في برنامج سبارتاكوس |
ألقيت هذه الخطبة في: 30 ديسمبر 1918 عند
الأجتماع التأسيسي للحزب الشيوعي الألماني المنعقد في برلين تحويل رقمي:: جريدة المناضل-ة (أبريل 2005) |
أيها الرفاق: مهمتنا اليوم أن نبحث ونتبنى برنامجا. ولا يدفعنا إلى ذلك فحسب أننا البارحة أسسنا حزبا جديدا وأن على الحزب الجديد أن يصيغ برنامجا. إن الحركات التاريخية العظيمة هي الأسباب الحاسمة لمداولاتنا اليوم، فقد حان الوقت لأن يوضح برنامج البروليتاريا الإشتراكية بكامله على أساس جديد. فنحن مواجهون بموقف كذلك الذي واجهه ماركس وإنجلز عندما كتبا « البيان الشيوعي » قبل سبعين سنة. وكما تعرفون جميعا، عالج البيان الشيوعي الاشتراكية وتحقيق أهداف الاشتراكية بوصفها المهام الملحة للثورة البروليتارية. كانت هذه هي الفكرة التي مثلها ماركس وإنجلز في ثورة 1848، وبهذه الطريقة أيضا رأيا أساس العمل البروليتاري في الحقل العملي. وقد كان ماركس وإنجلز حينئذ يعتقدان، كما كان يعتقد كل قادة حركة الطبقة العاملة، أن الولوج إلى الاشتراكية وشيك الوقوع، فكل ما يتطلبه الأمر هو القيام بثورة سياسية للاستيلاء على السلطة السياسية للدولة فتنتقل الاشتراكية بذلك فورا من مجال الفكر إلى مجال اللحم والدم. وفيما بعد، كما لا بد تعلمون، قام ماركس وإنجاز بمراجعة كاملة لهذه النظرة. فنجد في المقدمة المشتركة التي كتباها للطبعة الثانية من البيان الشيوعي في العام 1872 المقطع الثالي: « فلا تعلق أهمية قائمة بذاتها على التدابير الثورية المذكورة في نهاية الفصل الثاني. ونحن لو عمدنا إلى إنشاء هذا المقطع اليوم، لأختلف في أكثر من نقطة عن الإصل. لقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه، نظرا للرقي العظيم في الصناعة الكبرى خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة وما رافق هذا الرقي من تقدم الطبقة العاملة في تنظيمها الحزبي، ونظرا للتجارب الواقعية التي تركتها ثورة شباط/فبراير(1) أولا، ثم على الخصوص كومونة باريس حين كانت السلطة السياسية لأول مرة بين يدي البروليتاريا لمدة شهرين. فقد برهنت الكومونة بصورة خاصة أن الطبقة العاملة لا يمكن أن تكتفي بالاستيلاء على جهاز الدولة القائم واستخدامه في غاياتها الخاصة ». فماذا تقول الفقرة التي أعلن ماركس وإنجلز أنها شاخت ؟ إنها تقول: « وستستخدم البروليتاريا سيادتها السياسية لأجل انتزاع الرأسمال من البورجوازية شيئا فشيئا، ومركزة جميع أدوات الانتاج في أيدي الدولة، أي في أيدي البروليتاريا المنظمة في طبقة حاكمة، وزيادة كمية القوى المنتجة وإنمائها بأسرع ما يمكن. « ولا يتم ذلك طبعا في بادئ الأمر إلاّ بخرق حق التملك وعلاقات الانتاج البورجوازية بالشدة والعنف، أي باتخاذ تدابير تتراءى من وجهة النظر الاقتصادية غير كافية ولا مأمونة البقاء، ولكنها تتعاظم وتتجاوز نفسها بنفسها خلال الحركة وتكون ضرورية لا غنى عنها كوسيلة لقلب أسلوب الانتاج بأسره. « وستختلف هذه التدابير طبعا في مختلف الأقطار. غير أنه يمكن تطبيق التدابير التالية، بصورة عامة تقريبا في أكثر البلاد تقدما ورقيا:
1- نزع الملكية العقارية وتخصيص الريع العقاري لتغطية نفقات الدولة. هذه « هي كما تعلمون المهام التي تجابهنا اليوم مع بعض التعديلات الطفيفة، فبإجراءات كهذه يتعين علينا أن نحقق الإشتراكية. تخللت الفترة ما بين اليوم الذي صيغ فيه هذا البرنامج وساعتنا هذه سبعون سنة من التطور الرأسمالي، فأعادتنا العملية التطورية التاريخية إلى وجهة النظر التي تخلى عنها ماركس وانجلز في العام 1872 على أنها خاطئة. وفي ذلك الوقت كان هناك من الأسباب ما يدعوهما إلى الاعتقاد بأن وجهات نظرهما السابقة كانت خطأ. بيد أن التطور اللاحق لرأس المال قد جعل ما كان خطأ 1872 يصبح اليوم صحيحا، فيكون هدفنا الفوري الآن تحقيق ما ظن ماركس وإنجلز أن عليهما تحقيقه في العام 1848. ولكن بين تلك النقطة من التطور في بداية العام 1848 وبين وجهات نظرنا ومهامنا الملحة يمتد تطور كامل لا للرأسمالية فحسب ولكن أيضا للحركة الاشتراكية العالمية. وفوق كل شيء تخلل هذه الفترة التطورات التي سبق وأشرنا إليها في ألمانيا بوصفها الأرض الرائدة للبروليتاريا الحديثة. لقد اتخذ تطور الطبقة العاملة مميزا. فعندما قام ماركس وإنجلز بعد خيبات الأمل في 1848 بالتخلي عن فكرة أن البروليتاريا تستطيع تحقيق الاشتراكية مباشرة، ظهرت إلى الوجود في كل البلدان أحزاب إشتراكية تلهمها أهداف مختلفة جدا. وأعلنت هذه الأحزاب أن غرضها المباشر العمل التفصيلي والنضال اليومي في الحقلين السياسي والصناعي. فتتكون بهذه الطريقة الجيوش البروليتارية بالتدريج، وبالتدريج تتهيأ هذه الجيوش لتحقيق الاشتراكية عندما ينضج التطور الرأسمالي. وبذلك أقيم البرنامج الاشتراكي على أساس مختلف تماما، واتخذ التحول في ألمانيا شكلا نموذجيا بصفة مميزة. فقد حددت الاشتراكية الديموقراطية، حتى الانهيار في 4 آب/أغسطس 1914، موقفها على أساس « برنامج إيرفورت »، فوضعت المهام المسماة صغيرة ومباشرة في المقدمة بينما أصبحت الاشتراكية مجرد نجمة هادية بعيدة المنال. بيد أن الأهم مما كان مكتوبا في البرنامج هو الطريقة التي فسر فيها هذا البرنامج في العمل. ويجب من وجهة النظر هذه أن تعلق أهمية كبرى على واحدة من الوثائق التاريخية للحركة العمالية الألمانية، وهي المقدمة التي كتبها فريدريك إنجلز للطبعة التي صدرت عام 1895 لكتاب ماركس « الصراعات الطبقية في فرنسا ». ولست الان أطرح المسألة مجددا على أسس تاريخية، فالمسألة ذات صبغة واقعية جدا. ذلك أن واجبنا الملح اليوم هو إعادة وضع برنامجنا على الأساس الذي وضعه ماركس وإنجلز في العام 1848. وأننا لنجد لزاما علينا بالنظر إلى التحولات التي طرأت بفعل عملية التطور التاريخية منذ ذلك الحين أن نقوم بمراجعة عامدة لوجهات النظر التي قادت الاشتراكية الديموقراطية الألمانية إلى انهيار الرابع من آب/أغسطس. ونحن اليوم بصدد هذه المراجعة رسميا. كيف تصور انجلز المسألة في مقدمته الشهيرة لكتاب « الصراعات الطبقية في فرنسا » التي وضعها في العام 1895، أي بعد وفاة ماركس باثني عشر عاما ؟ بين إنجلز، بادئ ذي بدء وهو يستعيد عام 1848، أن الاعتقاد بأن الثورة الاشتراكية وشيكة قد أصبح اعتقادا لا يرجى. وتابع يقول: « لقد بين التاريخ أننا جميعا كنا مخطئين في اعتقادنا هذا. وبين أن حالة التطور الاقتصادي في القارة في ذلك الحين لم تكن ناضجة البتة للقضاء على الانتاج الرأسمالي. وقد أثبت ذلك الثورة الاقتصادية التي حدثت في القارة بأسرها. إذ قامت الصناعة الكبيرة في فرنسا والنمسا وهنغاريا وبولونيا، ومؤخرا في روسيا. وأصبحت ألمانيا بلدا صناعيا من الدرجة الأولى، وذلك كله على قاعدة رأسمالية، قاعدة كان لا يزال عليها في العام 1848 أن تتسع وتمتد إلى حد كبير ». وبعد أن يلخص انجلز التغيرات التي طرأت في الفترة ما بين التاريخين، ينتقل إلى بحث المهام الملحة للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني. فيكتب قائلا: « وكما تنبأ ماركس، نقلت حرب 1870-1871 وهزيمة الكومونة مركز ثقل الحركة العمالية الأوروبية من فرنسا إلى ألمانيا. وكان من الطبيعي أن تنقضي سنوات عدة قبل أن تستطيع فرنسا استعادة قواها بعد النزيف الدموي في أيار /ماي 1871. ومن جهة أخرى، كانت الصناعة تتطور بسرعة متعاظمة أبدا بفعل الجو القسري الذي احدثه تدفق البلايين الفرنسية(2). وأسرع من ذلك وأثبت كانت تنمو الاشتراكية الديموقراطية الألمانية، وذلك بفضل الاتفاقية التي أتطاع العمال الألمان بموجبها استعمال حق الاقتراع العام (للذكور) الذي أقر في العام 1866. ولقد بان النمو المذهل للحزب أمام العالم الأجمع بشهادة الأرقام التي لا يستطيع أن ينكر أهميتها أحد ». وهنا أورد إنجلز الأرقام الشهيرة التي تبين نمو الأصوات التي حصل عليها الحزب في انتخابات اثر أخرى حتى تضخمت هذه الأرقام ووصلت إلى الملايين. واستخلص انجلز من هذا التقدم الذي أحرزه الحزب النتيجة التالية: « كان استخدام التصويت البرلماني استخداما ناجحا يستتبع قبول البروليتاريا لتاكتيك جديد تماما، وقد شهدت هذه الطريقة الجديدة تطورا سريعا. فقد تأكد أن المؤسسات السياسية التي تتمثل بها سلطة البورجوازية يمكن أن تستخدم كنقطة انطلاق تعمل منها البروليتاريا للاطاحة بهذه المؤسسات السياسية ذاتها. وقد اشترك الاشتراكيون الديموقراطيون في انتخابات المجالس التشريعية المحلية والمجالس البلدية والمحاكم الصناعية. وكانت البروليتاريا تتحدى احتلال البورجوازية لهذه القلاع الانتخابية حيثما كان بإمكان البروليتاريا أن تؤمن صوتا فعالا. ومن هنا أصبحت البورجوازية وكذلك الحكومة مذعورة للنشاطات الدستورية التي يقوم بها العمال أكثر من ذعرها للنشاطات غير الدستورية، وأصبحت تخشى نتائج الانتخابات أكثر مما تخشى نتائج الثورة ». ويضيف إنجلز نقدا مفصلا للوهم القائل أنه يمكن للبروليتاريا في ظل الظروف الرأسمالية الحديثة أن تحقق للثورة أي شيء كان بقتال الشوارع.بيد انه يبدو لي أننا اليوم في خضم ثورة، ثورة متسمة بطابع قتال الشوارع وكل ما يستتبعه، ويبدو لي كذلك أنه حان لنا أن نحرر أنفسنا من وجهات النظر التي قادت السياسة الرسمية للاشتراكية الديموقراطية الألمانية حتى يومنا هذا ،من وجهات النظر التي تشترك في حمل مسؤولية ما حدث في الرابع من آب/أغسطس 1914 (أنصتوا ! أنصتوا !). لست أقصد أن أقول ضمنا أن إنجلز يتحمل شخصيا بناء على هذه الأقوال جزءا من مسؤولية خط سير التطور الاشتراكي في ألمانيا كله. إنني أريد فقط أن ألفت انتباهكم إلى أحد الأدلة الكلاسيكية على الآراء السائدة في الاشتراكية الديموقراطية الألمانية، تلك الآراء التي أثبتت أنها ذات أثر قاتل على الحركة. يبين انجلز في هذه المقدمة، بوصفه خبيرا في العلم العسكري، إنه من الوهم المحض الاعتقاد بأن العمال يستطيعون، في الحالة الراهنة للوسائل العسكرية والصناعية وبالنظر إلى خصائص المدن الكبرى اليوم، أن يقوموا بالثورة بنجاح بقتال الشوارع. وقد استنتجت من هذا المنطق نتيجتان: أولهما وضع النضال البرلماني مقابل عمل البروليتاريا الثوري المباشر وقيل أن النضال البرلماني هو السبيل العملي الوحيد للقيام بالنضال الطبقي. فكانت البرلمانية ولا شيء غير البرلمانية العاقبة المنطقية لهذا النقد. والنتيجة الثانية هي أن الآلة الحربية بكاملها، وهي المنظمة الأقوى في الدولة الطبقية، وكل البروليتاريين في البزات العسكرية، أعلنت على أسس مسبقة أنه لا يمكن للتأثير الاشتراكي أن ينفذ إليها. وعندما يعلن انجلز في المقدمة أن من الجنون الافتراض أن البروليتاريين يمكن أن يقفوا في وجه الجنود المسلحين بالبنادق الآلية والمجهزين بأحدث الأدوات التقنية وذلك بسبب تقدم الجيوش الكبيرة، فإن من الواضح أنه يؤكد ذلك مفترضا أن من يصبح جنديا فإنما يصير إلى الأبد دعامة الطبقة الحاكمة. ولو لم نكن نعرف الظروف التي وضعت فيها هذه التوثيقة التاريخية، لكان أمرا يستعصي على الفهم إطلاقا، بالنظر إلى التجربة المعاصرة، ان يقترف قائد شهير كإنجلز هذا الخطأ الفاحش. إنني وفاء لمعلمينا الكبيرين وعلى الأخص لإنجلز الذي توفي بعد ماركس والذي ظل دائما مدافعا وفيا عن نظريات وسمعة شريكه، أنني لذلك أجد لزاما عليّ أن أذكركم بالحقيقة المعروفة جيدا، حقيقة أن إنجلز كتب المقدمة التي نبحث تحت ضغط شديد من جانب المجموعة البرلمانية. فقد كان في ألمانيا في ذلك الحين، خلال أوائل التسعينات، بعد إلغاء القوانين المضادة للاشتراكية اتجاه قوى اليسار، اتجاه أولئك الذين كانوا يرغبون في إنقاذ الحزب من أن يصبح منهمكا تماما في النضال البرلماني. وكان بيبل وشركاه يرغبون في إيجاد حجج مقنعة تدعمها سلطة إنجلز العظيمة، كانوا يرغبون في كلام يساعدهم على ضبط العناصر الثورية بحزم. وفي ذلك الحين كان من سمات الحزب المميزة أن يحظى الاشتراكيون البرلمانيون بالقول الفصل في النظرية والممارسة. وقد أكد هؤلاء لانجلز الذي كان في الخارج والذي كان من الطبيعي أن يصدقهم أن من الضروري صيانة الحركة العمالية الألمانية من الوقوع في الفوضوية، واستطاعوا بهذه الطريقة أن يجعلوه يكتب باللهجة التي أرادوها. ومنذ ذلك الحين والتاكتيكات التي بسطها إنجلز في العام 1895 تهدي الاشتراكية الديموقراطية الألمانية في كل ما فعلته وكل ما لم تفعله حتى أتت النهاية المناسبة في الرابع من آب /أغسطس عام 1914. لقد كانت المقدمة الاعلان الرسمي عن تكتيك لا شيء سوى البرلمانية. وقد مات إنجلز في السنو ذاتها، ولذا لم تسنح له الفرصة لدراسة النتائج العملية لنظريته. إن من يعرفون أعمال ماركس وإنجلز، من لهم اطلاع على الروح الثورية الحقة التي الهمت كل تعاليمهم وكل كتاباتهم، سيشعرون بالتأكيد أن إنجلز لو عاش لكان أول من يحتج على فسوق البرلمانية وعلى تبديد طاقات الحركة العمالية، ذلك التبديد الذي كان مميزا لألمانيا في العقود التي سبقت الحرب. لم يسقط الرابع من آب /أغسطس كالرعد من سماء صافية، ولم يكن ما حدث فيه انعطافا صدفة، بل كان النتيجة المنطقية لكل ما كان الاشتراكيون الألمان يفعلونه يوما فيوما لسنوات عدة. (أنصتوا ! أنصتوا !). إنني إنني على قناعة من أن ماركس وإنجلز لو قدّر لهما أن يعيشا في زمننا لاحتجا بطاقتهما القصوى ولاستخداما كل ما في وسعهما من قوة ليمنعا الحزب من أن يلقي بنفسه إلى الهاوية. ولكن قيادة حزبنا في المجال النظري انتقلت بعد وفاة إنجلس في العام 1895 إلى كاوتسكي. فكانت نتيجة هذا التحول أن احتجاجات الجناح اليساري ضد السياسة البرلمانية المحضة وتحذيراته الملحة من عقم وخطر سياسة كهذه كانت تدمغ بالفوضوية والاشتراكية الفوضوية وعلى الأقل تدمغ بالعداء للماركسية. وأصبح ما صار يدعى ماركسية رسميا قناعا يخفي وراءه كل ضروب الانتهازية الممكنة والتهرب المستمر من النضال الطبقي الثوري، وكل أنصاف الاجراءات التي تخطر ببال. وهكذا حكم على الاشتراكية الديموقراطية الألمانية والحركة العمالية وكذلك حركة اتحادات العمال أن تهزل وتذبل ضمن