7- التطور الاقتصادي و الاشتراكية |
|||
لقد كان أكبر كسب أحرزته الحركة الاشتراكية النامية هو اكتشاف نقاط انطلاق تحقيق الاشتراكية في الوضع الاقتصادي للمجتمع الرأسمالي. ونتيجة لهذا الاكتشاف تحولت الاشتراكية من « مثال » حلمت به الانسانية آلاف السنين إلى ضرورة تاريخية. ينكر برنشتاين وجود الشروط الاقتصادية للاشتراكية في مجتمع اليوم. وقد تعرض تفكيره بسبب من ذلك إلى تطور ملفت للنظر. ففي البداية، أبدى برنشتاين ببساطة في « نيوزايت » شكه بسرعة عملية التمركز في الصناعة، وبنى موقفه على مقارنة للاحصاءات الوظائفية في ألمانيا في 1882 و1895، ولكي يستطيع برنشتاين استعمال الأرقام لخدمة غرضه، فقد اضطر إلى اللجوء إلى أسلوب مقتضب وميكانيكي. ولم يكن برنشتاين ليستطيع في أحسن الأحوال وحتى ببرهانه لثبات المشاريع المتوسطة الحجم أن يضعف التحليل الماركسي قيد شعرة، لأن التحليل الماركسي لا يفترض وتيرة محددة لتمركز الصناعة –أي تأخير محددا لتحقيق الاشتراكية، ولا يفترض كما بيّنا الاختفاء المطلق لرأس المال الصغير، الذي يوصف عادة باختفاء البورجوازية الصغيرة. لكن برنشتاين، عبر التطور اللاحق لأفكاره، يأتينا في كتابه بنوع جديد من البراهين هو احصائيات الشركات المساهمة. فيستخدم هذه الاحصائيات ليبرهن أن عدد مالكي الأسهم يزداد باضطراد ونتيجة لذلك تكبر الطبقة الرأسمالية ولا تصغر. إن غربة برينشتاين عن المادة التي يعالجها أمر مثير للدهشة، كما يثيرها عجزه عن استخدام الاحصائيات الموجودة في صالحه. ذلك أنه كان على برنشتاين أن يلجأ إلى الأرقام مختلفة تماما، إذا كان يريد نقض قانون ماركس في التطور الرأسمالي بالإشارة إلى وضع الشركات المساهمة. فكل من يملك أدنى فكرة عن تاريخ الشركات المساهمة في ألمانيا يعرف أن معدل رأسمالها عند التأسيس يتناقص باستمرار تقريبا. هكذا، بينما كان معدل رأس المال التأسيسي قبل العام 1871 يصل إلى 10,8 مليون مارك، فإنه اقتصر على 4,01 مليون مارك في عام 1871 و3,8 مليون مارك في عام 1873، وأقل من مليون من العام 1882 إلى العام1887 و0,52 مليون عام 1891، و0,62 مليون فقط عام 1892. وتأرجحت الأرقام بعد هذا التاريخ حول 1 مليون مارك فهبطت إلى 1,78 في العام 1895 و1,19 خلال النصف الأول من العام 1897 4. يا لهذه الأرقام ! لقد أمل برنشتاين بالاستناد إلى هذه الأرقام في اثبات وجود اتجاه معاكس للماركسية يتمثل في إعادة تحويل المشاريع الكبيرة إلى مشاريع صغيرة. لكن الجواب الواضح على هذه المحاولة هو التالي: إذا أردت أن تثبت شيئا ما بالاستناد إلى هذه الأرقام، فإن عليك أولا أن تثبت أنها تتعلق بالفروع ذاتها من الصناعة. عليك أن تبين أن المشاريع الصغيرة تحل فعلا محل المشاريع الكبيرة، وأنها لا تظهر بدلا من ذلك حيث كانت المشاريع الصغيرة وحتى الصناعة الحرفية سائدة من قبل. لكنك لا تستطيع إثبات ذلك. لأن الانتقال الاحصائي من الشركات المساهمة إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم لا يمكن أن يفسر إلاّ بالاشارة إلى استمرار نظام الشركات المساهمة في التغلغل إلى فروع جديدة من الانتاج. فلقد كان عدد قليل من المشاريع الكبيرة ينظم قبلا كشركات مساهمة، لكن نظام المساهمة كسب تدريجيا المشاريع المتوسطة الحجم وحتى الصغيرة. فنرى اليوم شركات مساهمة رأس مالها أقل من ألف مارك. والآن، ما هي الأهمية الاقتصادية لتوسع نظام الشركات المساهمة ؟ اقتصاديا يمثل امتداد الشركات المساهمة التشريك المتنامي للإنتاج في الشكل الرأسمالي – لا تشريك الإنتاج الكبير فحسب بل المتوسط والصغير أيضا. لذا فإن اتساع المساهمة لا يتناقض مع النظرية الماركسية، بل هو على العكس من ذلك يؤكدها. ما الذي تعنيه ظاهرة الشركة المساهمة فعلا ؟ إنها تمثل من ناحية توحيد عدد من الثروات الصغيرة لتكون رأس مال إنتاجي كبير، وهي من الناحية الأخرى تمثل انفصال الإنتاج عن الملكية الرأسمالية، أي أن هذه الظاهرة انتصار مزدوج على نمط الإنتاج الرأسمالي، ولكنه انتصار لا يزال على القاعدة الرأسمالية. لذا ما معنى الاحصائيات التي أوردها برنشتاين، والتي تدل على أن عددا متزايدا باستمرار من حاملي الأسهم يشارك في المشاريع الرأسمالية ؟ إن هذه الإحصائيات تبين بالضبط ما يلي: إن المشروع الرأسمالي في الوقت الحاضر لا يتفق مع مالك فرد لرأس المال، كما كان الحال سابقا، بل يتفق مع عدد من الرأسماليين. ونتيجة لذلك لم يعد المفهوم الاقتصادي لـ« الرأسمالي » يدل على فرد منفرد، فالرأسمالي الصناعي الحديث شخص جماعي (هيئة جماعية – المترجم) مكوّن من مئات وحتى آلاف الأفراد. لقد أصبحت مقولة « رأسمالي » ذاتها مقولة اجتماعية، فقد أصبحت (مشتركة) ولكن ضمن إطار المجتمع الرأسمالي. في هذه الحالة، كيف يمكننا أن نفسر اعتقاد برنشتاين أن ظاهرة الشركات المساهمة تمثل تشتت وليس تركز رأس المال ؟ لماذا يرى برنشتاين اتساع الملكية الرأسمالية بينما رأي ماركس انقضاءها ؟ إن هذه غلطة اقتصادية بسيطة. فبرنشتاين لا يعني بـ« رأسمالي » مقولة إنتاجية، بل حق الملكية، فـ« الرأسمالي » بالنسبة له ليس وحدة اقتصادية بل وحدة مالية. و« رأس المال » بالنسبة له ليس عاملا من عوامل الإنتاج، بل هو ببساطة كمية معينة من النقد. وهذا هو السبب في أن برنشتاين لا يرى في تروست الغزل الإنجليزي، الذي أورد مثاله، انصهار 12300 شخص يملكون نقدا في وحدة رأسمالية واحدة، بل يرى فيهم 12300 رأسمالي. ولهذا السبب فإن المهندس شوز الذي حبته بائنة زوجته بعدد كبير من الأسهم هو أيضا رأسمالي بالنسبة لبرنشتاين. وللسبب ذاته أيضا يرى برينشتاين أن العالم يعج بالرأسماليين(1). هنا أيضا، الأساس النظري لخطأ برنشتاين الاقتصادي هو في « تبسيطه المبتذل » للاشتراكية. ذلك أن هذا ما يفعله، فهو بنقله مفهوم الرأسمالية من علاقاته الإنتاجية إلى علاقات الملكية، وبحديثه عن الافراد بدلا من الرواد الرأسماليين، انما ينقل مسألة الاشتراكية من مجال الانتاج إلى مجال علاقات الثروة، أي من العلاقة بين الرأسمال والعمل إلى العلاقة بين الغني والفقير. وبهذه الطريقة يقودنا برنشتاين بحبور من ماركس وانجلز إلى فيتلنغ، مؤلف « انجيل الصياد الفقير ». بفارق واحد، هو ان فيتلنغ راى بغريزة البروليتاري التعارض بين الفقير والغني، أي أنه رأى التناقضات العدائية الطبقية في شكلها البدائي وأراد أن يجعل من هذه التناقضات رافعة للحركة نحو الاشتراكية. لكن برنشتاين من جهة أخرى يضع تحقيق الاشتراكية في امكان جعل الفقير غنيا. أي أنه يضعها في تخفيف التعاديات الطبقية وبالتالي يضع أمله في البرجوازية الصغيرة. صحيح أن برنشتاين لايقف عند احصائيات المداخيل، بل يقدم احصائيات عن المشاريع الاقتصادية الخاصة في