المعلوم أن المانيفاتورة (الصناعة اليدوية) تعني التعاون القائم على قسمة العمل. في الأصل، تنتمي المانيفاتورة انتماء مباشرا إلى «الأطوار الأولى للرأسمالية» المعالجة أعلاه. المشاغل التي تملك عددا معقولا من العمال لا تلبث أن تعتمد قسمة العمل تدريجيا، وبذلك يتحول التعاون الرأسمالي البسيط إلى مانيفاتورة رأسمالية. والواقع أن الاحصائيات عن صناعات موسكو، التي استشهدنا بها في الفصل السابق، تبين بوضوح عملية ولادة هذه المانيفاتورة: كل المشاغل الكبيرة في صناعات الفئة الرابعة [1] ، وبعض مشاغل الفئة الثالثة، اضافة لحالات افرادية في الفئة الثانية، تطبق قسمة العمل بانتظام وعلى نطاق واسع، مما يقتضي تصنيفها بصفتها أنماطا من المانيفاتورة الرأسمالية. وسوف نعرض أدناه معطيات اكثر تفصيلا عن تقنيات واقتصاديات عدد من هذه الصناعات.
هذا من جهة. أما من جهة ثانية، فقد تابعنا كيف أن رأس المال التجاري في الصناعات الصغيرة، عندما يصل إلى أرقى أطوار تطوره، لا يلبث ان يحوّل المنتج إلى عامل مأجور يعالج المواد الاولية التي يملكها سواه لقاء سعر معين على القطعة. أما إذا أدى التطور اللاحق إلى إدخال قسمة عمل منتظمة في الإنتاج، وأدى إلى تطوير تقنية المنتج الصغير، وإذا اختار «السمسار» بعض العمليات التفصيلية وكلف عمالا مأجورين القيام به في المشغل خاصته، وإذا ما نشأت المشاغل الكبيرة القائمة على قسمة العمل (والتي يملكها، غالبا، هؤلاء السماسرة انفسهم) بموازاة توزيع العمل المبذول منزليا وبارتباط عضو به، إذا حصل كل ذلك، نصبح أمام نمط آخر من أنماط تكوّن المانيفاتورة الرأسمالية [2] .
تلعب المانيفاتورة دورا بالغ الأهمية في تطور الاشكال الرأسمالية في الصناعة، بما هي تشكل صلة الوصل بين الصناعات اليدوية والإنتاج السلعي الصغير وبين الاشكال البدائية لرأس المال، وللصناعة الآلية الكبيرة (المصنع). على ان المانيفاتورة تبقى أقرب إلى الصناعات الصغيرة لأنها تبقى معتمدة على المهارة اليدوية، بحيث تعجز المؤسسات الكبيرة عن الحلول نهائيا محل المؤسسات الصغيرة كما تعجز عن فصم الصناعي نهائيا عن الزراعة.
«لقد عجزن المانيفاتورة عن السيطرة على انتاج المجتمع باكمله مثلما عجزت عن تثوير هذا الانتاج جذريا. فتألقت بما هي تحفة فنية اقتصادية، تركز إلى قاعدة واسعة من الحرف اليدوية المدينية ومن الصناعات المنزلية الريفية» [3] .
أما الذي يقرّب المانيفاتورة من المصنع، فهو نشوء السوق الكبيرة، والمؤسسات الكبيرة التي تستخدم العمال المأجورين، ونشوء رأس المال الكبير ذاته الذي يُخضع جماهير العمال المجردين من الملكية لسيطرته المطلقة.
ونجد في روسيا أن التحامل تجاه عزلة ما يسمى الانتاج «المصنعي» عن الانتاج «الحرفي اليدوي»، وتجاه «اصطناعية» الأول والطابع «الشعبي» للثاني، شائع إلى درجة يستجوب دراسة المعطيات الاحصائية المتعلقة بكافة الفروع الاساسية لصناعة المانيفاتورة من أجل كشف تنظيمها الاقتصادي بعد أن تجاوزت طور الصناعات الفلاحية الصغيرة، وقبل أن تطرأ عليها التحولات بفضل الصناعة الآلية الكبيرة.
(…)
ان حياكة الاقمشة الكتانية والصوفية والقطنية والحريرية، والمطرّزات وما إلى ذلك، كانت منظمة في كافة انحاء روسيا (قبل ظهور الصناعة الآلية الكبيرة) على النحو التالي: تتربع في قمة هذه الصناعة المشاغل الرأسمالية الكبيرة التي تستخدم العشرات بل المئات من العمال المأجورين، ويتولة اصحاب هذه المشاغل، الذين يملكون رؤوس أموال لا يستهان بها، شراء المواد الأولية بالجملة، فيصنِّعون قسما منها في مؤسساتهم الخاصة، ويوزعون القسم الآخر من خيوط السداة والغزل [5] على منتجين صغار (اصحاب مشاغل، وسطاء، مقاولين ثانويين [6] ، صنَّاع يدويين فلاحين، الخ) الذين ينسجون القماش في البيت أو في مشاغل صغيرة على القطعة. الشغل نفسه يدوي، وها هي العمليات الموزعة بين العمال: 1)صباغة الخيوط، 2)لف الخيوط (وغالبا ما تتخصص النساء والأطفال بهذه العملية)، 3)اصلاح الخيوط، 4)الحياكة، 5)لف خيوط اللحمة [7] (العاملون على المكوك، ومعظمهم من الاطفال). وأحيانا تشتمل المشاغل الكبيرة على سالكين اخصائيين (يسلكون خيوط السداة في سم الشمط والطارة) [8] . والواقع أن قسمة العمل لا تقتصر، غالبا، على العملية الافرادية وحدها، وإنما هي تشمل المواد نفسها، بمعنى أن الحائكين يتخصصون في انتاج أنواع مختلفة من الأقمشة. على ان اختيار اداء بعض العمليات في البيت لا يحدث، طبعا، أي تعديل على البنية الاقتصادية لهذا النمط من الصناعة. فالمشاغل او البيوت حيث يعمل الحائكون ما هي إلا الفروع الخارجية للمانيفاتورة. ثم ان الأساس التقني لهذه الصناعة هو الانتاج اليدوي المترافق مع قسمة العمل المنتظمة الواسعة النطاق. وفي المنظار الاقتصادي، نجدنا هنا أمام عملية تكوّن لرأس المال الكبير الذي يسيطر على شراء المواد الأولية وبيع المنتجات لسوق واسعة (وطنية)، ويخضع لسيطرته الكاملة جماهير الحائكين البروليتاريين، حيث تسيطر قلة من المؤسسات الكبيرة (المانيفاتورة بالمعنى الأضيق للكلمة) على كثرة من المؤسسات الصغيرة. وهكذا فقسمة العمل تؤدي إلى نشوء حرفيين متخصصين في أوساط الفلاحين… إذا أخذنا ادبياتنا وإحصائياتنا الاقتصادية، نجد انها تقسم هذا النمط من الصناعة عادة إلى قسمين: الفلاحون العاملون في بيوتهم أو في مشاغل صغيرة ومحترفات، الخ، يجري تصنيفهم في خانة الصناعة اليدوية الحرفية، في حين يجري تصنيف المحترفات والمشاغل الكبيرة في خانة «المعامل والورشات» (وهذه قسمة اعتباطية تماما ذلك أنه لا توجد مقاييس متعارف عليها ومطبقة بانتظام لتمييز المؤسسات الصغيرة عن الكبيرة، والمحترفات عن المانيفاتورات، والعمال العاملين في بيوتهم عن العمال العاملين في مشاغل الرأسماليين. وبالطبع، فان هذا التصنيف الذي يضع بعض العمال المأجورين في جهة وبعض المعلمين الذين يستخدمون هؤلاء العمال (اضافة لاستخدامهم العمال في المؤسسات خاصتهم) في جهة ثانية، لا معنى له البتة من وجهة النظر العلمية.