إطار المجتمع الرأسمالي. ولم يعد الاشتراكيون ورجال اتحادات العمال الألمان يقفون بأي محاولة جادة لقلب المؤسسات الرأسمالية وتعطيل الآلة الرأسمالية. ولكننا الآن، أيها الرفاق، وصلنا النقطة التي نستطيع عندها أن نقول أننا انضممنا إلى ماركس ثانية وأننا نتقدم مرة أخرى تحت لوائه. وإذا كنا اليوم نعلن أن مهمة البروليتاريا الملحة هي جعل الاشتراكية حقيقة حية وتدمير الرأسمالية جذرا وفرعا، فنحن بذلك إنما نقف على الأرض التي وقف عليها ماركس وإنجلز في العام 1848، وإنما نتبنى موقفا لم يحيدا في المبدأ عنه أبدا. لقد أصبح واضحا منذ أمد طويل ما هي الماركسية الحقة وما هي الماركسية البديل (تصفيق). وأعني الماركسية البديل التي كانت لزمن طويل الماركسية الرسمية للاشتراكية الديموقراطية. إنكم ترون إلى ماذا تؤدي الماركسية من هذا النوع، ماركسية خدم إيبرت ودافيد ومن تبقى. هؤلاء هم ممثلوا النظرية التي طبل لها وزمر على مدى عقود على أنها الماركسية نقية. ولكن الماركسية في الواقع لا يمكن أن تؤدي إلى هذا الاتجاه، لا يمكن أن تؤدي بالماركسيين إلى القيام بنشاطات مضادة للثورة جنبا إلى جنب مع رجال كشيدمان. إن الماركسية الحقة تشهر سلاحها ضد من يسعون إلى تزييفها، وقد نجحت في النقب كالخلد من تحت أساسات المجتمع الرأسمالي حتى بات النصف الأكبر من البروليتاريا الألمانية يسير اليوم تحت رايتنا، راية الثورة التي تتحدى العواصف. وحتى في المعسكر المضاد، حتى حيث يبدو أن الثورة المضادة ما زالت تسود، لنا اليوم أتباع وسيكون لنا في المستقبل رفاق سلاح. دعوني، إذن، أكرر أن سير التطور التاريخي أدى بنا إلى النقطة التي وقف عليها ماركس وإنجلز عام 1848 عندما رفعا علم الاشتراكية الأممية أول مرة. إننا نقف حيث كانوا يقفون، ولكن لنا ميزة أن سبعين عاما من التقدم الرأسمالي تقف خلفنا. قبل سبعين سنة، بدا لمن راجعوا أخطاء وأوهام 1848 أنه لا يزال أمام البروليتاريا مسافة غير محددة يجب أن تقطعها لتحقق الاشتراكية. ولا أجدني بحاجة إلى القول أنه ما من مفكر جدي مال إلى تعيين تاريخ محدد لانهيار الرأسمالية، ولكن هذا التاريخ بدا بعد تجارب 1848 الفاشلة في رحم المستقبل البعيد. ويمكن أن نقرأ هذا الاعتقاد في كل سطر من سطور المقدمة التي كتبها إنجلز في العام 1895. إننا الآن في موقف نستطيع معه أن نسوي الحساب وأن نرى أن الوقت كان قصيرا حقا بالمقارنة مع دورات الصراعات الطبقية على امتداد التاريخ. إن تقدم التطور الرأسمالي على نطاق واسع خلال سنوات سبعين قد أوصلنا حيث نستطيع اليومأن نشرع في تدمير الرأسمالية مرة واحدة وإلى الأبد. لا، بل هناك ما هو أكثر من ذلك، لسنا اليوم في موقع نستطيع القيام منه بأداء هذه المهمة فحسب، وليس أداء هذه المهمة واجب علينا تجاه البروليتاريا فحسب، بل أن الحل الذي نقدمه هو السبيل الوحيد إلى خلاص المجتمع الانساني من الدمار (تصفيق حاد). فما الذي خلفته الحرب من المجتمع الرأسمالي سوى كومة عملاقية من الحطام ؟ بالطبع لا تزال كل قوى الانتاج ومعظم أدوات السلطة الحاسمة، شكليا في يد الطبقات المسيطرة. ليست لدينا أية أوهام حيال ذلك. ولكن ما يستطيع حكامنا أن يحرزوه بالسلطات التي يملكونها فوق محاولاتهم المسعورة بالدم والقتل لإعادة بناء نظامهم، نظام السلب والنهب لن يكون أكثر من فوضى. لقد وصلت الأمور حدا أصبحت الانسانية معه أمام واحد من خيارين: فأما أن تهلك وسط الفوضى، وأن تجد خلاصها في الاشتراكية. فمن المستحيل على الطبقات الرأسمالية نتيجة للحرب الكبرى أن تجد مخرجا من الصعاب التي تجابهها في الوقت الذي تحفظ فيه بحكمها الطبقي. إننا الآن على يقين من الصحة المطلقة للكلام الذي صاغه ماركس وإنجلز أول مرة كأساس علمي للاشتراكية في الميثاق العظيم لحركتنا، البيان الشيوعي. ستصبح الاشتراكية ضرورة تاريخية. الاشتراكية محتومة، لا لأن العمال ما عادوا يرغبون في العيش بالشروط التي تفرضها الطبقة الرأسمالية فحسب، بل أيضا لأنه إذا فشلت البروليتاريا في أداء واجبها كطبقة، إذا فشلت في تحقيق الاشتراكية، فإننا سننتهي جميعا إلى مصير أسود مشترك. (تصفيق طويل). هنا نجد الأساس العام للبرنامج الذي نتبناه اليوم والذي قرأتم جميعا مسودته في نشرة « ما الذي تريده سبارتاكوس ؟ » إن برنامجنا يعارض عمدا المبدأ الأساسي في « برنامج إيرفورت »، إنه عمدا يعارض فصل المطالب الملحة المسماة « دنيا » التي صيغت من أجل النضال السياسي والاقتصادي عن الهدف الاشتراكي الذي يعتبر برنامج الحد الأقصى. إننا عمدا نعارض « برنامج إيرفورت » من حيث أننا نصفي نتائج تطور سنوات سبعين، من حيث أننا فوق كل شيء نصفي النتائج الأولية للحرب، قائلين أننا لا نعرف برنامج حد أدنى وبرنامج حد أقصى، بل نعرف شيئا واحدا فقط، هو الاشتراكية، وهذا هو الحد الأدنى الذي سنحققه. (أنصتوا ! أنصتوا !). لست أقترح بحث تفاصيل البرنامج، فهذا سيأخذ وقتا طويلا وستكونون الآراء الخاصة بكم في المسائل التفصيلية. إن الواجب الذي يقع على عاتقي هو فحسب رسم الخطوط العريضة التي يتميز بها برنامجنا عن ما كان يعتبر حتى الآن البرنامج الرسمي للاشتراكية الديموقراطية الألمانية. بيد أنني أعتبر من الأهمية بمكان أن نصل إلى فهم مشترك في تقدير الظروف الملموسة الراهنة وفي التاكتيكات التي يتعين علينا أن نتبناها وفي الاجراءات العملية التي يجب اتخاذها بالنظر إلى الخطوط المحتملة للتطور المقبل. علينا أن نحاكم الوضع السياسي من وجهة النظر التي وصفتها، من وجهة نظر أولئك الذين يهدفون إلى التحقيق الفوري للاشتراكية، وجهة نظر أولئك الذين صمموا على أخطار كل شيء آخر لهذا الهدف. يصادف أن يعقد مجلسنا، مجلس ما اسميه بفخر الحزب الاشتراكي الثوري الوحيد للبروليتاريا الألمانية، في وقت أزمة تطور الثورة الألمانية. أقول « يصادف »، ولكن الأمر في الواقع ليس مصادفة. إذ يمكننا القول أن أحداث الأيام القليلة الأخيرة أسدلت الستار على الفصل الأول من الثورة الألمانية. ونحن الآن في بداية الفصل الثاني، وهنا يصبح واجبنا المشترك أن نقوم بالنقد الذاتي وتفحص الذات. ذلك أننا إذا درسنا كل ما فعلنا وكل ما لم نفعل، فإن خطانا ستكون في المستقبل أكثر حكمة وسنحرز قوة دافعة إضافية لتقدمنا الأبعد. دعونا إذن نمحص بدقة أحداث الفصل الأول من الثورة. بدأت الحركة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر(3). وكانت ثورة 9 تشرين الثاني/نوفمبر تتسم بالضعف وعدم الكفاية. وليس في ذلك ما ينبغي أن ندهش له. فقد جاءت الثورة بعد أربع سنوات من الحرب، أربع سنوات سلكت فيها البروليتاريا الألمانية بقيادة الاشتراكية الديموقراطية واتحادات العمال سلوكا مخزيا لا يمكن التسامح تجاهه وتخلت عن واجباتها الاشتراكية إلى حد لم يكن له مثيل في أي بلد آخر. إننا نحن الماركسيون، الذين يشكل إدراك التطور التاريخي مبدأنا الهادي، لم يكن بوسعنا أن نتوقع قيام ثورة عظيمة يلهمها وعي طبقي محدد وتتجه نحو هدف مقصود واضح