البلدان التالية: المانيا وفرنسا وانجلترا وسويسرا والنمسا والولايات المتحدة. ولكن هذه الاحصائيات ليست الارقام المقارنة لفترات مختلفة في كل بلد بل للفترة ذاتها في البلدان المختلفة. لذا فان ما يقدمه برنشتاين لنا (عدا حالة ألمانيا عندما يكرر المقارنة القديمة بين 1895 و1882) ليس مقارنة لاحصائيات المشاريع في البلد المعني في مراحل مختلفة بل أرقاما مطلقة للبلدان المختلفة: انجلترا 1891 وفرنسا 1894 والولايات المتحدة في 1890 الخ. وهنا يصل برنشتاين إلى النتيجة التالية: « صحيح ان الاستثمار الكبير هو المتفوق في الصناعة اليوم، الا أنه مع ذلك مضافا اليه المشاريع المعتمدة عليه لايمتل أكثر من نصف السكان المشتغلين بالانتاج ». ويصح هذا على ألمانيا وانجلترا وبلجيكا الخ. ما الذي يثبته برنشتاين هنا فعلا ؟ انه لا يثبت وجود هذا الميل او ذاك للتطور الاقتصادي بل يثبت فحسب علاقة القوى المطلقة بين الأشكال المختلفة من الإنتاج، أو بكلمات أخرى العلاقة المطلقة بين الطبقات المختلفة في مجتمعنا. والآن، إذا أراد المرء بهذه الطريقة أن يثبت استحالة تحقيق الاشتراكية، فان تفكيره يجب ان يعتمد على النظرية التي تقول ان نتيجة الجهود الاجتماعية تتعلق بعلاقات القول المادية العددية لعناصر الصراع، أي بعامل العنف. وبكلمات أخرى، ان برنشتاين الذي يصب جام غضبه على البلانكية دوما يقع في أكبر خطأ بلانكي . غير أن هناك الفرق التالي: بالنسبة للبلانكيين، الذين كانوا يمثلون اتجاها ثوريا واشتراكيا، بدا إمكان التحقيق الاقتصادي للاشتراكية أمرا طبيعيا تماما. وعلى هذا الإمكان بنى البلانكيون فرص الثورة العنيفة – حتى تلك التي تقوم بها أقلية صغيرة . لكن برنشتاين على العكس من ذلك يستنتج من عدم كفاية الاغلبية الاشتراكية استحالة التحقيق الاقتصادي للاشتراكية. بيد أن الاشتراكية الديمقراطية لاتتوقع احراز هدفها نتيجة العنف المنتصر تقوم به أقلية ولا نتيجة التفوق العددي لاغلبية. انها ترى ان الاشتراكية تأتي نتيجة الضرورة الاقتصادية، ووعي هذه الضرورة ، مما يؤدي إلى قضاء الجماهير العاملة على الرأسمالية . وتتجلى هذه الضرورة فوق كل شيء في فوضى الراسمالية. ماهو موقف برنشتاين من المسألة الحاسمة، مسألة فوضى الاقتصاد الرأسمالي ؟ انه ينكر فقط الأزمة العامة الكبيرة، ولاينكر الأزمات الجزئية والأزمات التي تحدت على النطاق القومي. انه، بكلمات أخرى ، يرفض أن يرى الكثير من فوضى الرأسمالية ، وهو لا يرى الا القليل منها . إنه ، اذا استخدمنا ايضاح ماركس، كالعذراء الساذجة التي لم تلد إلا طفلا « صغيرا جدا ». ولكن الكارثة هي أنه في أمور مثل الفوضى الاقتصادية يستوي القليل والكثير من الرداءة. إذا كان برنشتاين يدرك وجود القليل من هذه الفوضى، فإننا يمكن أن نشير له أن هذا القدر الصغير من الفوضى سيكبر إلى أبعاد لم يسمع بمثلها، ليؤدي في النهاية إلى الانهيار، وذلك بفعل آلية الاقتصاد السوقي، لكن إذا كان برينتاين يأمل في تحويل هذا القدر الصغير من الفوضى إلى نظام واتساق، مع الحفاض على نظام الإنتاج السلعي، فانه يقع ثانية في أحد أخطاء الاقتصاد السياسي البورجوازي الأساسية ، ذلك الخطأ القائل بأن نمط التبادل مستقل عن نمط الإنتاج. ليس هذا بالمكان المناسب للدخول في إيضاح مفصل لتشوش برنشتاين المريع في ما يتعلق بأكثر مبادئ الاقتصاد