فلنوضح ذلك بواسطة المعطيات التفصيلية بصدد واحدة من صناعات الحياكة اليدوية، تحديدا حياكة الحرير في مقاطعة فلاديمير. ان «صناعة الحرير» هي نمط نموذجي من المانيفاتورة الرأسمالية. هنا يسود العمل اليدوي. وتشكل المؤسسات الصغيرة الاكثرية (179 من بين 313، اي 57 بالمئة من اجمالي المؤسسات يشتغل فيها من واحد إلى خمسة عمال)، لكن معظم هذه المؤسسات ليس مستقلا وهي متخلفة كثيرا بالقياس مع المؤسسات الكبيرة فيما يخص وزنها في الصناعة ككل. ان المؤسسات الكبيرة فيما يخص وزنها في الصناعة ككل. ان المؤسسات التي تضم 20 إلى 150 عاملا تشكل 8 بالمئة من المجموع (25 مؤسسة) ولكن يتمركز فيها 41.5 بالمئة من متوسط العمال، و51 بالمئة من الناتج الاجمالي. ومن بين مجموع العاملين في الصناعة (2823) هناك 2092 عامل مأجور، أي 74.1 بالمئة من المجموع. «في هذه الصنعة، نلقي قسمة العمل على صعيد المنتجات وعلى صعيد العمليات الافرادية». فنادرا ما ينتج الحائك الواحد «المخمل» و«الأطلس» [9] في آن معا (وهما أبرز منتوجين لهذه الصنعة) «أما قسمة العمل إلى عمليات افرادية منفصلة داخل المشغل الواحد، فانه لا يطبق بحذافيره إلا في حالة المصانع الكبيرة (اي المانيفاتورات) التي تستخدم العمال المأجورين». أما المالكون الافراد المستقلون تماما فعددهم لا يتجاوز 123، وهم وحدهم الذين يشترون المواد الخام بأنفسهم ويبيعون المنتجات الجاهزة، ولديهم 242 عامل منزلي بالإضافة لكونهم «يستخدمون 2498 عامل مأجور يتقاضون الأجر على القطعة في أكثريتهم»، ويشكلون بالتالي مجموعا من 2740 عاملا، أو 97 بالمئة من متوسط عدد العمال. وهكذا يتضح أن توزيع اصحاب المانيفاتورات هؤلاء، عبر «الوسطاء» (اصحاب المشاغل)، لإشغال تجري تأديتها في البيوت، لا يشكل شكلا صناعيا مميزا على الإطلاق، بل أنه مجرد واحدة من العمليات التي يقوم بها رأس المال في المانيفورة.
ان السيد خاريزومنيوف على حق عندما يلاحظ ان «تكاثر» المؤسسات الصغيرة (57) جنبا إلى جنب مع تقلص الكبيرة (7 بالمئة) والعدد القليل للعمال المستخدمين لكل مؤسسة (4/1 7 عمال كلها تحجب الطابع الحقيقي للصنعة» (المصدر السابق، ص 39). ويتبدى طابع التخصص بأوضح ما يتبدى في انفصال الصناعيين عن الزراعة (فالأرض يهجرها كل من الحائكين المفقرين من جهة وكبار مالكي المانيفاتورات، من جهة ثانية) كما يتبدى في نشوء نمط مميز من السكان الصناعيين، الذين يعيشون في مستوى معيشة «أكثر لياقة» من الزراعيين، ويحتقرون الموجيك (المصدر ذاته، ص 106).
