السياسة من عام 1913 حتى عام 1927 |
|||
مما لا شك فيه أن الرغبة بانتظار انتصار عالمي كبير كانت إحدى دوافع تأجيل المؤتمر السادس عدة مرات، ففي مثل هذه الحالات ينسى الناس الهزائم القريبة العهد بسهولة أكبر، ولكن النصر لم يأت... وليس هذا من قبيل الصدفة ! لقد استفادت الرأسمالية الأوروبية والعالمية في هذه الحقبة من تأجيل جديد كبير. منذ عام 1923 تقوّت الاشتراكية الديمقراطية بشكل ملحوظ. على حين لم تنمُ الأحزاب الشيوعية إلا بشكل لا يذكر وليس هناك من يجرؤ على القول بأنها عرفت خلال هذه السنوات الأربع أو الخمس كيف تؤمن استمرارية قياداتها وثباتها ونفوذها. بل إن هذه المتانة وتلك الاستمرارية تعرضتا للاهتزاز بعمق حتى داخل الحزب حيث كانتا تتوافران بالشكل الأوفر ضمانا؛ ألا وهو الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي. حققت الجمهورية السوفياتية في هذه الحقبة تقدما جديا في المجالين الاقتصادي والثقافي، وهو تقدم يظهر للعالم أجمع معنى الأساليب الاشتراكية في الادارة وقوتها، والامكانيات الواسعة التي تحملها. ولكن هذه النجاحات تحققت على أساس استقرار الرأسمالية المزعوم، ذلك الاستقرار الناجم عن سلسلة الهزائم التي لحقت بالثورة العالمية. وخلافا للمزاعم المتفائلة، فلقد مال الميزان الداخلي للقوى في حقلي الاقتصاد والسياسة ضد مصلحة البروليتاريا: ومن هنا سلسلة الأزمات المضنية التي لم ينته الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي منها. إن السبب الأساسي لأزمة ثورة أوكتوبر يكمن في تأخر الثورة العالمية نتيجة لعدد من الهزائم القاسية التي لحقت بالبروليتاريا. حتى عام 1923 كان هناك فشل حركات وانتفاضات ما بعد الحرب نظرا أولا لاختفاء قسم كامل من الشبيبة، وثانيا لضعف قوة الأحزاب الشيوعية. وبدءا من عام 1923 تغير الموقف بشكل جذري: فلم يعد الأمر مقصورا على هزائم البروليتاريا، بل أصبح يتعلق بهزائم سياسة الأممية الشيوعية. وكانت أخطاء هذه السياسة في ألمانيا وانكلترا والصين – وبدرجة أقل في بلاد أخرى مختلفة– كبيرة لدرجة أنه من المستحيل أن نعثر على أخطاء مشابهة في مجمل تاريخ الحزب البلشفي: وإذا أردنا ذلك فينبغي أن نعود إلى تاريخ المنشفية في سنوات 1905–1917 أو أيضا العودة عشرات السنين إلى الوراء. إن التأخر في تطور الأممية الشيوعية. يظهر ناجما بشكل مباشر عن السياسة الخاطئة التي اتـّـُبعت خلال السنوات الخمس الأخيرة. ولا يمكن أن نلقي عبء هذا التأخر على "الاستقَرار" إلا إذا تصورنا طبيعة الاستقرار بصورة سكولاستيكية وبغية التهرب من هذه المسؤولية. إن الاستقرار لم يسقط من السماء، ولم ينجم عن تغير آلي لظروف الاقتصاد الرأسمالي العالمي: إنه ثمرة تبدل في اتجاه غير ملائم في الميزان السياسي للقوى الطبقية. لقد ضعُفت البروليتاريا في ألمانيا نتيجة لاستسلام للقيادة في عام 1923، وخدعتها وخانتها في انكلترا قيادة بقيت الأممية الشيوعية متكتلة معها حتى عام 1926، أما في الصين فقد رمت بها سياسة اللجنة التنفيذية للامية الشيوعية وسط فخ الكومينتانغ في 1926–1927. تلك هي الأسباب المباشرة التي لا جدال فيها للهزائم. أما السعي إلى القول بأن الهزائم كانت محتومة حتى مع استخدام سياسة صحيحة فهو يصبّ في قدرية منفـِّرة، وتراجع هن الفهم البلشفي لدور القيادة الثورية وأهميتها. واستفادت البورجوازية من هزائم البروليتاريا الناجمة عن سياسة خاطئة وحصلت على مهلة سياسية استخدمتها لتقوية مواقفها الاقتصادية. من المفهوم أن تقوية المواقع الاقتصادية البرجوازية قد أثرت بدورها – بوصفها عاملا من عوامل "الاستقرار" – على الوضع السياسي. غير أن السبب الجوهري لصمود الرأسمالية خلال سنوات "لاستقرار" الخمس تلك كامن في أن قيادة الأممية الشيوعية لم تكن في أية لحظة من اللحظات على مستوى الإحداث. ولم تكن الأوضاع الثورية قليلة، ولكنها دائما لم تجد من يحسن استخدامها. وليس هذا الخطأ ناجما عن الصدفة،كما أنه لا يتصف بالشذوذ: إنه نتيجة محتومة للخط الوسطي الذي يستطيع في الحالات العادية إخفاء رخاوته وعدم تماسكه، ولكنه يؤدي بما لا مفرّ منه إلى أخطر الكوارث في وضع ثوري عندما تحدث تغيرات مفاجئة. لفهم معنى الاتجاه الحالي نحو اليسار لا يكفي ان نملك نظرة كاملة لما شكله الانزلاق نحو الخط العام الوسطي – اليميني الذي انكشف تماما في 1926 – 1928 ، بل ينبغي علينا ان نعرف ما كانت مرحلة التطرف اليساري السابقة في 1923–1925 خلال إعداده لهذا الانزلاق. ولذا فالأمر يتعلق بالحكم على السنوات الخمس التي أعقبت وفاة لينين. منذ المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوفياتي في ربيع 1923 ظهر بوضوح موقفان متميزان حول قضايا الاتحاد السوفياتي الاقتصادية. وتطور هذان الموقفان خلال السنوات الخمس التي تلت ذلك، وتم التحقق من وجودهما بصدد أزمة تخزين القمح في 1927–1928. لقد اعتبرت اللجنة المركزية أن الخطر الرئيسي الذي يهدد التحالف مع الفلاحين هو تطور الصناعة بشكل سابق لأوانه، ووجدت البرهان على هذا "أزمة البيع" المزعومة في خريف 1923. وعلى العكس فإنني قد دعمت في المؤتمر الثاني عشر الفكرة القائلة بأن الخطر الرئيسي الذي يهدد "السميتشكا" (1) ودكتاتورية البروليتاريا يتمثل في "المقص" الذي يمثل التباعد بين أسعار المواد الزراعية وأسعار البضائع الصناعية. وهو تباعد يعكس تأخر الصناعة. وكنت أقول بأن الحفاظ على هذا التباين، فكيف بتفاقمه، سيؤدي حتما إلى تمييزات في الاقتصاد الزراعي والإنتاج الحرفي، وإلى نموّ عام للقوى الرأسمالية من جهة أخرى. ولقد طرحت هذا التحليل بكل وضوح أثناء المؤتمر الثاني عشر. وفي هذه الفترة أيضا طرحت الفكرة القائلة لأنه إذا ما تأخرت الصناعة جاءت المواسم الزراعية الحسنة لتزيد الميول الرأسمالية بدلا من تغذية التطور الاشتراكي، ولتعطي بذلك العناصر الرأسمالية أدة لبث الاختلال داخل الاقتصاد الاشتراكي. ووجدت هذه التوجهات الأساسية المقدمة من الطرفين في الصراعات التي طبعت السنوات الخمس التالية. وفي هذه الفترة تصاعدت باستمرار ضد المعارضة الصيحات والاتهامات السخيفة والرجعية في جوهرها مثل: إنها "تخاف من الموجيك الفلاح"، أو "تخشى المحصول الجيد" أو "تنظر بحذر إلى زيادة الثروة في القرية" أو أفضل من ذلك "تؤد نهب الفلاح". وهكذا فمنذ المؤتمر الثاني عشر، وخاصة في مناقشات خريف 1923، رفضت الكتلة الرسمية المقاييس الطبقية، وتمسكت بمفاهيم مثل "الفلاحين" بشكل عام و"المحاصيل" والإثراء. وفي هذه الطريقة لإدراك الأمور يظهر ضغط الشرائح الاجتماعية الجديدة التي تشكلت على أساس السياسة الاقتصادية الجديدة "النيب" N. E. P. وكانت مرتبطة بجهاز الدولة، وبدت حريصة على ألاّ يضايقها أحد في ارتقائها. وخلال هذه السيرورة، أخذت الأحداث العالمية أهمية حاسمة. وكان النصف الثاني من عام 1923 فترة انتظار وقلق للثورة البروليتارية في ألمانيا. وفـُهمَ الموقف بصورة متأخرة، وكان هناك تردد. وظهرت داخل القيادة الرسمية احتكاكات مطموسة (مع بقاء ستالين – زينوفييف في الحقيقة على الخط الوسطى نفسه). وبالرغم من التحذيرات المتكررة، لم تلجأ القيادة إلى تبديل التكتيك