فجأة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1918 في ألمانيا، ألمانيا التي عرفت مشهد الرابع من آب/أغسطس الرهيب، ألمانيا التي حصدت لأربع سنوات ثمار البذور التي زرعت في هذا اليوم. لقد كان ما حدث في التاسع من تشرين الثاني /نوفمبر انتصارا إلى حد ضئيل لمبدأ جديد. لقد كان أكثر بقليل من انهيار نظام الامبريالية القائم. (أنصتوا ! أنصتوا !) لقد حان أجل انهيار الامبريالية، ذلك التمثال الضخم ذو الأقدام الطينية الذي يتفتت من داخل. فكانت نتيجة هذا الانهيار حركة غير منظمة إلى هذا القدر وذاك، حركة تفتقر عمليا إلى الخطة المدروسة، فقد كان المصدر الوحيد للوحدة والمبدأ الوحيد المنقد الدائب هو كلمة السر « كونوا مجالس العمال والجنوذ ». كان هذا شعار هذه الثورة، فكانت الثورة بذلك تريد رغما عن ضعف وعدم كفاية مراحلها الأولية أن تقف في عداد الثورات البروليتارية الاشتراكية. يجب أن نجيب دوما على أولئك الذين اشتركوا في ثورة 9 تشرين الثاني/نوفمبر، والذين مع ذلك يمطرون البلاشفة الروس بالإفتراءات، بأن نسألهم « من أين تعلمتم ألف باء ثورتكم ؟ ألم تتعلموا من الروس أن تطالبوا بمجالس العمال والجنود ؟ » (تصفيق). لقد كان أولائك الأقزام الذين يجعلون اليوم في مقدمة مهامهم، بوصفهم على رأس ما يسمونه بهتانا حكومة اشتراكية، الاشتراك مع امبرياليي بريطانيا في هجوم قاتل على البلاشفة، كان أولئك في ذلك الحين يحتلون مقاعد الممثلين في مجالس العمال والجنود، معترفين بذلك أن الثورة الروسية خلقت الشعار الأول للثورة العالمية. إن دراسة للوضع القائم تمكننا من التنبؤ الأكيد بأنه أيا كان القطر الذي ستندلع فيه الثورة البروليتارية بعد ألمانيا فإن خطواتها الأولى ستكون تشكيل مجالس العمال والجنود (همسات موافقة). وهنا نجد الرابط الذي يوحد حركتنا أمميا. هذا هو الشعار الذي يميز ثورتنا تماما عن الثورات السابقة، الثورات البورجوازية. وفي 9 تشرين الثاني /نوفمبر، كانت صيحة الثورة الأولى، تلك الصيحة التي تماثل في غريزتها صيحة طفل مولود حديثا، من أجل مجالس العمال والجنود. كانت هذه صيحتنا المشتركة، وأننا من خلال المجالس فقط نستطيع أن نأمل في تحقيق الاشتراكية. ولكن الصفة المميزة للمناحي المتناقضة في ثورتنا، للتناقضات التي ترافق كل ثورة هي أنه في الوقت الذي كانت تنطلق فيه هذه الصيحة الغريزية العظيمة المؤثرة كانت الثورة ضعيفة ومفتقرة إلى المبادرة وخلوا من وضوح الأهداف لدرجة أن ثوريينا في 10 تشرين الثاني/نوفمبر سمحوا لنصف أدوات السلطة التي قبضوا على زمامها في 9 تشرين الثاني/نوفمبر أن تفلت من بين أيديهم. إننا نتعلم من ذلك، من جهة، أن ثورتنا خاضعة لقانون الحتمية التاريخية المهيمن، ذلك القانون الذي يضمن لنا أن نتقدم خطوة فخطوة نحو هدفنا برغم كل المصاعب والتعقيدات وعلى الرغم من كل أخطائنا. ومن جهة أخرى يتعين علينا، بمقارنة صيحة المعركة الرائعة هذه مع ندرة النتائج التي تحققت عمليا، أن ندرك أن هذه لم تكن سوى الخطى الأولى الطفولية المترجرجة للثورة التي ينبغي عليها أن تؤدي كثيرا من المهام الصعبة وتقطع طريقا طويلا قبل أن تلوح في الأفق بشائر تحقيق أول الشعارات. لقد كانت الأسابيع التي انقضت بين 9 تشرين الثاني /نوفمبر ويومنا الحاضر مليئة بالأوهام المتعددة الأشكال. والوهم الأول بينها هو وهم العمال والجنود الذين قاموا بالثورة إنه يمكن لهم أن يحققوا الوحدة تحت راية ما كان يدعى الاشتراكية. وليس أكثر دلالة على الضعف الداخلي لثورة 9 تشرين الثاني/نوفمبر من أن قيادة الثورة انتقلت منذ البداية إلى حد كبير إلى أيدي أشخاص كانوا قبل اندلاع الثورة ببضع ساعات يرون أن واجبهم الرئيسي هو إصدار تحذيرات ضد الثورة – (أنصتوا أنصتو !) – هو محاولة جعل الثورة مستحيلة، إلى أيدي أناس مثب إيبرت وشيدمان وهاس. كانت إحدى الأفكار الرئيسية لثورة 9 تشرين الثاني /نوفمبر هي فكرة توحيد الاتجاهات الاشتراكية المختلفة، وكان على هذا التوحيد أن يتم بالتهليل. لقد كان هذا وهما جرى الانتقام منه دمويا، وأدت أحداث الأيام القليلة الماضية إلى استيقاضنا من أحلامنا استيقاضا مريرا، ولكن خداع النفس كان شاملا، فقد ترك أثره على مجموعات إيبرت وشيدمان وعلى البورجوازية وكذلك علينا نحن. وكان الوهم الآخر هو ذلك الذي يتعلق بالبورجوازية في هذا الفصل الافتتاحي للثورة. لقد كانوا يعتقدون أنهم بتركيبة إيبرت-هاس وبما يسمونه الحكومة الاشتراكية يستطيعون أن يكبحوا جماح الجماهير البروليتارية ويخنقوا الثورة الاشتراكية. وكان هناك كذلك وهم آخر هو ذلك الذي عانى منه أعضاء حكومة إيبرت-شيدمان عندما اعتقدوا أنهم بمساعدة الجنود الذين عادوا من الجبهة يستطيعون أن يسيطروا على العمال ويلجموا كل مظاهر النضال الطبقي الاشتراكي. هذه هي الأوهام المتنوعة التي تفسر الأحداث القريبة العهد. ولكن هذه الأوهام تبخرت جميعا. وثبت بوضوح أن الاتحاد بين هاس وإيبرت-شيدمان تحت لواء « الاشتراكية » ليس إلاّ ورقة التين التي تغطي سياسة مضادة للثورة. ونحن أنفسنا كما يحدث عادة في الثورات شفينا من خداعنا لأنفسنا. فهناك اجراء ثوري محدد يمكن به أن يحرر العقل الجماهيري من الأوهام، ولكن هذا العلاج يتضمن لسوء الحظ أن تسيل دماء الشعب. لقد سارت الأحداث في ألمانيا الثورة في خط السير الذي يميز كل الثورات. فقد بيّن سفك الدماء في شارع شوسي في 6 تشرين الأول/أكتوبر ومذبحة 24 كانون الاول/ديسمبر(4) الحقيقة للجماهير الواسعة. فأصبحت الجماهير من خلال هذه الأحداث تعي أن ما يسمى بالحكومة الاشتراكية ليس إلاّ حكومة تمثل الثورة المضادة. أصبحت الجماهير على يقين من أن من يسمح باستمرار الوضع على ما هو عليه إنما يعمل ضد البروليتاريا وضد الاشتراكية (تصفيق). واختفت كذلك الأوهام التي كان يهدهدها السادة إيبرت وشيدمان وشركاهم من أنهم بمساعدة الجنود من الجبهة يستطيعون أن يخضعوا العمال إلى الأبد. فماذا كانت تجارب 6 كانون الاول/ديسمبر و24 منه ؟ أصبح هناك مؤخرا خيبة أمل واضحة بين الجنود، الذين أصبحو ينظرون بعين الشك والريبة إلى من استخدموهم وقودا للمدافع ضد البروليتاريا الاشتراكية. وهنا نرى مرة أخرى كيف يعمل قانون أن الثورة الاشتراكية تمر بتطور موضوعي محدد، القانون الذي تتعلم بموجبه فصائل الحركة العمالية تدريجيا ومن خلال التجربة المريرة أن تدرك السبيل الصحيح إلى الثورة. لقد أتي بمجموعات جديدة من الجنود إلى برلين، كميات جديدة من وقود المدافع، قوى إضافية لاخضاع البروليتاريا الاشتراكية، فكانت النتيجة أن تزايد الطلب من ثكنة إلى أخرى على المنشورات ونشرات جماعة سبارتاكوس. وبهذا ينتهي الفصل الأول. فقد أحبطت إلى حد بعيد آمال إيبرت وشيدمان في السيطرة على البروليتاريا بمساعدة العناصر الرجعية من الجنوذ. وعليهما أن يتوقعا في المستقبل القريب تقدما متزايدا للاتجاهات الثورة الأكيدة في الثكنات، فتكون النتيجة أن يتعزز جيش البروليتاريا المقاتلة وتتلاشى تبعا لذلك القوى المضادة للثورة. ونتيجة لهذه التحولات، سيكون على وهم آخر أن يندثر، ذلك الوهم الذي يبعث الحياة في البورجوازية أي صدرت منذ حوادث 24 تشرين الأول/أكتوبر، لما وجدنا صعوبة في رؤية مظاهر واضحة من الخيبة المقرونة بالغضب لأن خدم البورجوازية الذين يجلسون في مقاعد القوة أثبتو أنهم ضعفاء. (أنصتوا ! أنصتو !). كان يتوقع لايبرت وشيدمان أن يثبتا أنهما رجلان قويان، إنهما مروضان ناجحان للأسود. ولكن ما الذي حققاه ؟ لقد قمعا حادثين طفيفين، فكانت عاقبة ذلك أن رفع تنين الثورة رأسه بقوة أكبر من أي وقت مضى. خيبة أمل، إذن، متبادلة، لا بل شاملة. فقد فقد العمال تماما الوهم الذي أدى بهم إلى الاعتقاد بأن الاتحاد بين هاس وإيبرت-شيدمان سيؤدي إلى حكومة اشتراكية. وفقد إيبرت وشيدمان الوهم الذي أدى بهما إلى الاعتقاد بأنهما سيستطيعان بمساعدة البروليتاريين في البزات العسكرية أن يسيطرا دوما على البروليتاريين في الملابس المدنية. وفقدت الطبقات الوسطى التوهم بأنها عبر اداة إيبرت وشيدمان وهاس تستطيع أن تخادع الثورة الاشتراكية في ألمانيا جميعها في الأهداف التي سوى حطام وخرائب الأوهام المدمرة. ولكن البروليتاريا كسبت في الحقيقة جزيل الكسب لأنه لم يبق وراء المرحلة الأولى من الثورة سوى الأنقاض والخرائب، فما من شيء أكثر تخريبا من الأوهام وما من شيء يفيد الثورة أكثر من الحقيقة العارية. وإنني بهذه المناسبة أستعيد كلمات أحد كتابنا الكلاسيكيين وهو رجل لم يكن بروليتاريا ثوريا بل روحا ثورية تربت في الطبقة الوسطى. أشير هنا إلى ليسنغ واورد من كلامه قطعة طالما أثارت تعاطفي: « لست أعلم ما إذا كان الواجب يقتضي بالتضحية بالسعادة والحياة في سبيل الحقيقة… ولكنني أعلم أم من واجبنا إذا رغبنا في تعلم الحقيقة أن نعلمها كاملة وإلاّ فلا، أن نعلمها بوضوح وصراحة وبلا غموض وبلا تحفظ ملهمين بالثقة الكاملة في قدراتها… فكلما كان الخطأ أكثر فجاجة كلما كان الطريق إلى الحقيقة على الدوام وأن يفعل ذلك بسهولة أكبر تتناسب مع الصعوبة التي تواجهنا في اكتشاف أنه خطأ… إن من يفكر في أن يعطي الانسانية حقائق مغلفة ومزينة قد يكون قوادا للحقيقة ولكنه لن يكون أبدا حبيبا لها ». أيها الرفاق، لقد أراد السادة هيس وديتمان… الخ أن يأتوا لنا بالثورة وأن يحققوا الاشتراكية مغلفة بقناع، غارقة في الزينات فاثبتوا بذالك أنهم قوادو الثورة المضادة. أمّا اليوم فقد القيت كل الأقنعة جانبا، وبأن ما كانوا يقدمون لنا في قسمات السيدين إيبرت وشيدمان الملتهمة القاسية. فلم يعد بإمكان الأكثر خمولا بيننا أن يقترف خطأ. إن ما يقدمون لنا هو الثورة المضادة بكل عريها المثير للتقزز. إنتهى الفصل الأول. فما هي الاحتمالات التالية ؟ ليست المسألة بالطبع مسألة نبوءة. فنحن نأمل فقط أن نستطيع استخلاص النتائج المنطقية لما حدث منضع نتائج تتعلق باحتمالات المستقبل لنستطيع تكييف تاكتيكاتنا لهذه الاحتمالات. إلى أين يبدو أن الطريق تؤدي ؟ هناك بعض الاشارات في أقوال حكومة إيبرت-شيدمان الأخيرة، وهي أقوال ليس فيها من الغموض شيء. ما الذي يحتمل أن تفعله الحكومة المسماة اشتراكية الآن وبعد أن تبخرت كل الأوهام، كما بينت ؟ يوما فيوما تخسر الحكومة باضطراد دعم الجماهير البروليتارية الواسعة، فلم يعد يقف وراءها بالاضافة إلى البورجوازية الصغيرة سوى بقايا قليلة من العمال، ومن المشكوك فيه جدا أن يستمر هؤلاء في منح دعمهم للحكومة وقتا طويلا. كذلك فإن الحكومة تحوز دعم الجيش أكثر فأكثر، ذلك أن الجنود قد بدأوا يطأون طريق النقد الذاتي والتفحص الذاتي، وقد تبدو آثارهذه العملية بطيئة جدا في البداية ولكنها ستؤدي دون أن يستطيع أحد مقاومتها إلى تحلي الجنود في النهاية بعقلية اشتراكية كاملة. أمّا في الوسط البورجوازي فقد خسر إيبرت وشيدمان الثقة هنا أيضا لأنهما لم يثبتا أنهما قويان قوة كافية. فما الذي يستطيع إيبرت وشيدمان أن يفعلاه ؟ سيقومان عما قريب بإنهاء كوميديا السياسة الاشتراكية. فإذا ما قرأنا برنامج هؤلاء السادة الجديدة فإننا سنجد أنهم مندفعون إضطرارا إلى المرحلة الثانية، مرحلة الثورة المضادة المعلنة، ويمكن القور مرحلة إعادة الظروف ما قبل الثورية، أي الظروف التي كانت سائدة قبل ظهور التيار الثوري. ما هو برنامج الحكومة الجديدة ؟ إنه يقترح انتخاب رئيس يكون موقعه وسطا ما بين موقع الملك في إنجلترا وموقع الرئيس في الولايات المتحدة. (أنصتوا ! أنصتوا !). رئيس يكون كما يريدون الملك أيبرت. وهو يقترح ثانيا إعادة إنشاء المجلس الاتحادي. ويمكننا اليوم أن نقرأ المطالب التي وضعتها حكومات جنوب ألمانيا منفردة وكلها تؤكد على الطابع الفيدرالي للعالم الألماني. إن إعادة إنشاء المجلس الفيدرالي الطيب الذكر وبالطبع مع مرافقته الرايشتاغ الألماني ليست إلا مسألة أسابيع فقط. أيها الرفاق، إن أيبرت وشيدمان يتحركان بذلك في اتجاه إعادة الظروف التي كانت قائمة قبل ثورة 9 تشرين الثاني/نوفمبر. ولكنهما بذلك يضعان أقدامهما على منزلق حاد ويحتمل أن لا يمضي طويل وقت ألا ويجدان نفسيهما ملقيان في قصر الهاوية وأطرافهما محطمة. ذلك أنه منذ 9 تشرين الثاني/نوفمبر أصبحت إعادة بناء الظروف التي كانت موجودة قبل 9 شرين الثاني/نوفمبر أمرا قد تخطاه الزمن، وألمانيا اليوم بعيدة أميالا عن هذا الاحتمال. ولكي تستطيع الحكومة الحصول على دعم الطبقة الوحيدة التي تمثلها حقا وهي البورجوازية – ذلك الدعم الذي تراجعت البورجوازية عنه بسبب الأحداث الأخيرة – فإن أيبرت وشيدمان سيجدان أنهما مضطران لاتباع سياسة مضادة للثورة باطراد. إن مطالب الولايات المتحدة الجنوبية، كما نشرتها صحف برلين اليوم، تعبر تعبيرا صريحا عن الرغبة في الحفاظ على سلامة الدولة الألمانية. وهذا يعني بلغة بسيطة أن تفرض حالة الحصار على العناصر "الفوضوية والمشاغبة والبلشفية"، أي على الاشتراكيين. وسيجد أيبرت وشيدمان أنهما مجبران تحت ضغط الظروف على اللجوء إلى الدكتاتورية سواء أعلنت حالة الحصار أم لم تعلن. هكذا، نتيجة لخط التطور السابق وبفعل منطق الأحداث وعبر عمل القوى التي تسيطر على أيبرت وشيدمان، سيكون هناك خلال الفصل الثاني من الثورة تصارع اعنف بكثير بين الاتجاهات وصراع طبقي أكثر حدة بكثير. (أنصتوا ! أنصتوا !). ولن يكون اشتداد حدة الصراع عائدا فحسب إلى التأثيرات السياسية التي عددنها والتي قضت على كل الأوهام، بل أن ذلك سيكون أيضا لأن لهب نار جديدة يتصاعد من الأعماق هو لهب النضال الاقتصادي، فيؤدي ذلك إلى حرب ضروس معلنة بين الثورة والثورة المضادة . كانت الفترة الأولى من الثورة حتى 24 كانون الأول/ديسمبر تتسم بأنها بقيت ثورة سياسية محضة. ومن هنا طابعها الطفولي وعدم كفايتها وخبو حماسها وفقدان هدفها. كان هذا هو طابع المرحلة الأولى من تحول ثوري هدفه الرئيسي يقع في الحقل الاقتصادي، ومقصده الرئيسي أن يحقق تحولا أساسيا في الشروط الاقتصادية، فكانت خطوات الثورة مترجرجة ترجرج الخطوات الأولى لطفل لا يعرف إلى أين تقوده قدماه، وذلك أكرر لأن الثورة كان لها في هذه المرحلة صبغة سياسية محضة , ولكن عددا من الإضرابات نشب تلقائيا تماما في الأسبوعين والثلاثة الأخيرة. وأنا أعتبر أن من جوهر هذه أن تزداد حدة الإضرابات أكثر فأكثر حتى تصبح في الأخير بؤرة الثورة .