(…)
(…) في مقاطعة نيجني-نوفغورود، تتمركز صناعة الحبال ايضا في القرى الصناعية امثال نيجني ايزبيلتس وفيرخني ايزييلتس في قضاء غورباتوف. ويروي السيد كاربوف (في كتابه محاضر لجنة الحرف اليدوية، الجزء 8) أن ناحية غورباتوف-ازبيتلتس تشكل منطقة كاملة تتعاطى صناعة الحبال، فان قسما من كان بلدة غورباتوف يعملون في هذه الصناعة أيضا، في حين أن قريتي فيرخني ايزييلتس ونيجني ازييلتس يشكلان، عمليا، «جزءا مكونا تقريبا من بلدة غورباتوف» حيث السكان يعيشون كسكان المدن، يشربون الشايي كل يوم، ويرتدون ملابس مشتراة من المحلات التجارية ويأكلون الخبز الأبيض. وكمجموع فان ثلثي (3/2) السكان في 32 قرية يعملون في الصناعة، اي 4701 عامل (2096 من الذكور و2605 من الاناث) ينتجون ما قيمته مليون ونصف مليون روبل. والصناعة موجودة منذ مئتي سنة تقريبا، وهي الآن في طور التقهقر. وهي منظمة على الشكل التالي: الجميع يعملون لصالح 29 مالكا، فيستخدمون المواد التي يوفرها هؤلاء، ويتلقون الأجر على القطعة، فإذا بهم «تابعون كليا للمالكين»، يعملون بين 14 و15 ساعة يوميا. وحسب احصائيات الزييمستوفات (للعام 1886) فان هذه الصناعة تستخدم 1689 عامل ذكر (زائد 558 امرأة وذكرا دون سن العمل). ومن هؤلاء نجد أن 197 فقط يعملون للبيع، في حين أن 1340 يعملون لصالح المالكين، و111 هم عمال مأجورون يستخدمون في مشاغل يملكها 58 رب عمل. وبين أسر المحاصصين البالغ عددها 1288 فقط 727 أسرة، أي ما يزيد عن النصف بقليل، تزرع كل أراضيها بنفسها. ومن مجموع المحاصصين العاملين، البالغ عددهم 1573، نجد أن 306 شخصا، أي 19.4 بالمئة لا يتعاطون الزراعة على الاطلاق.
وإذ نلتفت إلى مسألة: من هم هؤلاء «المالكون؟، ينبغي الانتقال من نطاق الصناعة اليدوية إلى نطاق الصناعة «المعملية». فحسب الجدول الاحصائي للعام 1894-1895، ، يوجد مصنعان للحبال في هذا المجال، يتبع لهما 231 عاملا مستخدمون في المصنعين، و1155 يعملون خارجها، مع ناتج اجمالي يبلغ 423000 روبل. ولقد عمد المصنعين إلى تركيب المحركات (التي لم تكن موجودة عام 1879 أو عام 1890). وهكذا نرى بوضوح كبير انتقال المانيفاتورة الرأسمالية إلى الصناعة الآلية الرأسمالية وتحول موزعي العمل «الحرفي اليدوي» والسماسرة إلى اصحاب مصانع فعليين.
أما بالنسبة لمقاطعة بيرم، فان احصاء الحرف اليدوية للعام 1894-1895 يسجل 68 ورشة فلاحية للحبال والخيوط، يعمل عليها 343 عامل (بينهم 143 عامل مأجور) ويبلغ اجمالي انتاجها مالا قيمته 115000 روبل. وتقبع على رأس هذه المؤسسات الصغيرة ست مانيفاتورات كبيرة حيث ستة أرباب عمل يستخدمون 101 عاملا (بينهم 91 بالأجرة) وبناتج اجمالي تبلغ قيمته 81000 روبل. والواقع أن أسلوب الانتاج في هذه المؤسسات الكبيرة هو المثال الفاقع عن «الانتاج المانيفاتوري المتسلسل» (على حد تعبير ماركس)، اي ذلك النمط من المانيفاتورة حيث عمال مختلفون يؤدون عمليات مختلفة ومتتابعة في تحويل المواد الأولية: 1-حلج القنَّب [10] ، 2-التمشيط، 3-الغزل، 4-اللولبة، 5-التزفيت، 6-تمرير الأسلاك في ألواح مثقَّبة، 8-تمرير الأسلاك في بطانية معدنية، 9-جدل الخيوط والأسلاك، قتل الحبال وجمعها (…)
وأبرز نموذج عن الصناعة المانيفاتورية في هذا المجال هي صناعة الصناديق الخشبية. ويتبين من المعطيات التي يوردها البحاثة في مقاطعة بيرم مثلا، ان هذه الصناعة منظمة على النحو التالي: بضعة من كبار المالكين، يملكون مشاغل تستخدم العمال المأجورين، يشترون المواد الأولية، ويصنِّعون المنتجات جزئيا في مشاغلهم، لكنهم يوزعون الشغل، أساسا، على مشاغل صغيرة تصنع اجزاء (من المنتوج)، ويتولون تجميع هذه الأجزاء في مشاغلهم، وإرسال المنتوج الجاهز إلى السوق. ويجري استخدام قسمة العمل على نطاق واسع: اذ يجري تقسيم عملية انتاج الصندوق إلى عشر أو اثنتي عشرة عملية، يتولى الصناع اليدويون القيام بكل واحدة منها على حدة. ويقوم تنظيم هذه الصناعة على توحيد عدد من العمال يقوم كل منها بعملية واحدة Teilarbeiter (على حد تسمية مؤلف رأس المال) تحت اشراف رأس المال. تلك هي المانيفاتورة المتنوعة (على حد تعبير ماركس) حيث العمال لا يقومون بعمليات انتاجية متتابعة في تحويل المادة الأولية إلى منتوج، وإنما يصنعون مختلف اجزاء من المنتوج، يجري تجميعها لاحقا. أما تفضيل الرأسماليين للعمل المنزلي الذي يبذله «الصنَّاع اليدويون»، فانه يجد تفسيره في طابع المانيفاتورة، المشار اليه أعلاه من جهة، ولكن أساسا في كون العمال المنزليين يتقاضون اجورا أدنى، من جهة ثانية. ولنلاحظ هنا أن المشاغل الكبيرة نسبيا في هذه الصناعة يجري تصنيفها احيانا تحت خانة «المصانع والورشات».
