقويض مجتمع بلا طبقات. إن كل شيء يبدو على أحسن صورة فلماذا إذن هذه الديكتاتورية البيروقراطية الحديدية ؟ إننا نعتقد أن الحالمين الرجعيين يختفون شيئا فشيئا، والسوفياتات الديمقراطية قادرة على ضرب "المتلاعبين الصغار" و"مروجي الشائعات". لقد رد لينين في 1917 على المنظرين البرجوازيين والإصلاحيين للدولة البيروقراطية قائلا: "نحن لسنا بطوباويين. إننا لا ننكر وجود تجاوزات يرتكبها بعض الأفراد، كما لا ننكر ضرورة قمع هذه التجاوزات. ولكن الأمر لا يتطلب جهاز قمع خاص. فالشعب المسلح يكفي وحده، كما تكفي الجماهير المتمدنة للفصل بين المتشاجرين أو لحماية امرأة من الشتائم". وتبدو هذه الكلمات وكأنها جاءت لدحض اعتبارات أحد خلفاء لينين في قيادة الدولة. ويدرّس لينين في مدارس الاتحاد السوفياتي ولكنه لا يدرَّس كما يبدو في مجلس مفوضي الشعب. لأنه لو تم ذلك لما استخدم مولوتوف دون تفكير حججا حاربها لينين سابقا، وهذا تناقض واضح بين المؤسس والخلفاء ! في حين لينين يعتقد بإمكانية تصفية طبقات المستغلين دون الحاجة إلى جهاز بيروقراطي، لا يجد مولوتوف من مبرر بعد تصفية الطبقات، لخنق كل مبادرة شعبية في طريق الآلة البيروقراطية، إلا التعلل بوجود بقايا الطبقات التي تم تصفيتها ! ولكن من الصعب أخذ هذه "البقايا" حجة طويلة الأمد، لأن تصريحات ممثلي البيروقراطية المسؤولين تؤكد ذوبان الأعداء الطبقيين القدماء بنجاح داخل المجتمع السوفياتي. لقد قال بوستيشيف، أحد أمناء سر اللجنة المركزية، في نيسان / أبريل 1936 في مؤتمر الشبيبة الشيوعية: "إن عددا من المخربين قد تابوا صادقين... وعادوا إلى صفوف الشعب السوفياتي..." وبما أن التجميع قد نجح "فلا يجب أن يتحمل أولاد الكولاك وزر آباءهم"، وليس هذا كل شيء، "فالكولاك أنفسهم لم يعودوا يؤمنون بإمكانية قيامهم باستغلال القرية من جديد". وليس بلا سبب أن تكون بدأت الحكومة بإلغاء القيود القانونية الناجمة عن الأسباب الاجتماعية ! ولكن إذا كانت تأكيدات بوستيشيف، التي أيدها مولوتوف تعني شيئا، فهي تعني أن البيروقراطية غدت مفارقة تاريخية شوهاء، ولم يعد لإكراه الدولة أي مبرر على الأرض السوفياتية. إلا أن مولوتوف وبوستيشيف لا يقبلان مع ذلك بهذا الاستنتاج المنطقي، بل يفضلان الاحتفاظ بالسلطة حتى ولو أدى ذلك إلى تناقض مع نفسيهما. والحقيقة أن إلغاء الدولة حاليا غير ممكن، أي أن المجتمع السوفياتي الحالي لا يستطيع أن يتخلى عن الدولة، وإلى حد ما عن البيروقراطية. وليس ذلك ناجما عن بقايا الماضي التافهة بل عن التطلعات القوية الحالية. إن تبرير وجود الدولة السوفياتية، التي تشكل جهاز إكراه، يكمن في واقع أن المرحلة الانتقالية الحالية لا تزال مليئة بتناقضات اجتماعية خطيرة في مجال الاستهلاك تهدد بالظهور كل حين في حقل الإنتاج. وهكذا يتعذر علينا أن نقول أن انتصار الاشتراكية نهائي أو أكيد. وتعتمد السلطة البيروقراطية على قلة المواد الاستهلاكية والصراع ضد الجميع الناجم عن ذلك. حين توجد كمية كافية من البضائع في المخازن يمكن للمشترين أن يأتوا كل وقت للشراء، أما عندما يكون عدد البضائع قليلا فإنهم يضطرون للوقوف في رتل الانتظار الطويل. وما إن يصبح الرتل طويلا حتى يغدو وجود الشرطي ضروريا للمحافظة على النظام. هذه هي نقطة انطلاقة البيروقراطية السوفياتية. إنها "تعرف" لمن تعطي وعمن تمنع. ينبغي لتحسين الوضع المادي والثقافي أن يخفف للوهلة الأولى من ضرورة الامتيازات، ويضيق مجال "الحق البرجوازي"، ويسحب البساط بالتالي من تحت إقدام البيروقراطية، حامية تلك الحقوق. إلا أن ما تم حتى الآن كان عكس ذلك. لأن تزايد القوة الإنتاجية يترافق حتى الآن مع التضخم الحاد لكل أشكال اللامساواة والامتيازات البيروقراطية. وليس هذا، هو الآخر، من غير سبب. لقد كان النظام السوفياتي في مرحلته