السياسي أولية. ولكن هناك نقطة واحدة فقط – تقودنا إليها المسألة الأساسية، مسألة الفوضى الرأسمالية – يجب إيضاحها حالا. يعلن برنشتاين أن قانون ماركس في « فائض القيمة » تجريد محض. من الواضح أن عبارة كهذه تشكل في الاقتصاد السياسي إهانة بالغة. ولكن إذا كان فائض القيمة تجريدا محضا، إذا كان محض خيال، فإن لكل مواطن عادي أدى خدمته العسكرية ويدفع الضرائب الحق ذاته الذي يملكه ماركس في تكوين سخافة خاصة به، أي أن يضع قانونا للقيمة خاصا به. « إن لماركس الحق في اهمال خواص السلع حتى لا تصبح أكثر من تجسيد لكميات من العمل الانساني البسيط، إن له هذا الحق بالقدر الذي يحق فيه لمدرسة بوهيم – جيفونز أن تصنع تجريدا من كل خواص السلع خارج منفعتها ». أي أن « العمل الاجتماعي » الذي قال به ماركس و« المنفعة التجريدية » التي قال بها منجر شيئان متشابهان تمام التشابه، فهما تجريدان محضان. وينسى برنشتاين تماما أن تجريد ماركس ليس اختراعا، بل اكتشاف. فهو لا يوجد في عقل ماركس بل في اقتصاد السوق، وليس له وجود خيالي، بل وجود اجتماعي حقيقي، وحقيقي جدا لدرجة أنه يمكن أن يقتطع ويطرق ويوزن ليوضع على شكل نقود. فالعمل الانساني المجرد، الذي اكتشفه ماركس ليس في شكله المطور الا النقد . هذا بالضبط هو أحد اكتشافات ماركس العظيمة، بينما ظل جوهر النقد لغزا صوفيا حار فيه كل الاقتصاديين-السياسين البرجوازيين من المركنتيليين إلى آخر الكلاسيكيين. إن « منفعة » بوهيم-جيفونز المجردة في الحقيقة خدعة من خدع العقل، وإذا توخينا من الدقة، فإننا نقول أنها تمثيل للفراغ الفكري والسخافة الشخصية التي لا يمكن أن تكون الرأسمالية أو أي مجتمع آخر مسؤولة عنها، فالمسؤول الوحيد عنها هو الاقتصاد البورجوازي المبتذل ذاته. ويمكن أن يظل برنشتاين وبوهيم وجيفونز وكل الشلة الذاتية عشرين عاما أمام لغز النقد وهم يهدهدون بنات أفكارهم دون أن يصلوا جميعا إلى أي حل يختلف عن ذلك الذي يستطيع أن يتوصل إليه أي إسكافي، ألا وهو ان النقد شيء « نافع » أيضا. لقد فقد برنشتاين كل فهم لقانون القيمة الذي اكتشفه ماركس. ويستطيع كل من يعرف قليلا عن الاقتصاد الماركسي أن يرى أن نظرية ماركس بدون قانون القيمة تستغلق في الفهم. أو بعبارة أدق، سيظل اقتصاد الرأسمالية كله، ببكل ما يتفرع عنه، لغزا يحار فيه بالضرورة من لا يفهم طبيعة السلعة وتبادلها. ما هو بالضبط المفتاح الذي مكن ماركس من أن يفتح الباب على كل أسرار الظاهرة الرأسمالية ويحل، كما لو كان يلهو، مسائل لم تكن تجول في خاطر أعتى عقول الاقتصاد السياسي البورجوازي الكلاسيكي ؟ لقد كان هذا المفتاح مفهومه للاقتصاد الرأسمالي كظاهرة تاريخية، ليس فحسب بالمعنى الذي أدركه في أحسن الأحوال الاقتصاديون الكلاسيكيون، أي عندما يتعلق الأمر بالماضي الإقطاعي للرأسمالية، بل أيضا فيما يتعلق بالمستقبل الاشتراكي للعالم. إن سر نظرية ماركس في القيمة، وتحليله لمسألة النقد ونظريته في رأس المال ونظريته في وتيرة الربح وبالتالي في النظام الاقتصادي القائم كله يكمن في الطابع الانتقالي للاقتصاد الرأسمالي، وحتمية انهياره، مما يقود – وهذا ليس إلاّ وجها آخر للظاهرة ذاتها – إلى الاشتراكية. ولم يكن ماركس ليستطيع حل رموز الاقتصاد الرأسمالي الهيروغليفية، لو لم ينظر إلى الرأسمالية من وجهة النظر الاشتراكية، أي من