(…)
ثم ان صناعة العربات، في مقاطعة بيرم، مثلا، منظمة على أسس مشابهة: وسط كثرة من المؤسسات الصغيرة تنشأ ورشات تجميع تستخدم العمال المأجورين، فالصناع اليدويون الصغار ما هم إلا عمال يصنعون اجزاء من العربة من خلال مواد اولية تخصهم او مواد اولية يمدهم بها السماسرة أي، اصحاب ورشات التجميع). ونقرأ عن أسرة بولتافا صانعي العربات اليدويين أنه في ضواحي أردون توجد مشاغل تستخدم عمالا مأجورين وتوزع ايضا العمل على المنازل (حيث المعلمون الكبار يتعاقدون مع 20 عاملا خارجيا). وفي مقاطعة قازان نلاحظ اعتماد قسمة العمل على اساس المنتوج في صناعة العربات المعدة للمدن: فبعض القرى متخصصة بعربات الجليد، والبعض الآخر بالعربات ذات الدواليب، الخ: «بعد اتمام عملية تجميع العربات المعدة للمدن في القرى (باستثناء الاشغال الحديدية، والزلاجات او الدواليب) ترسل العربات إلى تجار قازان الذين يرسلونها بدورهم إلى الحدادين لانجاز الاشغال الحديدية. ثم تعاد العربات مجددا إلى مشاغل البلدة حيث توضع عليها اللمسات الأخيرة، اي يجري تنجيد المقاعد والدهان… ان قازان، التي كانت تتولى سابقا الاشغال الحديدية على العربات، تخلت عن هذه الاشغال تدريجيا لصالح الصناع الحرفيين، العاملين في منازلهم (في الريف) والذين يتقاضون أقل من حرفيي البلدة…»
وهكذا فإن رأس المال يؤثر توزيع العمل على العمال المنزليين لأن من شأن ذلك تخفيض كلفة قوة العمل. وان تنظيم صناعة العربات، كما يتبدى من المعطيات المشار اليها أعلاه، يتلخص، في غالب الأحوال، بشبكة من الصناع اليدويين، الخاضعين لرأس المال، والذين يصنعون أجزاء فقط من المنتوج الكامل.
(…)
أن أوسع الماحات لصناعة الجلود (الدباغة) تقدم أمثلة نافعة عن الاندماج الكامل للصناعة اليدوية مع الصناعة المعملية، أمثلة عن أرقى الاطوار في تطور الرأسمالية المانيفاتورة (في العمق والانتشار). والملفت هنا ان المقاطعات المشهورة بحجم دباغات الجلود فيها (فياتكا، نيجني-بوفغورود، بيرم وتفيرا) تتصف بتطور مشهود في الصناعات اليدوية في هذا المجال.
ان قرية بوغورودسكوي، قضاء غورباتون، من أعمال مقاطعة نيجني-نوفغورود، تحوي، حسب الدليل (للعام 1895) 68 معملا تضم 392 عاملا وتنتج ما قيمته 547000 روبل، أما اللائحة للعام 1894-1895 فإنها تقدر عدد «الورشات» بـ119 ورشة، تضم 1499 عاملا يعملون على الورشة نفسها و205 خارجها، بإنتاج اجمالي قيمته 934000 روبل (هذه الأرقام الأخيرة لا تشمل إلا تصنيع المنتجات الحيوانية، وهي الصناعة المحلية الرئيسية). على أن هذه المعطيات لا تعالج إلا الفئات العليا من المانيفاتورة الرأسمالية. ففي العام 1879، أحصى السيد كاربوف في هذه القرية وجوارها اكثر من 296 مؤسسة، تضم 5669 عاملا (يعمل القسم الأكبر منهم في المنازل لصالح الرأسماليين)، ويبلغ اجمالي ناتجها ما قيمته 1490000 روبل في الصناعات التالية: دباغة الجلود، استخراج الفراء، صناعة السلال (لتغليف المنتجات)، صنع أطقم الأحصنة [11] ، وأطواقها، والقفازات، اضافة لصناعة على حدة هي صناعة الفخاريات. أما احصاء الزييمستوفات لعام 1889، فانه يسجل 4401 صناعيا في الناحية، ويتبين انه بين الـ 1842 عاملا الذين تتوافر عنهم معلومات تفصيلية، يعمل 1119 بالأجرة في مشاغل سواهم فيما يعمل 405 في المنازل لصالح معلمين.
«ان بوغورودسكوي بسكانها البالغ عددهم 8000 نسمة كناية عن دباغة ضخمة تعمل بلا توقف». وبتحديد أكثر، انها مانيفاتورة يسودها العمل «المتسلسل»، الذي يسيطر عليه بضعة رأسماليين كبار يشترون المواد الأولية، ويدبغون الجلود، ويحولونها إلى اصناف متنوعة، ويستخدمون لذلك عدة آلاف من العمال المحرومين من أي ملكية إضافة إلى سيادتهم على المؤسسات الصغيرة.
والصناعة قديمة العهد، ترقى إلى القرن السابع عشر. ومن الشخصيات البارزة في تاريخها اسرة شيريميتيف (بداية القرن التاسع عشر)، وهم ملاك عقاريون ساعدوا كثيرا على تطور الصناعة. وبالمناسبة، فقد حموا البروليتاريا، التي نشأت هنا منذ زمن طويل، من الاغنياء المحليين. وعرفت الصناعة نموا سريعا بعد العام 1861، حيث تطورت المؤسسات الكبيرة على حساب الصغيرة. وبفضل قرون من النشاط الصناعي، فقد برز بين الأهالي حرفيون بالغو الحذق نقلوا الصنعة لزاوايا روسيا الأربع. وقد أدت العلاقات الرأسمالية الراسخة الجذور إلى انفصال الصناعة عن الزراعة: فان بوغورودسكوي نفسها بالكاد تعرف نشاطا زراعيا، لا بل أنها تفصل الفلاحين المجاورين الذين ينتقلون إلى «البلدة»، عن اراضيهم [12] . ويلاحظ السيد كاربوف في هذه القرية «الغياب الكامل للمميزات الفلاحية بين السكان» بحيث «انه يستحيل عليك الاعتقاد انك في قرية وليس في بلدة». والقرية، من هذا المنظار، تبزّ غورباتوف وكافة مراكز اقضية مقاطعة نيجني-نوفغورود، ربما باستثناء أرزاماس. انها «أحد ابرز المراكز التجارية والصناعية في المقاطعة، وتصل أرقام صناعتها وتجارتها إلى الملايين». «ثم ان دائرة النفوذ التجاري والصناعي لبوغورودسكوي واسعة جدا، على أن الأوثق ارتباطا بصناعة القرية يقع في دائرة من 10-20 فرسات. وهذا الجوار الصناعي بات أشبه بامتداد لبوغورودسوكوي نفسها» «والواقع أن سكان بوغورودسكوي لا يشبهون الموجيك العاديين الافظاظ بأي حال من الأحوال: انهم حرفيون من نمط مواطني المدن الأحرار، انهم حذقون ومجربون يحتقرون الفلاحين. أما نسق حياة سكان بوغورودسكوي وقيمهم الأخلاقية فإنها مدينية بالكامل». وإلى هذا ينبغي ان نضيف أن القرى الصناعية في قضاء غوربانوف تتميز بمستوى عال نسبيا من المتعلمين بين السكان. وهكذا فإن نسبة المتعلمين والطلاب (رجالا ونساء) في قرى بافلوفا وبوغورودسكوي وفورسما هو 37.8 بالمئة و20 بالمئة على التوالي، في مقابل 21.5 بالمئة و4.4 بالمئة بالنسبة لسائر قرى القضاء (انظر المواد الاحصائية للزييمستووفات).