الأولى يتصف أكثر بكثير بالمساواة ويشكو من البيروقراطية أقل بكثير مما هي الحال اليوم. ولكن مساواته كانت مساواة في البؤس العام، حيث كانت موارد البلاد قليلة إلى درجة لا تسمح بفصل الجماهير عن الأوساط ذات الامتيازات، مهما تكن ضئيلة. وأصبحت فكرة الرواتب "المتساوية" التي تلغي الحوافز الفردية حاجزا أمام تطور قوى الإنتاج. وكان على الاقتصاد السوفياتي أن يخرج قليلا عن فقره حتى يصبح تكديس تلك المواد الدسمة التي تدعى الامتيازات ممكنا. إن حالة الإنتاج الحاضرة عاجزة إلى الآن عن تأمين الضروريات للجميع، ولكنها تسمح الآن بإعطاء امتيازات كبيرة للأقلية وبجعل عدم المساواة مهمازا للأكثرية. هذا هو السبب الأول الذي من أجله دعَّم تزايد الإنتاج الملامح البرجوازية، لا الاشتراكية، للدولة. وليس هذا السبب الوحيد، فإلى جانب العامل الاقتصادي، الذي يتطلب في المرحلة الحاضرة العودة إلى الأساليب الرأسمالية في أجور العمل، هنالك العامل السياسي الذي تجسده البيروقراطية نفسها، لأن البيروقراطية تخلق الامتيازات بطبيعتها وتدافع عنها. إنها تظهر في البداية كالجهاز البرجوازي للطبقة العاملة. في حين ترتب امتيازات الأقلية وتدافع عنها، تقتطع بالطبع الأفضل من الحصص، حيث لا يمكن لموزع المكاسب أن ينسى نفسه. وهكذا يخلق من حاجة المجتمع عضو يتجاوز بكثير وظيفته الاجتماعية الضرورية، فيصبح عاملا مستقلا، وفي الوقت ذاته مصدرا لأخطار كبيرة على كل التنظيم الاجتماعي. وهكذا يبدو لنا التيرميدور السوفياتي بوضوح. إن الفقر والجهل لدى الجماهير يتجسد يتجسدان من جديد ويتخذان الأشكال المهدِّدة لرئيس مسلح بعصى قوية. أما البيروقراطية التي كانت مبتذلة في الماضي فقد انقلبت من خادمة المجتمع إلى سيدته، وابتعدت اجتماعيا ونفسيا عن الجماهير لدرجة لا تستطيع معها قبول أية مراقبة على أعمالها ومداخيلها. إن خوف البيروقراطية الصوفي في بادئ الأمر من "المضاربين الصغار وضعاف الذمة، ومروجي الإشاعات" يجد هنا تفسيره الطبيعي. إن الاقتصاد السوفياتي الذي ما يزال عاجزا عن إرضاء المتطلبات الأساسية للجماهير يولـِّد في كل حين ميولا إلى المضاربة والغش. كما أن امتيازات الارستقراطية الجديدة تدفع الجماهير إلى الإصغاء لكل "الإشاعات المضادة للسوفياتات" والموجهة إلى السلطات الاعتباطية والجشعة. فليس الأمر إذن أمر أشباح من الماضي، وبقايا لم يعد لها وجود وهو لا يتعلق بثلج العام الماضي، بل بميول جديدة وجادة، ومتجددة باستمرار، إلى مراكمة الثروات الفردية. إن أول دفق من الرخاء، مهما يكن متواضعا، قوّى هذه الميول النابذة centrifuges بدل أن يضعفها. ووجد غير المتميزين أنفسهم وقد تنامت لديهم الرغبة الصامتة في دفع شجع الأعيان الجدد إلى الاعتدال. وغدا الصراع الاجتماعي خطيرا من جديد. هذه هي مصادر قدرة البيروقراطية، وهي في الوقت نفسه منبع الأخطار التي تهدد هذه القدرة. (1) الترميدوريين: نسبة إلى
أحداث 9 تيرميدور عام 2 الجمهوري (وتيرميدور هو الشهر الحادي عشر من
العام الجمهوري ويقابل من 20 يوليو، تموز، حتى 18 أغسطس، آب من العام
الميلادي). ففي هذا اليوم الموافق 27 يوليو، تموز 1794 سقط حكم
روبسبيير في فرنسا على يد الردة البرجوازية. ويقصد بهذا التعبير كل
ردة رجعية في سياق ثورة. (المعرب) (2) في اللغة الروسية كما في اللغة الفرنسية والألمانية طريقتان للمخاطبة، إحداهما بالجمع للدلالة على الاحترام والأخرى بالمفرد وتستخدم لرفع التكليف بين الأفراد المتآلفين. (المعرب) (3) ياجودا هنري فريفوريفيتش (1891 – 1938)
سياسي سوفياتي عضو في الحزب البلشفي منذ عام 1908. أصبح بعد ثورة
أوكتوبر 1917 أحد رؤساء البوليس السياسي ثم مفوضا للشعب في الأمور
الداخلية 1934–1936. وفي عام 1937 اتهم بتدبير مؤامرة بالتعاون مع
بوخارين وأعدم. (المعرب) |
|||