وجهة النظر التاريخية. ولأنه بالضبط اتخذ من وجهة النظر الاشتراكية نقطة انطلاق لتحليله للمجتمع البرجوازي فقد كان في موقع يستطيع منه أن يعطي الحركة الاشتراكية أساسا علميا. هذا هو المقياس الذي نستطيع به أن نقيم ملاحظات برنشتاين. إنه يشكو من « الازدواجية » الموجودة في كل مكان من كتاب ماركس الضخم « رأس المال ». « فالكتاب يرغب في أن يكون دراسة علمية وأن يثبت في الوقت ذاته موضوعة تم وضعها وتطورها قبل أن يكتب الكتاب بزمن طويل. إنه مبني على مخطط يتضمن سلفا النتيجة التي يريد أن يؤدي إليها. إن العودة إلى البيان الشيوعي (أي إلى الهدف الاشتراكي- ر.ل.) يثبت وجود بقايا طوباوية في مذهب ماركس ». ولكن ماذا تكون « إزدواجية » ماركس إن لم تكن ازدواجية المستقبل الاشتراكي والحاضر الرأسمالي ؟ إنها ازدواجية العمل ورأس المال، ازدواجية البرجوازية والروليتاريا. إنها الانعكاس العلمي لازدواجية موجودة في المجتمع البرجوازي، ازدواجية التعاديات الطبقية تتصارع داخل النظام الاجتماعي الرأسمالي. إن فهم برنشتاين لهذه الازدواجية في ماركس على أنها « بقاء للطوباوية حية » ليس في الواقع إلاّ اعترافا ساذجا بأنه ينكر الازدواجية التاريخية للمجتمع البرجوازي وأنه ينكر وجود التعاديات الطبقية في الرأسمالية. إن ذلك اعتراف منه بأن الاشتراكية لم تعد بالنسبة له سوى « بقاء الطوباوية حية ». وماذا تكون أحادية برنشتاين – وحدة برنشتاين – إن لم تكن الوحدة الأبدية للمجتمع الرأسمالي، وحدة الاشتراكي السابق الذي تنكر لهدفه وقرر أن يجد في المجتمع الرأسمالي، الواصد الثابت غير القابل للتغيير، هدف التطور الإنساني ؟ لا يرى برنشتاين في البنية الاقتصادية للرأسمالية التطور الذي يؤدي إلى الاشتراكية. ولكن ليستطيع برنشتاين أن يحتفظ ببرنامجه الاشتراكي، شكلا على الأقل، فإنه يجد نفسه مجبرا على اللجوء إلى بنية مثالية موضوعة خارج التطور الاقتصادي، يجد نفسه مجبرا على تحويل الاشتراكية ذاتها من مرحلة تاريخية محددة من مراحل التطور الاجتماعي إلى « مبدأ » مجرد. لهذا فإن « المبدأ التعاوني » – المسخ الحقير للاشتراكية الذي يرغب برنشتاين في أن يطلي به الاقتصاد الرأسمالي – يبدو كتنازل لا لمستقبل المجتمع الاشتراكي بل لماضي برنشتاين الاشتراكي. (1) من الواضح ان برنشتاين يجد في
الانتشار الواسع للاسهم الصغيرة برهانا على ان الثروة الاجتماعية بدأت
تمطر اسهمها عل كل الرجال الصغار .فمن لا يستطيع فعلا ان يشتري اسهما
مقابل جنيه استرليني أو 20 ماركا ؟ البورجوازي الصغير وحتى العامل
يستطيع ذلك . لكن ه\ا الافتراض يقوم لسوء الحظ على خطأ حسابي . فنحن
هنا نتعامل بالقيمة الاسمية للاسهم بدلا من أن نتعامل بقيمتها الفعلية
في السوق ، والقيمتان جد مختلفتين . مثلا ، اسهم شركة " راند الجنوب ـ
افريقية " معروضة للبيع في سوق التعدين ، وهي في قيمتها الاسمية تعادل
قيمة معظم اسهم التعدين ، أي جنيها استرلينيا واحدا أو20 ماركا ورقيا .
ولكن هذه الاسهم بيعت فعلا في العام 1899 بـ = 43 جنيها استرلينيا أي
بـ 860 ماركا بدلا من 20 . وهذا هو الوضع في كل الحالات . مما يجعل هذه
الاسهم بورجوازية تماما وليست على الاطلاق " قسائم على الثروة
الاجتماعية " بورجوازية صغيرة أو بوليتارية، ذلك أن عددا قليلا فقط من
حملة الاسهم يشتريها بقيمتها الاسمية . |
|||