(…)
ان مثالا نموذجيا للمانيفاتورة الرأسمالية هو صناعة فرو السنجاب في قضاء كارغوبول، بمقاطعة أولونيتز… الصناعة قائمة منذ مطلع القرن التاسع عشر: 8 معلمين يستخدمون 175 عاملا، اضافة إلى ما يزيد عن الف خيَّاطة و35 أسرة من صناع الفرو العاملين لصالحهم منزليا (في قرى مختلفة)، اي ما مجموعه 1300-1500 شخص، ينتجون ما قيمته 33600 روبل … ان الحالة السائدة في هذا الفرع من المانيفاتورة الرأسمالية ذات قيمة تعليمية بالغة الاهمية بصفتها نموذجا عن مجريات الأمور في صناعاتنا اليدوية القديمة والمحلية وقد أهملت في واحدة من المناطق الريفية النائية التي تعرف روسيا العديد من أمثالها.
يعمل الحرفي 15 ساعة يوميا في جو غير صحي على الاطلاق ويحصّل 8 روبلا بالشهر، اي أقل من 60-70 روبل بالسنة. أما مدخول «المعلم» فيصل إلى خمسة آلاف روبل سنويا. وأما العلاقات بين المعلمين والعمال فانها «بطريركية-عشرية»: فبناء على عادة قديمة، يتولى المعلم تزويد عماله بالجعة [13] والملح مجانا، شرط استجداء المادتين من طاهيه الخاص. وكتعبير عن الامتنان تجاه المعلم (الذي «يوفر» لهم العمل) يأتي العمال بعد أوقات العمل لنتف أذناب السناجيب ولتنظيف الفراء مجانا وبدون مقابل. هذا ويقطن العمال في المشغل طوال الأسبوع، حيث يعنفهم المعلمون، مدّعين المزاح (المصدر ذاته، ص 218) ويجبرونهم على القيام بأعمال متعددة كعلف التبن للدواب، و جرف الثلج، ونقل الماء، وعصر الثياب، الخ. واليد العاملة رخيصة إلى درجة مدهشة في كارغوبول نفسها، حيث فلاحو الجوار مستعدون «للعمل بالمجان تقريبا». والعمل يدوي، وقمة العمل منتظمة، وفترة التمهين طويلة (8-12 سنة)، فلا يصعب بالتالي أن نتصور حالة المتدربين.
(…)
لا بد لنا من استخلاص بعض الخلاصات من المعطيات الاحصائية الآنفة الذكر، لنرى ما إذا كانت تميز فعلا طورا خاصا من أطوار الرأسمالية في صناعتنا.
إن الجامع المشترك لكل الصناعات التي درسنا هو انها تبقي على الانتاج اليدوي، وعلى قسمة العمل المنتظمة على نطاق واسع. وهكذا، فان عملية الانتاج تنقسم إلى عدة عمليات افرادية يمارسها حرفيون اخصائيون مختلفون. ويستغرق تدريب هؤلاء الاخصائيين وقتا طويلا، ومن هنا فان التمهين apprenticeship هو شرط ملازم للمانيفاتورة. ومعلوم ان هذا يؤدي –في ظل الظروف العامة للاقتصاد السلعي وللرأسمالية- إلى ولادة أسوأ اشكال التبعية الشخصية والاستغلال [14] . ويرتبط زوال التمهين بطور أرقى من تطور المانيفاتورة وبقيام الصناعة الآلية الكبيرة، عندما يؤدي ادخال الآلات إلى تقليص فترة التدريب إلى حدها الأدنى، او عندما تنشأ عمليات انتاجية افرادية من البساطة بحيث يسهل حتى على الاطفال القيام بها.
ان استمرار الانتاج اليدوي بوصفه قاعدة المانيفاتورة يفسِّر جمودها النسبي، وهذا أمر ملفت للنظر خاصة عندما نقارنه بالمصنع. يتقدم تطور وتوسع قسمة العمل بوتيرة بطيئة، بحيث تبقى المانيفاتورة على حالها لعقود من الزمن (بل لقرون) [15] . وكما اتضح لنا، فان عددا لا بأس به من الصناعات قيد الدرس هي صناعات قديمة، لكننا لا نلاحظ اي تغير ملموس في وسائل الانتاج لدى معظمها قبل الفترة الأخيرة.
أما بالنسبة إلى قسمة العمل، فإننا لن نكرر هنا المقولات الشائعة للاقتصاد النظري بصدد الدور الذي تلعبه في مسار تطور قوى العمل المنتجة. في ظل الانتاج اليدوي، كانت قسمة العمل الواسطة الوحيدة لتحقيق التقدم التقني. نكتفي بتسجيل نقطتين توضحان الحاجة إلى قسمة العمل بوصفها المرحلة التمهيدية لنشوء الصناعة الآلية الكبيرة.