(تصفيق). وبهذا ستقوم ثورة اقتصادية وبالتالي ثورة اشتراكية. ويجب أن تخاض الثورة بالجماهير وبالجماهير وحدها مع الرأسمالية وجها لوجه، يجب أن تخاض الثورة في كل المهن ويجب أن يخوضها كل بروليتاري ضد كل صاحب عمل. وبهذا وحده تكون ثورة اشتراكية . أما عديمو التفكير فقد كانوا يتخيلون لسير الأمور صورة أخرى .لقد ظنوا أنه لا ضرورة إلا لإسقاط الحكومة القديمة وإقامة حكومة اشتراكية، لتدشن الاشتراكية باصدار المراسيم. أهو وهم أخر ؟ لا يمكن أن تحققها أي حكومة مهما كانت ميولها اشتراكية. يجب أن تصنع الجماهير الاشتراكية، يجب أن يصيغها كل بروليتاري. هذه وحدها هي الاشتراكية، وبهذا وحده يمكن للاشتراكية أن تخرج إلى حيز الوجود. ما هو الشكل الخارجي للنضال في سبيل الاشتراكية ؟ إنه الإضراب وهذا هو السبب في أن المرحلة الاقتصادية من التطور قد قفزت إلى المقدمة في الفصل الثاني من الثورة. وهذا أمر يمكن لنا أن نهنئ أنفسنا عليه، فما من أحد سينازعنا هذا الشرف. نحن جماعة سبارتاكوس، نحن الحزب الشيوعي لألمانيا، نحن الوحيدون في كل ألمانيا من يقف إلى جانب العمال المضربين والمناضلين. (أنصتوا ! أنصتوا !). لقد قرأتم وشاهدتم المرة تلو الأخرى موقف الاشتراكيين المستقلين من الإضرابات .ولم يكن هناك فرق بين نظرة "فوروارتز" ونظرة "فرايهايت" فقد كانت الصحيفتان تغنيان النغمة ذاتها: كونوا مجدين، فالاشتراكية تعني العمل الشاق. هكذا كانوا يقولون بينما الرأسمالية لا تزال مسيطرة ! لا يمكن أن تتحقق الاشتراكية هكذا بل فقط بالقيام بنضال متواصل ضد الرأسمالية. ومع ذلك نرى أن دعاوى الرأسمالية يدافع عنها لا المستقلون فحسب، بل أيضا الاشتراكيون المستقلون ولسان حالهم "فرايهايت"، ونجد أن حزبنا الشيوعي يقف وحيدا في دعم العمال ضد إبتزازات الرأسمالية. ويكفي هذا دليلا على أن الجميع اليوم أعداء دائمون للإضراب عدا أولئك الذين يقفون معنا على أرض الشيوعية الثورية . النتيجة التي تستخلص من ذلك ليست فقط أن الإضرابات سيتزايد انتشارها في الفصل الثاني من الثورة ولكن أيضا أن الإضرابات ستكون السمة المركزية والعوامل الحاسمة في الثورة، فتدفع إلى الخلف المسائل السياسية المحضة. وستكون النتيجة الحتمية لذلك احتدام الصراع في الحقل الاقتصادي ،فتتخذ الثورة بذلك أشكالا لن تكون مسخرة بالنسبة للبورجوازية. إن أفراد الطبقة الرأسمالية يستسيغون التعميات في الحقل السياسي حيث لا يزال للمقنعين مجال، حيث يستطيع أمثال أيبرت وشيدمان أن يبدوا اشتراكيين، ولكنهم يصابون بالذعر حالما تلمس الأرباح. وإذن سيضع الرأسماليين حكومة أيبرت ـ شيدمان أمام الاختيار التالي: "أما أن تضعي حدا للإضرابات وتوقفي حركتها التي تتهددنا بالدمار ولا يعود لنا بك حاجة" إنني أعتقد حقا أن الحكومة قد أحلت اللعنة على نفسها تماما بالإجراءات السياسية التي اتخذتها.ويعتري أيبرت وشيدمان الضيق لان البورجوازية لم تعد تمنحهم ثقتها. وسيفكر الرأسماليون مرتين قبل أن يقرروا لف أيبرت، الذي ارتفع في البداية من الحضيض، بالفراء .ذلك أنه إذا ما وصلت الأمور إلى حد احتاجوا معه إلى ملك فإنهم حينئذ سيقولون "لا يكفي أن تكون يدا الملك مخضبتان بالدم، بل يجب أيضا أن يجري في عروقه دم أزرق."(اسمعوا ! اسمعوا !) إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد فإنهم سيقولون "إذا كنا بحاجة إلى ملك، فلن يكون حديث نعمة لا يعرف كيف يسلك سلوكا ملكيا" .(ضحك). سيأتي أيبرت وشيدمان إلى نقطة ستبرز فيها الحركة المضادة للثورة. فلن يكون بوسعهما أن يطفئا نيران الصراع الطبقي الاقتصادي، ولن يستطيعا بكل جهودهما الحثيثة أن يرضيا البورجوازية. وستكون هناك محاولة يائسة للقيام بثورة مضادة، ربما بإقامة دكتاتورية عسكرية في ظل هيندمان، وربما ستبرز الثورة المضادة نفسها في شكل آخر، ولكن على أية حال سيلجأ بطلينا إلى الغابات .(ضحك). من المستحيل أن يحدد المرء التفاصيل بدقة، ولكننا الآن أمام مسائل تفصيلية، أمام مسألة ماذا سيحدث بالضبط وحتى سيحدث ذلك بالضبط. يكفينا أن نعرف الخطوط العريضة للتطورات القادمة. يكفينا أن نعرف أنه ستتبع الفصل الأول من الثورة أي المرحلة التي كان فيها النضال السياسي غالبا. ستتبع مرحلة يغلب عليها احتدام النضال الاقتصادي، وأن حكومة أيبرت وشيدمان ستأخذ مكانها في الظل عاجلا أم آجلا. من الصعب بمكان أن نحدد ما الذي سيحدث للجمعية الوطنية في الفصل الثاني من الثورة. ولربما تثبت الجمعية الوطنية، إذا خرجت إلى حيز الوجود، إنها مدرسة جديدة لتعليم الطبقة العاملة. أقول هذا لأنه يحتمل أن لا تخرج الجمعية الوطنية إلى حيز الوجود أبدا. دعوني أقول بالمناسبة لأعينكم على فهم الأسس التي كنا عليها ندافع عن موقفنا البارحة أننا كنا نعترض على قصر تاكتيكنا على اختيار واحد. ولا أريد أن أجدد النقاش ثانية، ولكنني سأقول كلمة واثنتين لئلا يتخيل البعض أنني أناقض نفسي في جملة واحدة. إن موقفنا اليوم هو ذاته موقف البارحة. إننا لا نريد أن نقيم تاكتيكنا بالعلاقة مع الجمعية الوطنية على ما هو احتمال غير مؤكد. ونحن أيضا نرفض أن نعلق كل شيء على الاعتقاد بأن الجمعية الوطنية لن تأتي إلى الوجود إطلاقا .إننا نرغب في أن نكون مستعدين لكل الاحتمالات، بما فيها احتمال استخدام الجمعية الوطنية لأغراض ثورية إذا أتت الجمعية إلى الوجود. ولا يهم إذا أتت الجمعية ولم تأت، ذلك أنه مهما حدث فسيكون نجاح الثورة مؤكدا. ما هي، إذا، البقايا التي ستتخلف من حكومة أيبرت ـ شيدمان وأي حكومة اشتراكية ديمقراطية تكون في الحكم عندما تنشب الثورة ؟ سبق أن قلت أن جماهير العمال قد أصبحت غريبة عنهم وأنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على الجنود كوقود لمدافع الثورة المضادة. فما الذي يستطيع هؤلاء الأقزام التاعسون أن يفعلوه ؟ بأي طريقة يأملون في إنقاذ الموقف ؟ سيكون لديهم فرصة واحدة فقط .أن من قرأوا منكم صحف اليوم رأوا أين يكمن احتياطيهم النهائي، وعلموا من تريد الثورة المضادة الألمانية أن تستخدم ضدنا إذا ما جد الجد .و لابد أن هؤلاء منكم قد قرأوا كيف تتقدم القوات الألمانية في الريغا جنبا إلى جنب مع الإنجليز ضد البلاشفة الروس .أيها الرفاق، بين يدي الآن وثائق تلقي أضواء على ما يجري الآن في الريغا. وكل هذه الوثائق تعود لقيادة الجيش الثامن الذي يتعاون مع السيد أوغست وينيغ الاشتراكي الديمقراطي الألماني والقائد العمالي. كان يقال لنا دائما أن أيبرت وشيدمان السيئا الحظ هما ضحية الحلفاء ولكن سياسة "فوروارتز" ما فتئت على مدى أسابيع منذ بداية ثورتنا تشير إلى أن القضاء على الثورة الروسية هو رغبة الحلفاء الملحة. ونحن نملك أدلة وثائقية تبين كيف أن هذا كله قد أعد لإلحاق الأذى بالبروليتاريا الروسية وبالثورة الألمانية. ففي برقية مؤرخة في 26 كانون الأول/ديسمبر يعطي المقدم بيركز رئيس أركان الجيش الثامن معلومات حلو المفاوضات التي أدت إلى هذه الاتفاقية بصدد الريغا، تقول البرقية:
"في 23 كانون الأول/ديسمبر جرت محادثة بين المبعوث الألماني وينيخ
والمبعوث البريطاني الذي كان سابقا القنصل العام في الريغا. وقد حدثت
المقابلة على ظهر السفينة "الأميرة مارجريت" ودعي الضابط القائد للقوات
الألمانية إلى الحضور. فعينت ممثلا لقيادة الجيش. وكان غرض المحادثة
المساعدة على تطبيق شروط الهدنة. جرى الحديث التالي: دعونا نرى أجوبة السيد وينيغ، المبعوث الألماني والقائد النقابي: "على الرغم من أنه ليس من المعتاد أن يعبر عن الرغبة في جعل حكومة تحتفظ باحتلالها لدولة أجنبية، فإن رغبتنا في هذه الحالة أن نفعل كذلك، فالمسألة هي مسألة حماية الدم الألماني (بارونات البلطيق) وعدا ذلك فإننا نعتبر مساعدة بلد حررناه من حالة الخضوع التي كان يعيشها واجبا أخلاقيا. ولكن جهودنا يمكن أن تحبطها أولا حالة القوات، لأن جنودنا في هذه المنطقة مسنون في معظمهم، وغير لائقين للخدمة نسبيا، كما أنهم بسبب الهدنة متلهفون على العودة إلى الوطن ولا يملكون إلا القليل من إرادة القتال، وثانيا موقف حكومات البلطيق التي تعتبر الألمان مضطهدين. ولكننا سنفعل ما في وسعنا لتجهيز قوات متطوعة تتكون من رجال ذوي روح قتالية عالية. وهذا ما فعلناه جزئيا." هنا نرى الثورة المضادة وهي تعمل. ولابد أنكم قرأتم قبل وقت ليس بالبعيد عن تشكيل "الفرقة الحديدية" التي أعدت كما أعلن لقتال البلاشفة في مقاطعات البلطيق. وقد كان في ذلك الحين بعض الشك تجاه موقف حكومة أيبرت ـ شيدمان. ولكنكم الآن لا بد تعرفون أن المبادرة في خلق هذه القوة قد أتت فعليا من الحكومة. كلمة أخرى تتعلق بوينيغ. ليس صدفة أن يقوم قائد اتحاد عمالي بهذه الخدمات السياسية. ونستطيع أن نقول بلا تردد أن قادة اتحادات العمال الالمان وقادة الاشتراكية الديمقراطية هم اكثر الأوغاد الذي عرفهم العالم سوء سمعة. (تصفيق صاخب). أتعلمون أين يجب أن يكون هؤلاء الأشخاص حقا، وينيغ وأيبرت وشيدمان ؟ ينبغي بحسب قانون العقوبات الألماني الذي يقولون أنه لا يزال نافذ المفعول والذي لا يزال أساس نظامهم القانوني، ينبغي أن يكونوا في السجن. (تصفيق صاخب). ذلك أن استخدام الجنود الألمان للخدمة الأجنبية جناية يعاقب عليها بالسجن بحسب قانون العقوبات الألماني. وهكذا نجد اليوم على رأس الحكومة "الاشتراكية" في ألمانيا رجالا يلعبون دور يهوذا الحكومة الاشتراكية ودور الخونة لثورة البروليتارية ،بل رجال يستحقون أن يكونوا في السجن لأنهم غير لائقين للإختلاط بالمجتمع المحترم (تصفيق مرتفع). فلنواصل بحثنا، من الواضح أن كل هذه المكائد وتكوين "الفرق الحديدية" وفوق كل شيء الاتفاق الذي سبق ذكره مع الإمبرياليين البريطانيين يجب أن تعتبر احتياطات نهائية تستدعي حين الحاجة لخنق الحركة الاشتراكية الألمانية. عدا ذلك، فإن المسألة الرئيسية، مسألة السلام، مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا الموضوع. فما الذي يمكن أن تؤدي إليه مفاوضات كهذه غير إشعال أوار الحرب من جديد ؟ وبينما يمثل هؤلاء الأوغاد علينا كوميديا في ألمانيا، محاولين أن يجعلونا نصدق أنهم يفعلون أكثر من طاقتهم ليرتبوا شروط السلام، ويعلنون أننا نحن السبارتاكيون نتهدد السلام ونفعل ما يزعج الحلفاء ويعطل التسوية السلمية، يقومون هم أنفسهم بإشعال نار الحرب من جديد، حرب في الشرق سرعان ما تتبعها حرب على الأرض الألمانية. إننا مرة أخرى نواجه حالة ستكون عاقبتها بالتأكيد حربا ضروسا. ولذا يتعين أن نذود لا عن الاشتراكية فحسب ولا عن الثورة فحسب، بل أيضا عن مصالح السلام العالمي. وهنا نجد تبريرا للتاكتيكات التي اتبعناها نحن جماعة سبارتاكوس باستمرار وكل ما سنحت الفرصة على امتداد سنوات الحرب الأربع الماضية. السلام يعني ثورة البروليتاريا على النطاق العالمي. وليس هناك من وسيلة لإقامة السلام وصيانته سوى انتصار البروليتاريا الاشتراكية (تصفيق طويل). ما هي الاعتبارات التاكتيكية التي يجب أن نستنتجها من هذا ؟ كيف يمكننا أن نعالج الوضع الذي قد نجابهه في المستقبل القريب بأفضل الوسائل ؟ سيكون استنتاجكم الأول بلا شك الأمل في أن يكون سقوط حكومة أيبرت ـ شيدمان وشيك الوقوع وأن تأخذ مكانها حكومة ثورية بروليتارية اشتراكية معلنة. أما أنا فأود أن أطالبكم بتوجيه اهتمامكم نحو القاعدة لا نحو القمة. إذ يجب علينا أن لا نقع ثانية في وهم المرحلة الأولى من الثورة وهم 9 تشرين الثاني/نوفمبر، علينا أن لا نظن أنه يمكن لنا عندما نريد القيام بثورة اشتراكية أن نطيح بالحكومة الرأسمالية ونضع حكومة أخرى مكانها. هناك طريقة واحدة فقط لإحراز انتصار الثورة الاشتراكية. ينبغي علينا أن نبدأ بإضعاف حكومة أيبرت ـ شيدمان بتدمير أساساتها عبر النضال الثوري الجماهيري من جانب البروليتاريا. عدا ذلك، دعوني أذكركم ببعض نواحي النقص في الثورة الألمانية، تلك النواحي التي لم يتم التغلب عليها في ختام الفصل الأول من الثورة. لا زلنا بعيدين عن الوصول إلى النقطة التي تضمن فيها الإطاحة بالحكومة انتصار الاشتراكية. ولقد حاولت جهدي أن أبين لكم أن ثورة أكتوبر كانت، قبل كل شيء، ثورة سياسية، بينما يجب أن تكون الثورة التي ستحقق أهدافنا ثورة اقتصادية بشكل رئيسي وبالإضافة إلى ذلك. وإلى ذلك، كانت الحركة الثورية مقتصرة على المدن،وحتى يومنا الحاضر لم تمس المقاطعات الريفية عمليا. وستكون الاشتراكية وهمية إذا تركت النظام الزراعي الراهن دون تغيير. فمن وجهة النظر العريضة للاقتصاد الاشتراكي لا تمكن إعادة تنظيم الصناعة إلا إذا تم الإسراع في ذلك عبر التحويل الاشتراكي للزراعة. إن الفكرة الأساسية في التحويل الاقتصادي الذي سيحقق الاشتراكية هي إلغاء الفصل والتناقض بين المدينة والريف. فهذا الفصل، هذا التناقض، هذا التصادم ليس إلا ظاهرة رأسمالية محضة يجب أن تختفي حالما نضع أنفسنا على عتبة الاشتراكية. وإذا أردنا أن تجري عملية إعادة البناء الاشتراكية بجدية حقيقية، فإن علينا أن نوجه اهتمامنا إلى الريف بقدر ما نوجهه إلى المراكز الصناعية، ومع ذلك فإننا لم نخط حتى الخطوة الأولى في الاتجاه الأول. إن هذا أمر هام، ليس فحسب لأننا لا نستطيع أن نقيم الاشتراكية دون تشريك الزراعة، بل أيضا لأننا بينما نظن أننا سوينا حسابنا حتى آخر احتياطي للثورة المضادة لنا ولجهودنا، فالفلاحون يشكلون احتياطا إضافيا للبورجوازية المضادة للثورة لأنهم بالضبط لم يمسوا من جانب الاشتراكية. وأول ما سيفعله أعداؤنا عندما يبدأ شواظ الإضرابات الاشتراكية في لسع أقدامهم هو تعبئة الفلاحين الذين يقدسون الملكية الخاصة بتعصب. إن هناك طريقة واحدة لمقارعة هذه القوة المضادة للثورة التي تتهددنا: يجب علينا أن نحمل الصراع الطبقي إلى المقاطعات الريفية، يجب علينا أن نعبئ البروليتاريا التي لا تملك أرضا والفلاحين الأكثر فقرا ضد الفلاحين الأغنياء (تصفيق مرتقع). ينبغي علينا أن نستنتج من هذا الاعتبار ما يتوجب علينا فعله لنضمن نجاح الثورة. أولا وقبل كل شيء، يجب أن نعمم نظام مجالس العمال في كل الاتجاهات. وما أخذناه عن تشرين الثاني/نوفمبر لا يتعدى بدايات ضعيفة، حتى أننا لم نأخذ هذه البدايات كاملة. فقد خسرنا خلال المرحلة الأولى من الثورة قوى هائلة كنا قد كسبناها في البداية الأولى. وأنتم تعرفون أن الثورة المضادة قد دأبت على تدمير نظام مجالس العمال والجنود. ففي هيس ألغيت هذه المجالس من قبل الحكومة المضادة للثورة، وفي ما عدا ذلك من الأمكنة انتزعت السلطة من أيديها. ولذا فإنه لا يتعين علينا أن نطور نظام مجالس العمال والجنود فحسب، بل أن نحث العمال الزراعيين والفلاحين الفقراء على تبني هذا النظام. إن علينا أن نستولي على السلطة، ومسألة الاستيلاء على السلطة تتخذ هذا الاتجاه: ماذا يستطيع كل مجلس عمالي وكل مجلس جنود على امتداد ألمانيا أن يحقق ؟ (برافو !) هنا يكمن مصدر السلطة، يجب علينا أن نلغم الدولة البورجوازية ويتعين علينا أن نفعل ذلك بأن ننهي في كل مكان الانفصام بين السلطات العمة، الانفصام بين السلطات التنفيذية والتشريعية. يجب أن تتوحد هذه السلطات في أيدي مجالس العمال والجنود. أيها الرفاق، إن أمامنا حقلا واسعا تتعين علينا حراثته. علينا أن نبني من أسفل إلى أعلى حتى تستجمع مجالس العمال والجنود قوة تصبح بها الإطاحة بحكومة أيبرت-شيدمان وأي حكومة شبيهة مجرد فصل نهائي في الدراما. فالاستيلاء على السلطة لا يتحقق لنا بضربة واحدة، بل سيكون ذلك عملا مطردا، ذلك أننا سنحتل باطراد كل مواقع الدولة الرأسمالية مدافعين بشراسة عن كل موقع نستولي عليه. إلى ذلك، في رأيي وفي رأي أقرب الرفاق في الحزب إلي أن مجالس العمال ستقوم بالنضال الاقتصادي أيضا. إذ يجب أن تكون تسوية المسائل الاقتصادية والتوسيع المستمر لمساحة هذه التسوية، يجب أن تكون في أيدي مجالس العمال. ويجب أن يكون للمجالس كل السلطات في الدولة. ينبغي علينا أن نوجه نشاطاتنا في المستقبل القريب إلى هذه الأهداف، ومن الواضح أننا إذا اتبعنا هذا الخط فلن نفشل في تشديد النضال إلى حد كبير وفورا. ذلك أنه يجب أن تنتقل كل سلطات الدولة جزءا فجزءا من البورجوازية إلى مجالس العمال والجنود، وذلك بالنضال المباشر خطوة فخطوة في كل مقاطعة وفي كل مدينة وفي كل قرية وفي كل حي. ولكن قبل أن تتخذ هذه الخطوات يجب أن يربى ويضبط أعضاء حزبنا والبروليتاريا عموما. فحتى في الأماكن التي توجد فيها مجالس العمال والجنود، لا تزال هذه المجالس غير متفهمة بعد للأغراض التي وُجدت من أجلها. (أنصتوا ! أنصتوا !) يجب علينا أن نجعل الجماهير تعي أن مجالس العمال والجنود يجب أن تكون المظهر الرئيسي لآلة الدولة، وأنها يجب أن تركز كل السلطات في داخلها، وأن تستخدم كل السلطات لتحقيق هدف عظيم هو القيام بالثورة الاشتراكية. إن العمال المنظمين اليوم في مجالس العمال والجنود لا يزالون بعيدين عن تبني نظرة كهذه، وليست المهام التي تقع على عاتق هذه المجالس واضحة إلا لأقليات بروليتارية معزولة. ولكن ما من سبب يدعو إلى شكوى ذلك، فهذا هو الوضع الطبيعي للأمور. يجب أن تتعلم الجماهير كيف تستخدم السلطة باستخدامها للسلطة، وليست هناك من طريقة أخرى. لقد تقدمنا منذ تلك الأيام التي كان يقترح فيها علينا أن "نثقف" البروليتاريا اشتراكيا وذلك مدعاة للسرور. ولكن يبدو أن الماركسيين من المدرسة الكاوتسكية لا يزالون يعيشون تلك الأيام التي ولت. لقد كان المعني بتثقيف الجماهير اشتراكيا إلقاء المحاضرات عليهم وتوزيع النشرات والكتيبات بينهم. ولكن ليس بهذه الوسيلة يثقف البروليتاريون. سيتعلم العمال اليوم في مدرسة العمل. (أنصتوا ! أنصتوا !) انجلينا يقول: في البدء كان الفعل. ويعني الفعل بالنسبة لنا أن تعي مجالس العمال والجنود رسالتهم وتتعلم كيف تصبح السلطة العامة الوحيدة في البلاد جميعا. هكذا فقط نستطيع أن نمهد السبيل فعالا فنجعل كل شيء جاهزا للثورة التي ستتوج عملنا. لقد تعمد بعضنا أن يقول لكم البارحة وهو يعي بوضوح أهمية كلماته "هل تظنون أن الأمور ستكون سهلة لكم في المستقبل ؟". لقد ظن بعض الرفاق خطأ أنني أفترض أننا نستطيع مقاطعة الجمعية الوطنية ثم نركن إلى الخمول. إن من المستحيل بالنظر إلى الوقت الذي تبقى لنا أن أبحث هذه المسألة بحثا كاملا، ولكن دعوني أقول أنني لم أحلم قط بشيء كهذا .لقد كنت أعني أن التاريخ لن يجعل ثورتنا أمرا سهلا كالثورات البورجوازية. فقد كان يكفي في هذه الثورات أن يطاح بالسلطة الرسمية في المركز ويستبدل عشرة ونحو ذلك من الأشخاص في المسؤولية .و لكن علينا أن نعمل من أسفل وهنا يتبدى الطابع الجماهيري لثورتنا التي تهدف إلى تحويل كل بنية المجتمع. هكذا فإن ما يميز الثورة البروليتارية الحديثة هو أننا يجب أن نتم الاستيلاء على السلطة لا من أعلى بل من أسفل. لقد كان التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر محاولة نصف متحمسة نصف واعية ومشوشة لقلب السلطة العامة القائمة وإنهاء حكم الملكية. وما يقع على عاتقنا الآن هو أننا يجب أن نتعمد تركيز كل قوى البروليتاريا في هجوم على أسس المجتمع الرأسمالي ذاتها. وهناك في الجذر، حيث يواجه صاحب العمل الفرد عبيد الأجر، في الجذر حيث تواجه كل الأجهزة التنفيذية لحكم الملكية الخاضعين لهذا الحكم، تواجه الجماهير. هناك يجب أن نستولي على وسائل السلطة من الحكام رويدا رويدا. وقد يبدو أن العملية ستكون بهذه الأساليب متعبة أكثر مما تخيلنا أولا عندما اخذ بنا الحماس. ولكنني أعتقد أن علينا أن نكون واضحين تماما تجاه العقبات والتعقيدات التي تقف في سبيل الثورة. ذلك أنني آمل في حالتكم كما في حالتي أن لا تذهب المهام المتزايدة التي نواجهها بالحماس ولا تشل الطاقة. بل على العكس من ذلك، كلما كانت المهمة أعظم، كلما كان استجماعنا لقوانا أكثر إتقادا بالحماس. كذلك علينا أن لا ننسى أن الثورة قادرة أن تفعل فعلها بسرعة غير معتادة. ولن أحاول أن أتنبأ بالوقت الذي سيستغرقه ذلك. فمن منا يحسب للزمن حسابا، ما دامت حياتنا تكفي لتحقيق ذلك ؟ حسبنا أن نعرف بوضوح ماذا يتعين علينا أن نفعل، ولقد حاولت بأفضل ما أستطيع أن أرسم العمل الذي ينتظرنا بخطوطه العريضة (تصفيق صاخب). (1) ثورة فبراير في باريس 23-25
شباط /فبراير 1948: الاطاحة بحكم لويس فيليب وانتصار البورجوازية
الليبرالية والعمال على الملكية و المتمولين و الصناعيين الكبار وإعلان
الجمهورية الثانية. (2) بموجب سلام فرانكفورت 10 أيار
/ماي 1871، دفعت فرنسا 5 آلاف مليون فرنك لألمانيا. وقد أعطى هذا
للثورة الصناعية في ألمانيا دفعة قوية. (3) 9 تشرين الثاني /نوفمبر 1918
كان اليوم الذي تخلى فيه فيلهلم الثاني عن العرش. الأحداث التي أدت إلى
ذلك هي باختصار ما يلي: (4) 6 كانون الاول/ديسمبر: أطلقت
النار بناء على أوامر من أوتو فيلز، الاشتراكي الديموقراطي، على تظاهرة
في برلين الشمالية. قتل في هذا الحادث 16 من أعضاء سبارتاكوس وجرح 12. |