إلا في اللحظة الأخيرة. وانتهى كل شيء بالاستسلام الرهيب لقيادة الحزب الشيوعي الألماني، وتركها للعدو مواقع حاسمة (2). وكانت هذه الهزيمة في حد ذاتها تحمل إنذارا واضحا. غير أنها أخذت معنى شاقا أكثر بكثير، لأن قيادة اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية، والمسؤولة إلى حد كبير عن الهزيمة، لم تفهم اتساعها ولم تقدر عمق الخسارة، ولم تشأ بكل بساطة الاعتراف بواقع الهزيمة. ورددت القيادة بكل عناد بأن الوضع الثوري يتابع تطوره، وأن المعارك الحاسمة واقعة لا محالة في المستقبل. واستنادا إلى هذا الحكم الخاطئ من أساسه، حدد المؤتمر الخامس كل توجهه في منتصف عام 1924. طوال النصف الثاني من عام 1923 قرعت المعارضة أجراس الإنذار محذرة من العقدة السياسية التي كانت تقترب، ومطالبة بمسلك يتجه فعليا نحو الانتفاضة، لأن الأمور تجري في مثل هذه اللحظات التاريخية بسرعة كبيرة تجعل عدة أسابيع بل عدة أيام تقرر مصير الثورات لسنوات عديدة. وبالمقابل في الشهور الستة التي سبقت المؤتمر الخامس رددت المعارضة بكل إصرار بأن الوضع الثوري قد فات و"أن من الضروري تبديل اتجاه الأشرعة على اعتبار أن الريح غدت معاكسة لا ملائمة": وطرحا بأن الانتفاضة لم تعد في مهام الساعة، بل أنه يجب – عبر شن معارك دفاعية ضد العدو المهاجم – إعداد وحدة الجماهير وتأمين التفافها حول مطالب جزئية وخلق نقاط استناد داخل النقابات... الخ. وبالرغم من الانحسار السياسي، اتجه المؤتمر الخامس بشكل إبرازي نحو الانتفاضة: فأدى إلى تحيير الأحزاب الشيوعية وإلى بث الفوضى في صفوفها. عام 1924، وهو عام الانعطاف المباغت والواضح نحو الاستقرار، أصبح عام المغامرات في بلغاريا واستوانيا (3). واصطدم الخط اليساري المتطرف بشكل متزايد القوة مع خط سير الأحداث. واعتبارا من هذه اللحظة بدأ البحث خارج نطاق البروليتاريا عن قوى ثورية جاهزة سلفا: ومن هنا جاء تجميل بعض الأحزاب المزعومة فلاحية في عدة بلدان، كما جاءت المغازلة مع راديش لافولتت، والمبالغة في دور الأممية الفلاحية على حساب الأممية النقابية، والحكم الخاطئ على النقابات الانكليزية، والصداقة ما فوق الطبقية مع الكومينتانغ... الخ. إن كل هذه العكازات، التي حاول التيار اليساري المتطرف المغامر الاستناد إليها، غدت فيما بعد الدعائم الأساسية للتيار اليميني المكشوف الذي ترسخت أركانه بعد أن فشل المتطرفون اليساريون في تقدير الوضع، فتحطموا أمام عملية الاستقرار في 1924–1925. حلّ مكان تطرف 1924 – 1925 اليساري، الضائع أمام الوضع، وبشكل عنيف، انحراف يميني، تذرّع بنظرية "عدم القفز فوق المراحل" ليطبّق سياسة التلاؤم مع البرجوازية القوية، والديمقراطية البرجوازية الصغيرة، والبيروقراطية النقابية، والكولاك الذين أطلق عليهم اسم "المتوسطين الأقوياء"، والموظفين...، بحجة تأمين النظام والانضباط. وبعد ذلك جرف سيل الأحداث السياسة الوسطية–اليمينية، التي كانت تحافظ على مظاهر البلشفية في مسائل ثانوية، ووجدت ذروتها الدامية ذات الطبيعة المنشفية، في مسألتي الثورة الصينية، واللجنة الانكلو-روسية. من التبجح الفارغ طبعا التأكيد على أن البروليتاريا الألمانية كانت دون أدنى شك ستستلم السلطة لو توفرت لها قيادة صحيحة، أو أن البروليتاريا الانكليزية لو قادتها قيادة صحيحة ستقلب دون أدنى شك المجلس العام (4)، وتقترب ساعة انتصار الثورة، أو أن البروليتاريا الصينية، لولا جرّها وراء راية الكومينتانغ، كانت ستنهي الثورة الزراعية منتصرة لتستولي بعد ذلك على السلطة دون أدنى شك بالتحالف مع