لقد بدأنا دراستنا حول قانون الأجور بالحديث عن شراء وبيع سلعة «قوة العمل». ومن أجل هذا ينبغي أن يكون ثمة بالفعل بروليتاري أجير لا يملك وسائل إنتاج ورأسمالي يملك من تلك الوسائل ما يكفيه لتأسيس مشروع حديث. فمن أين أتى هذان قبل ظهورهما في سوق العمل؟ في العرض الذي قدمناه أعلاه لن نر أمامنا إلا منتجي السلع، أي الأشخاص الذين يمتلكون وسائل الإنتاج الخاصة بهم وينتجون بأنفسهم سلعهم ويتبادلونها. فكيف لتبادل السلع ذات القيمة المتساوية أن يخلق من جهة رأسمالا ومن الجهة الأخرى حرمانا تاما؟ إن شراء سلعة «قوة العمل»، حتى وبقيمته التامة، يؤدي عبر استخدام هذه السلعة إلى تكون العمل غير المدفوع أو فائض القيمة، أي رأس المال. والحقيقة أن تشكل رأس المال والتفاوت ينجلي إن نحن تفحصنا العمل المأجور وآثاره. ومن أجل هذا ينبغي أن يكون الرأسمال والبروليتاريون موجودين فعلا! عندئذ يكون السؤال هو التالي: من أين يأتي أول البروليتاريين وأول الرأسماليين؟ وكيف حدثت القفزة الأولى من الإنتاج السلعي البسيط إلى الإنتاج الرأسمالي؟ وبكلمات أخرى: كيف تم الانتقال من حرفية القرون الوسطى إلى الرأسمالية الحديثة؟.
إن تاريخ تفكك الإقطاعية يعلمنا حول تكون أول بروليتاري حديث. فلكي يمكن للعامل أن يظهر في السوق كعامل أجير، كان ينبغي عليه قبل أي شيء آخر أن يحصل على حريته الشخصية. إذن فأول الشروط كان إلغاء القنانة والمنغلقات الحرفية. وكان ينبغي كذلك على العامل أن يخسر كل أداة من أدوات الإنتاج. ولقد حدث هذا الأمر عند بدايات العصور الحديثة، حين شكلت النبالة مالكة الأراضي الملكيات الحديثة. لقد طُرد الفلاحون بالألوف من أراضيهم التي كانوا يمتلكونها منذ قرون وقرون، والأراضي المشاعية تحولت إلى أراض يملكها السادة. والنبالة الإنكليزية أحدثت هذا التحول حين صورت لها ازدهار التجارة في العصور الوسطى وانطلاقة صناعة الصوف في مناطق الفلاندر، رعاية الماشية (الخزاف) بوصفها صفقة بالغة الأهمية بالنسبة إلى صناعة الصوف. وهكذا في سبيل تحويل الأراضي الزراعية إلى مراع للخراف طُرد الفلاحون من أراضيهم ومن مزارعهم. ولقد استمر هذا الأمر في إنكلترا منذ القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر. ففي السنوات 1814-1820، وفي أراضي الكونتيسة ساذرلاند مثلا تم طرد 15 ألف نسمة أحرقت قراهم وحولت حقولهم إلى مراع عاش فيها بدلا منهم 131 ألف خروف. ويعطينا وولف في كتابه المعنون «المليارات السيليزية» فكرة عن كيفية تحويل المزارعين إلى «بروليتاريين أحرار»، في ألمانيا وخاصة على يد النبالة البروسية. يومها حدث للعمال الأحرار حرية الهواء، والذين لتا يمتلكون أية أدوات، حدث لهم أنهم لم يعودوا يمتلكون سوى حرية الموت جوعا أو بيع أنفسهم مقابل أجر يقيهم الجوع فقط، هذا لأنهم كانوا أحرارا[1] .
[1]. في نهاية هذا الفصل أوردت روزا بالقلم الكلمات التالية: الإصلاح: ب. ل 283 س. س. تكون العبد المأجور الحديث، على النمط السيكولوجي، انطلاقا من المتسول المضطهد. ب. ل 3500.