أولا، يصبح ادخال الآلات ممكنا فقط عندما تنقسم العملية الانتاجية إلى عدد من الحركات الآلية البسيطة. ويجري استخدام الآلات، بادئ ذي بدء، للاضطلاع بأبسط الحركات. ولا يتم الانتقال للاضطلاع بالعمليات الاكثر تعقيدا، إلا على نحو تدريجي بطيء. فإذا اخذنا الحياكة مثلا، نجد أن النول الآلي طغى طويلا على انتاج الانسجة البسيطة، بينما كانت حياكة الحرير لا تزال تتم يدويا في معظم الحالات، كذلك، ففي المهن الهندسية، يجري ادخال الآلة، بادئ ذي بدء، للاضطلاع بأبسط العمليات –عملية الشحذ، وما إلى هنالك. غير أن هذا التقسيم للإنتاج إلى أبسط عملياته، إذا كان يشكل الخطوة التمهيدية الضرورية نحو الانتاج الآلي الكبير، إلا أنه يؤدي، في الوقت نفسه، إلى انتشار الصناعات الصغيرة. وهكذا، يصير بمكنة الاهالي المجاورين لمراكز الانتاج ان يمارسوا بعض هذه العمليات التفصيلية في منازلهم إما بأمر من اصحاب المشاغل المانيفاتورية، مستخدمين المواد الت يمدهم بها هؤلاء… وإما «باستقلالهم» في شراء المواد، وصناعة بعض اجزاء المنتوج وبيعها إلى اصحاب المشاغل… وقد يبدو أن نمو الصناعات الصغيرة (وحتى «المستقلة» أحيانا) كتعبير عن تطور المانيفاتورة الرأسمالية يشكل مفارقة واضحة. إلا أنه يبقى حقيقة لا يمكن اغفالها. وبديهي أن «استقلال» هؤلاء الحرفيين اليدويين هو مجرد وهم. فعملهم لا يقوم أصلا، ومنتوجهم قد لا يملك قيمة انتفاعية في العديد من الحالات، إذا لم يوجد رابط يربطهم بعمليات تفصيلية أخرى، وبأقسام اخرى من المنتوج. وحده رأس المال الكبير الذي يبسط سلطاته (بشكل او بآخر) على جمع من العمال يمارسون مثل هذه العمليات المنفصلة، نجح في ايجاد مثل هذا الرابط. ومن ابرز اخطاء الشعبويين انهم يتجاهلون او يطمسون حقيقة أن الحرفي اليدوي الذي يمارس عملية انتاجية واحدة إنما هو جزء مكون من عملية الانتاج الرأسمالية.
أما النقطة الثانية التي يجب التوكيد عليها بنوع خاص فهي ان المانيفاتورة تدرب العمال المهرة. لم يكن بمستطاع الصناعة الآلية الكبيرة أن تتطور بالسرعة التي تطورت فيها ابان فترة «ما بعد الإصلاح» لو لم تسبقها فترة طويلة تولت المانيفاتورة خلالها تدريب العمال (…)
ان قسمة العمل في المانيفاتورة الرأسمالية تشوِّه وتشل العمال، بمن فيهم الصناع اليدويين، الذين ينتجون أجزاء افرادية من المنتوج. انها تولّد الألمعيين والمشلولين، الأوائل هم الاستثناءات النادرة الذين تثير براعتهم اعجاب مفتشي العمل، أما الآخرون فإنهم غالبية الصناع اليدويين، ذوي الصدور الضعيفة، والأذرع النامية نموا غير متناسق مع باقي الأعضاء، والمصابون بـ«الالتواء في العمود الفقري»، الخ. الخ.
كما سبقت الإشارة، فان قسمة العمل الاقليمية –اي تخصص بعض المناطق في انتاج منتوج أوحد، أو نوع معين من المنتجات، او حتى جزء معين من المنتوج-ترتبط مباشرة بقسمة العمل بشكل عام. ان غلبة الانتاج اليدوي، ووجود جمهرة من المؤسسات الصغيرة، واستمرار ارتباط العامل بالأرض، وارتباط الحرفي بحرفة معينة –كل هذه تؤدي حكما إلى عزل مناطق الانتاج المانيفاتوري بعضها عن بعض، وقد تعني هذه العزلة المحلية أحيانا عزلة كاملة عن سائر اجزاء العالم التي تعاطى معها التجار (…)
ان قسمة العمل الاقليمية ليست من السمات المميزة لصناعتنا، بل هي من خصائص المانيفاتورة (في روسيا كما في سائر الاقطار). لم تنتج الصناعات الصغيرة مثل هذه الاقاليم الواسعة، بينما المصنع حطم عزلة هذه الاقاليم وأتاح انتقال المؤسسات الصناعية والعمال من مناطق لأخرى. أما المانيفاتورة، فإنها لا تخلق المساحات المندمجة وحسب، بل هي تدخل التخصص إلى تلك المناطق (قسمة العمل بالنسبة للبضائع). وان توافر المواد الاولية في منطقة معينة لا يشكل بأي حال من الأحوال شرطا أساسيا للمانيفاتورة، ولا هو أمر طبيعي بالنسبة إليها، لأن المانيفاتورة تفترض سلفا التبادل التجاري الواسع النطاق.
