لمناسبة الذكرى الرابعة لثورة أكتوبر |
التاريخ: أكتوبر 1921 |
تقترب الذكرى الرابعة للخامس والعشرين من أكتوبر (7 نوفمبر – تشرين الثاني). بقدر ما يبتعد عنا هذا اليوم العظيم، بقدر ما يزداد دور الثورة البروليتارية في روسيا اتضاحا وبقدر ما نتأمل بمزيد من التعمق أيضا تجربة نشاطنا العملية، مأخوذة بمجملها. ومن الممكن عرض هذا الدور وهذه التجربة بلمحات في غاية الإيجاز – هي بالطبع أبعد من أن تكون كاملة ودقيقة – على النحو التالي. إن مهمة الثورة في روسيا، المباشرة والقريبة، كانت مهمة ديموقراطية برجوازية قوامها القضاء على بقايا القرون الوسطى، وإزالتها إلى الأبد، وتنظيف روسيا من هذه البربرية، من هذا العار، مما كان يعيق إلى ما لا حد له كل ثقافة وكل تقدم في بلادنا. ومن حقنا أن نفتخر لكوننا قمنا بهذا التنظيف بأكثر بكثير من الحزم والسرعة والجرأة، بأكثر بكثير من النجاح والشمول والعمق، – من حيث التأثير في جماهير الشعب، في أعماقه، – مما فعلت الثورة الفرنسية الكبرى منذ أكثر من 125 سنة. لقد قال الفوضويون والديموقراطيون البرجوازيون الصغار (أي المناشفة والاشتراكيون الثوريون، بوصفهم الممثلين الروس لهذا النموذج الاجتماعي العالمي) ولا يزالون يرددون كثرة كثيرة من الآراء المشوشة بصدد العلاقة بين الثورة الديموقراطية البرجوازية والثورة الاشتراكية (أي البروليتارية). وحول هذه النقطة، تأكدت كليا، خلال أربع سنوات، صحة مفهومنا للماركسية، صحة استعمالنا لتجربة الثورات الماضية. ولقد سرنا، كما لا أحد، بالثورة الديموقراطية البرجوازية إلى النهاية. وبكل إدراك، وبخطى ثابتة، ودون أي انحراف، نسير إلى أمام، نحو الثورة الاشتراكية، عارفين أنها غير منفصلة عن الثورة الديموقراطية البرجوازية بسور صيني، عارفين أن النضال وحده هو الذي سيقرر مقدار التقدم الذي سنتمكن من تحقيقه (في نهاية الأمر)، مقدار القسم الذي سننفذه من مهمتنا اللامتناهية الكبر، مقدار الجزء الذي سنوطده من انتصاراتنا. ومن يعش ير. ولكننا نرى منذ اليوم أن عملا جليلا – بالنسبة لبلد خرب، منهوك، متأخر – قد أنجز فيما يتعلق بالتحويل الاشتراكي للمجتمع. ولكن لننه عرضنا حول مضمون ثورتنا الديموقراطي البرجوازي، يجب على الماركسيين أن يفهموا ما يعنيه هذا. وعلى سبيل التوضيح، لنأخذ بضعة أمثلة عملية. إن مضمون الثورة الديموقراطي البرجوازي، هو تصفية العلاقات الاجتماعية (النظم، المؤسسات) في البلد من خصائص القرون الوسطى، من القنانة، من الإقطاعية. أيا كانت أهم الظاهرات، البقايا، الرواسب من القنانة في روسيا عشية 1917 ؟ الملكية، الفئات المغلقة الحاكمة، التملك العقاري والتمتع بالأرض، وضع المرأة، الدين، اضطهاد القوميات. خذوا أيا من "إسطبلات أوجياس" هذه المتروكة، ونقول هذا للمناسبة، إلى حد ملحوظ، غير منظفة بصورة تامة من قبل جميع الدول المتقدمة حين قامت بثورتها الديمقراطية البرجوازية، منذ 125 سنة و250 سنة وأكثر (1649 في انجلترا)،– خذوا أيا من إسطبلات أوجياس هذه، تروا أننا نظفناها كليا. ففي نحو عشرة أسابيع، لا أكثر، منذ 25 تشرين الأول – أكتوبر (7 تشرين الثاني – نوفمبر) 1917 حتى حل الجمعية التأسيسية (5 كانون الثاني – يناير 1918)، فعلنا في هذا المضمار ما يزيد ألف مرة عما فعل الديمقراطيون والليبراليون البرجوازيون (الكاديت) والديمقراطيون البرجوازيون الصغار (المناشفة والاشتراكيون – الثوريون) في ثمانية أشهر من حكمهم. إن هؤلاء الجبناء، هؤلاء الثرثارين، هؤلاء النرجسيين المشفوفين بأنفسهم، هؤلاء أشباه هملت من قياس مصغر، كانوا يلوحون بسيف من كارتون، – ولم يقضوا حتى على الملكية ! لقد أفرغوا الزبالة الملكية كما لم يفعل أحد في أي وقت مضى. ولم نترك حجرا على حجر، وقرميدة على قرميدة، من هذه العمارة