الفلاحين الفقراء. غير أن هذه الاحتمالات الثالثة كانت قائمة، ولكن القيادة، بتجاهلها لصراع الطبقات كانت تدعم موقف العدو على حساب طبقتها بالذات، وكانت بهذا تزيد من إمكانية الهزيمة. إن قضية الوتيرة حاسمة في كل صراع، فكيف بها في صراع أبعاده عالمية. ويرتبط مصير جمهورية السوفييت ارتباطا لا ينفصم بمصير الثورة العالمية. ونحن لا نملك قرونا أو حتى عشرات عديدة من السنين لنستخدمها على هوانا، إن المسألة تحسمها ديناميكية الصراع التي يستفيد العدو خلالها من كل خطأ أو هفوة، ويحتل كل شبر من الأرض إذا لم يكن محميا. وغياب السياسة الصحيحة لدى الأممية الشيوعية سيؤدي إلى تأخير الثورة العالمية تأخيرا تاريخيا غير محدَّد: غير أن الوقت هو الذي يفرض. وكل ما تخسره الثورة العالمية تربحه البرجوازية. إن بناء الاشتراكية صراع تقوم به الدولة السوفييتية ليس فقط ضد البرجوازية الداخلية بل أيضا ضد البرجوازية العالمية. فإذا ما استطاعت البرجوازية كسب تمديد تاريخي جديد طويل، ضد البروليتاريا العالمية، يصبح أكيدا أنها قادرة على قلب ديكتاتورية السوفييت بفضل تقدمها التقني القوي، وثورتها، وجيشها وأسطولها (ويبقى السؤال الخاص بالوسيلة التي ستحقق بها هذا العمل، وهل ستكون وسيلة اقتصادية أم سياسية أم عسكرية أم الثلاثة في نفس الوقت، عبارة عن سؤال ثانوي). إن الوقت عامل حاسم في السياسة، وخاصة خلال الانعطافات التاريخية المباغتة، وعندما يدور الصراع حتى الموت بين نظامين. وعلينا أن نتصرف بالوقت باقتصاد كبير: إذ أن الأممية الشيوعية لن تستطيع الصمود أمام خمس سنوات أخرى مليئة بأخطاء مشابهة للأخطاء التي تم ارتكابها. تقف الأممية الشيوعية اليوم صامدة بفضل الجاذبية التي لثورة أوكتوبر ورواية ماركس ولينين بالنسبة للجماهير، ولكنها بددت خلال السنوات الأخيرة جزءا كبيرا من رأسمالها. إن الأممية الشيوعية لن تستطيع العيش خمس سنوات أخرى مع أخطاء مماثلة. فإذا ما انهارت الأممية الشيوعية عجز الاتحاد السوفياتي عن الصمود طويلا. ولن تبدو مزامير تصريحات ستالين المعلنة بأن الاشتراكية قد تحققت في بلادنا بنسبة 10/9 إلا كلغو فارغ. ومن المؤكد أن الثورة البروليتارية، حتى في هذه الحالة، ستشق طريقا جديدة إلى النصر: ولكن متى سيتم ذلك ؟ وماذا سيكون الثمن من التضحيات، والضحايا الغفيرة ؟ سيكون على جيل الثوار العالميين الجديد أن يربط خيط الإرث المقطوع ويكسب من جديد ثقة الجماهير وسط أكبر أحداث التاريخ الذي يمكنه أن يكون مهددا من قبل سلسلة غير منقطعة من الأخطاء والتقلبات والتزييف الايديولوجي. يجب قول هذه الكلمات بوضوح وجلاء للطليعة البروليتارية العالمية، دون أي خشية من الصيحات والزمجرات والملاحقات المحتومة، الصادرة عن أولائك الذين لا يحافظون على تفاؤلهم إلا لأنهم يغلقون عيونهم بخوف أمام الحقيقة. لهذا تهيمن سياسية الأممية الشيوعية، في نظرنا، على جميع القضايا الأخرى. إن استقرار البرجوازية الأوروبية، وتدعيم الاشتراكية–الديمقراطية، وتأخر نمو الأحزاب الشيوعية، وتزايد الاتجاهات الرأسمالية في الاتحاد السوفياتي، وانحراف سياسة قيادة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي والأممية الشيوعية نحو اليمين، والبيروقراطية المنتشرة في النظام كله، والحملة الشعواء ضد الجناح اليساري، الملاحق والمضطر من جراء ذلك إلى أخذ مواقع المعارضة – كل هذه العمليات مرتبطة فيما بينها، وهي تدل على وجود ضعف – مؤقت بالتأكيد – ولكنه عميق لمواقع الثورة العالميةـ وتعبّر عن ضغط القوى المعادية على الطليعة البروليتارية.