ويرتبط بالخصائص الآنفة الذكر للمانيفاتورة كون هذا الطور من النمو الرأسمالي يتم بشكل مميز من الانفصال بين الزراعة والصناعة. إذ لم يعد الفلاح هو الصناعي النموذجي، بل انه «الحرفي» غير الممارس للفلاحة (وفي الطرف الآخر، التاجر وصاحب المحترف). وكما تبين لنا سابقا، فان الصناعات المنظمة على اساس الانتاج المانيفاتوري غالبا ما تكون في مراكز غير زراعية، اما في البلدات، وأما –كما هي الحال غالبا- في القرى التي بالكاد يتعاطى سكانها نشاطا زراعيا معينا، تلك القرى التي ينبغي تصنيفها كتجمعات سكنية ذات صفة صناعية وتجارية. هنا نجد ان انفصال الصناعة عن الزراعة عميق الجذور في تقنيات المانيفاتورة، في اقتصادياتها، وفي مميزات نمط الحياة الذي تولده (او الثقافة). ذلك أن التقنية تقيِّد العامل بصنعة معينة فتجعله عديم النفع بالنسبة للزراعة (اي تجعله ضعيفا من الناحية الجسدية بالقياس لمتطلباتها، الخ) من جهة، لكنها تتطلب، الممارسة الطويلة والمنتظمة للصنعة، من جهة ثانية. اما البنية الاقتصادية للمانيفاتورة، فإنها تتصف بتمايز بين الصناعيين اعمق بكثير مما هو الحال بالنسبة للصناعات الصغيرة. وقد تبين لنا في حالة هذه الصناعات الصغيرة ان التمايز في الصناعة بتوازي مع تمايز في الزراعة. فمع الافقار المطلق لجموع المنتجين، الذي هو شرط ملازم للمانيفاتورة ونتيجة من نتائجها، يصعب تجنيد عمال المانيفاتورة من بين المزارعين المستقرين اقتصاديا. فمن بين المميزات الثقافية للمانيفاتورة نلاحظ، أولا، تواجدها القديم (ان لم نقل عراقتها) الذي يترك آثاره على السكان، ونلاحظ ثانيا، ارتفاع مستوى معيشة السكان. سوف نتطرق بالتفصيل للنقطة الاخيرة فيما بعد، ولكن فلنلاحظ، اولا بأول، ان المانيفاتورة لا تؤدي إلى الانفصال الكامل للصناعة عن الزراعة. ففي ظل التقنية [الانتاجية] اليدوية يتعذر على المؤسسات الكبيرة ان تصفي المؤسسات الصغيرة نهائيا، خاصة إذا وافق الصناع اليدويون الصغار على تمديد يوم عملهم وتخفيض مستوى متطلباتهم. وقد رأينا ان المانيفاتورة، في مثل هذه الحالات، قد تساعد على تطوير الصناعات الصغيرة. ولذلك، فمن الطبعي ان نجد ان المراكز غير الزراعية غالبا ما تكون محاطة بمنطقة كاملة من التجمعات الزراعية يمارس سكانها الصناعات اليدوية [إلى جانب الزراعة]. وفي هذا الصدد أيضا، يتجلى لنا بوضوح كامل الطابع الانتقالي للمانيفاتورة بين الانتاج اليدوي الصغير وبين المصنع. حتى في الغرب، لم تنجح الفترة المانيفاتورية من الرأسمالية في تحقيق الفصل الكامل بين العمال الصناعيين والزراعة. أما في روسيا، فان عملية الفصل هذه قد اعيقت بسبب استمرار العديد من المؤسسات التي تقيد الفلاح بالأرض. لذلك نكرر القول ان المؤسسة الاكثر تعبيرا عن المانيفاتورة الرأسمالية الروسية هي المركز غير الزراعي الذي يجذب سكان القرى المجاورة، الذين يتوزع وقتهم بين العمل الصناعي والعمل الزراعي، ويسيطر على هذه القرى في آن.
وتجذر الاشارة هنا إلى ارتفاع المستوى الثقافي لسكان هذه المراكز غير الزراعية. ذلك ان ارتفاع نسبة المتعلمين، وارتقاء مستوى الحاجات والمعيشة، والقطيعة مع «جلافة» القرية، تشكل عادة السمات المميزة لسكان مثل هذه المراكز. وبمقدور المرء أن يستوعب المغزى العميق لهذا الواقع، الذي يثبت بوضوح الدور التقدمي تاريخيا للرأسمالية، وأيضا للرأسمالية «الشعبية» الصافية التي لا يجرؤ اكثر المتحمسين للشعبويين على نعتها بأنها «اصطناعية»، طالما ان الغالبية الساحقة من المراكز المذكورة تصنَّف عادة في خانة الصناعة اليدوية! هنا ايضا يتجلى الطابع الانتقالي للمانيفاتورة لأنها تكتفي بافتتاح عملية تطوير عقلية السكان، وتترك للصناعة الآلية الكبيرة امر استكمالها.
في جميع الصناعات المنظمة على أساس المانيفاتورة التي عالجنا، وجدنا أن اكثرية العمال ليست مستقلة، بل هي خاضعة لرأس المال، تتقاضى الأجور لا غير، ولا تلك المواد الأولية ولا المنتجات الجاهزة. وفي نهاية الأمر فان الاكثرية الساحقة من العاملين في هذه «الصناعات» هم عمال مأجورون، على الرغم أن هذه العلاقة لا تبلغ، في ظل المانيفاتورة، الكمال وحالة الصفاء التي تبلغها في المصنع. في ظل المانيفاتورة، يندمج رأس المال التجاري مع رأس المال الصناعي، بحيث يتشابكان في أكثر الاشكال تنوعا، وتتخذ تبعية المنتج للرأسمالي عددا من التجليات والتلاوين، من العمل بالأجرة في المشغل الذي يملكه الغير، إلى العمل في منزل المنتج لصالح صاحب المشغل، وإلى التبعية في شراء المواد الأولية او في بيع المنتوج أخيرا. وهكذا، تشهد المانيفاتورة عددا كبيرا، إلى هذا الحد أو ذاك، من المنتجين شبه المستقلين، جنبا إلى جنب مع جمهرة من العمال التابعين. غير أن كل تنوع أشكال التبعية هو مجرد ستار يخفي السمة الرئيسية للمانيفاتورة، وهي أن الانشقاق بين ممثلي العمل وممثلي رأس المال قد أخذ يتجلى بحدة ووضوح كبيرَين. وفي الوقت الذي كان الفلاحون يحققون فيه تحررهم، إذا بهذا الانشقاق يسجل عدة اجيال من عمره في المراكز الكبيرة للمانيفاتورة الروسية. وفي كافة «الصناعات» التي عالجنا أعلاه، نجد جمهرة من الناس يقتصر مصدر رزقهم الوحيد على العمل في ظرف من التبعية لأفراد الطبقة المالكة، ونجد، من ناحية ثانية، اقلية ضئيلة من الصناعيين الميسورين يسيطرون، بطريقة أو بأخرى، سيطرة كاملة تقريبا على كل صناعة المقاطعة المعنية. وان هذه الواقعة الأساسية هي التي تسم المانيفاتورة عندنا بميسمها الرأسمالي البارز، بالقياس مع الحقبة التي سبقتها. فقد عرفت تلك الحقبة هي أيضا التبعية لرأس المال والعمل بالأجرة، ولكن على غير تبلور، وعلى غير شمول لأكثرية الصناعيين والسكان، وبدون أن يؤدي الامر إلى التمايز بين مختلف فئات الافراد المتعاطين الانتاج. أضف إلى ذلك ان الانتاج نفسه، في الحقبة السابقة، كان لا يزال يحتفظ برقعته الضيقة، إذ كان التمايز لا يزال ضعيفا بين صاحب الحرفة والعامل، ولم يكن الوضع قد شهد بروز أي من كبار الرأسماليين (الذين يرأسون المانيفاتورة دوما) أو اي من العمال المرتبطين بعملية انتاجية واحدة ووحيدة ومقيدين بالتالي برأس المال الذي يدمج هذه العمليات الانتاجية التفصيلية في أوالية انتاجية واحدة.