التي دامت قرونا وقرونا، عمارة نظام الفئات المغلقة (إن أكثر البلدان تقدما، كانجلترا وفرنسا وألمانيا، لم تتخلص بعد حتى الآن من بقايا هذا النظام !). إن أعمق جذور هذا النظام، أي بقايا الإقطاعية والقنانة في تملك الأرض، إنما استأصلناها كليا. "يمكن الجدال" (ففي الخارج ما يكفي من الأدباء الكاديت، والمناشفة، والاشتراكيين – الثوريين للدخول في هذا الجدال) حول معرفة ما سينجم "في آخر المطاف" من الإصلاحات الزراعية التي تقوم بها ثورة أكتوبر الكبرى. إننا لسنا اليوم على استعداد لتضييع وقتنا على هذا الجدال، لأننا بالنضال نحل هذا الجدال وكل طائفة الجدالات التي تتوقف عليه. ولكنه لا يمكن الجدال ضد واقع أن الديمقراطيين البرجوازيين الصغار "قد تفاهموا"، طوال ثمانية أشهر، مع الملاكين العقاريين حفظة تقاليد القنانة، بينا كنسنا نحن كليا خلال بضعة أسابيع هؤلاء الملاكين العقاريين وجميع تقاليدهم على السواء من على وجه الأرض الروسية. خذوا الدين، أو غياب الحقوق للمرأة ، أو اضطهاد القوميات غير الروسية وعدم مساواتها في الحقوق. وكلها قضايا تتعلق بالثورة الديموقراطية البرجوازية. إن تافهي الديموقراطية البرجوازية الصغيرة قد ثرثروا حول هذه الموضوعة طوال ثمانية أشهر. وليس ثمة بلد واحد، بني أرقى البلدان في العالم، حلت فيه هذه المسائل إلى النهاية في الاتجاه الديمقراطي البرجوازي. أما عندنا فقد حلها إلى النهاية تشريع ثورة أكتوبر. لقد حاربنا الدين ونحاربه حقا، ومنحنا جميع القوميات غير الروسية جمهوريات أو مقاطعات مستقلة ذاتيا خاصة بها. ولم تعد روسيا تعرف هذه السفالة، هذه الشناعة، هذه الدناءة، ونعني بها انعدام الحقوق أو عدم المساواة في الحقوق بالنسبة للمرأة، هذه البقية المنفرة المتبقية عن الإقطاع والقرون الوسطى، والمرممة في جميع بلدان الكرة الأرضية، دون أي استثناء، من جانب البرجوازية الجشعة والبرجوازية الصغيرة البليدة والمذعورة. هذا هو مضمون الثورة الديموقراطية البرجوازية. منذ مائة وخمسين سنة ومائتي وخمسين سنة، وعد زعماء هذه الثورة (وهذه الثورات ، إذا تناول الكلام كل نوع قومي عن نموذج مشترك) التقدميون الشعوب بتحرير الإنسانية من امتيازات القرون الوسطى، وعدم مساواة المرأة ، والصلاحيات الممنوحة من جانب الدولة لهذا الدين أو ذاك (أو "لفكرة الدين" ، "النزعة الدينية" بوجه عام)، وعدم المساواة بين القوميات. وعدوا، ولم يفوا بهذا الوعد. ولم يكن في مقدورهم أن يفوا به، لأنه حال بينهم وبني الوفاء به "احترام"... "الملكية الخاصة الكلية القداسة". إن ثورتنا البروليتارية لم تكن هذا "الاحترام" الملعون لهذه البقايا من القرون الوسطى، الملعون ثلاث مرات، ولهذه "الملكية الخاصة الكلية القداسة". ولكنه، توطيدا لمكتسبات الثورة البرجوازية الديموقراطية في صالح شعوب روسيا، كان يتعين علينا أن نمضي إلى أبعد. وهذا ما فعلناه. فقد حللنا قضايا الثورة البرجوازية الديموقراطية عرضا، خلال السير، بوصفها "نتاجا ثانويا" لعملنا الرئيسي والحقيقي، لعملنا الثوري، البروليتاري، الاشتراكي. فالإصلاحات، كما قلنا دائما، نتاج ثانوي للنضال الطبقي الثوري. والإصلاحات الديموقراطية البرجوازية، كما قلنا وأثبتنا بأفعالنا – نتاج ثانوي للثورة البروليتارية، أي الاشتراكية. ونقول بالمناسبة أن جميع إضراب كاوتسكي وهلفردينغ ومارتوف وتشيرنوف وهيلكويت ولونغه وماكدونالد وتوراتي وسائر أبطال الماركسية "الثانية والنصف" لم يستطيعوا إدراك هذه العلاقة بين الثورة الديموقراطية البرجوازية والثورة البروليتارية الاشتراكية. إن الأولى تتحول إلى الثانية. والثانية تحل، عرضا، قضايا الأولى. والثانية توطد عمل الأولى. والنضال، النضال وحده، هو الذي يقرر إلى أي حد تنجح الثانية في تجاوز الأولى. (...) |