(1) سميتشكا: كلمة روسية تعني "الارتباط". ولقد استخدم هذا التعبير في الحزب البلشفي لتسمية تحالف العمال مع
الفلاحين الفقراء، وإلى درجة ما مع الفلاحين المتوسطين. وكان الحفاظ
على هذا التحالف يعتبر ضروريا لفترة طويلة من الزمن كيما يتم تثبيت
دكتاتورية البروليتاريا. ولقد بحث موضوع "السميتشكا" مرات عديدة منذ
ثورة أوكتوبر. لنشر، في السياق، إلى تقرير تروتسكي المقدم إلى المؤتمر
الثاني عشر والذي يظهر فيه بأن الحفاظ على هذا "الارتباط" يتطلب
"إغلاق المقص" (التباين بين هبوط أسعار المنتجات الزراعية وارتفاع
أسعار المنتجات الصناعية).
(2) في يناير (كانون الثاني) 1923، تقاعس
ألمانيا عن دفع تعويضات الحرب المنصوص عنها في معاهدة فرساي قامت
القوات الفرنسية والبلجيكية باحتلال الرور لضمان الدفع. فردت الحكومة
الألمانية على ذلك معلنة "المقاومة السلبية" لحرمان المحتليين من أي
مردود للعمل داخل هذه المنطقة. وهذا ما أوقع ألمانيا كلها في فوضى
مالية واقتصادية كبيرة. وأخذ التضخم المالي بسرعة حجما هائلا. ومنذ
شهر مايو (أيار) من السنة نفسها شهدت ألمانيا تحركات عمالية واسعة
النطاق أكثر فأكثر، ونموا للحزب الشيوعي الألماني. وفي أغسطس (آب)
وقع إضراب عام عفوي أدى إلى سقوط حكومة كونو التي حلت محلها حكومة
ستريسمان، حكومة "التحالف الكبير". وطرحت على جدول المهام فكرة
استيلاء الحزب الشيوعي الألماني على السلطة. وذهب براندلر قائده
الرئيسي، إلى موسكو في نهاية أغسطس (آب). وتم وضع خطة. ولإعداد
الظروف الملائمة شكلت في 12 أكتوبر (تشرين أول) حكومات محلية جبهوية
تضم الاشتراكيين اليساريين والشيوعيين في الساكس وتورينج. وتحت ستار
إعادة الأمن أرسلت الحكومة المركزية قواتها إلى هذين البلدين وطردت
الحكومات المحلية. ولكن الترددات التي حصلت داخل قيادة الحزب الشيوعي
(وكذلك داخل قيادة الأممية الشيوعية كما سنرى فيما بعد) أدت إلى إلغاء
أمر الانتفاضة في اللحظة الأخيرة. وفي يوم 23 أوكتوبر (تشرين أول)
اندلعت انتفاضة في هامبورغ فقط، نظرا لأن الأمر المعاكس لم يصل إلى
المدينة في الوقت الملائم. ولم يستمر هذا العصيان أكثر من بضعة أيام.
(3) في يونيو (حزيران) 1923 أطاح انقلاب
رجعي بحكومة الزعيم الفلاحي الكسندر ستامبوليسكي. ونشب صراع مسلح دام
عدة أيام قتل فيه ستامبوليسكي. ووقف الحزب الشيوعي البلغاري الذي كان
يتمتع بالدعم الانتخابي من قبل ربع المواطنين خلال الأزمة على الحياد
بحجة أن القوى المتصارعة تمثل (فرعين من الطبقة الرأسمالية نفسها). وانتقدت اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية هذه السياسة بشدة، ونجم عن
ذلك تبديل القيادة. ولكن القيادة الجديدة حاولت الرد على إرهاب نظام
تسانكوف بانتفاضة لم تعد متلائمة مع وضع البلاد. وكان من جراء ذلك أن
سحقت المحاولة بعد أن استمرت من 19 حتى 28 سبتمبر (أيلول).
(4) يتعلق الأمر بالمجلس العلم لمؤتمر
النقابات (Trade Union)، وهو قيادة اتحاد النقابات البريطانية. |
|||