فيما يلي شهادة كاتب قديم تؤكد بطريقة صارخة تشخيصنا للمعطيات الواردة أعلاه:
«في قرية كيمري، كما في سائر القرى الروسية المسماة غنية كبافلوفا مثلا، نجد أن نصف السكان هم المتسولين الذين يعيشون على الصدَقات… إذا مرض عامل معين، وصدف انه يسكن بمفرده، فقد يجد نفه بدون كسرة خبز في غضون أسبوع» [16] .
وهكذا، فان السمة الرئيسية لاقتصاديات المانيفاتورة الروسية كانت مكتملة الوضوح منذ الستينيات-أي المفارقة بين «ثروة» عدد من «القرى المشهورة» وبين الافقار المطلق للأكثرية الساحقة من «الصناع اليدويين». ويرتبط بهذه السمة أن عمال المانيفاتورة النموذجين (وتحديدا، الحرفيون الذين قطعوا نهائيا، أو عمليا، مع الأرض) بدأوا ينجذبون نحو الطور اللاحق من الرأسمالية، لا طورها السابق، وباتوا أقرب إلى العامل في الصناعة الآلية الكبيرة منهم إلى الفلاح –وان المعطيات الآنفة الذكر عن المستوى الثقافي للصناع اليدويين تشكل برهانا صارخا على ما نقول. على ان هذا التشخيص لا ينطبق على مجموع العاملين في المانيفاتورة. ذلك ان استمرار عدد كبير من المؤسسات الصغيرة وأصحاب الحرف الصغار، واستمرار الارتباط بالأرض والتطور البالغ الكثافة للعمل المنزلي –كل هذه تعني وجود عدد كبير من «الصناع اليدويين» في المانيفاتورة ينجذبون نحو الفلاحين، نحو اصحاب الحرف الصغار، نحو الماضي لا المستقبل، ويتشبثون بكافة الأوهام حول امكانية تحولهم إلى اصحاب حرف مستقلين (بالجهود الجبارة، والتقتير واتساع الحيلة).
وفيما يلي تقويم لامع في موضوعيته لتلك الاوهام البرجوازية الصغيرة يرد في تقرير أحد مفتشي «الصناعات اليدوية» في مقاطعة فلاديمير:
«ان الانتصار النهائي للصناعة الكبيرة على الصناعة الصغيرة، وتجميع العمال، الموزعين في ورشات عديدة، داخل جدران مصنع حرير واحد، هو امر لا يتطلب سوى الوقت. وبقدر ما يتسارع تحقيق هذا الانتصار بقدر ما يجلب المنافع لعمال الحياكة.
ومما يميز التنظيم الحالي لصناعة الحرير عدم استقرار الفئات الاقتصادية وهلاميتها، والنزاع بين الانتاج الكبير والإنتاج الصغير والزراعة. ويدفع هذا الصراع بـ«المعلم» الصغير وبالحائك إلى حمى الهياج، فلا يؤدي سوى إلى انفصالها عن الأرض، وإغراقها في الديون وفي فترات من الاحباط. ان تمركز الانتاج لن ينخفض أجور الحائك، لكنه سيزيل الحاجة إلى تحفيز وتخدير العمال، واغرائهم بتقديمات لا تتناسب ومداخيلهم السنوية. فمع انخفاض المنافسة المتبادلة، يفتر اهتمام أصحاب المعامل في بذل أموال طائلة لإيقاع الحائك تحت طائلة الديون. ثم ان الانتاج الكبير يولد تناقضا بيِّنا بين مصالح صاحب المعمل والعمال، بين ثروة الأول وبؤس الآخرين، إلى درجة أنه تنعدم عند الحائك الرغبة في ان يصبح صاحب معمل. ان الانتاج الصغير لا يقدم للحائك أكثر مما يقدمه له الانتاج الكبير، لكنه –أي الانتاج الصغير- يفتقر إلى ثبات هذا الأخير، ولهذا السبب بالذات فانه يصيب العامل بضرر افدح. تتولد آمال واهمة في ذهن الحائك، فيتطلع إلى اليوم الذي يقيم فيه نوله الخاص. ومن أجل تحقيق هذا الهدف يجهد نفسه لأقصى حد، ويغرق في الديون، فيأخذ بالسرقة، والكذب، ويبدأ بالنظر إلى زملائه الحائكين ليس كشركاء في المصيبة، وإنما كأعداء، كمنافسين على استملاك النول نفسه الذي يحلم باستملاكه هو ذات يوم. ان صاحب المشغل الصغير ليس يدرك تفاهة وضعه الاقتصادي، فتجده يتشبث بالسماسرة وأصحاب المعامل، ويخفي عن زملائه مصدر وشروط شرائه للمواد الاولية وبيعه لمنتوجاته. انه يتصور نفسه صاحب حرفة مستقل، فيتحول إلى أداة طيعة بائسة، إلى لعبة، بين أيدي كبار التجار. وما ان ينجح في انتشال نفسه من المستنقع، وفي استملاك ثلاثة او أربعة أنوال، حتى تجده يتحدث عن مشاغل وهموم أرباب الأعمال وعن كسل الحائكين وإدمانهم على الكحول، وعن ضرورة تأمين صاحب المعمل ضد عدم الوفاء بالديون. ان صاحب الحرفة الصغير هو التجسيد الحي للعبودية الصناعية، تماما كما كان الساقي والخادم المنزلي تجسيدا لعبودية الارقاء. فطالما لم تنفصل أدوات الانتاج نهائيا عن المنتج، سيظل هذا الأخير يملك الفرص للتحول إلى صاحب حرفة مستقل، وطالما لا يزال الملاك، وأصحاب الحرف الصغار، والوسطاء –الذين يقودون الفئات الاقتصادية الدنيا ويستغلونها ويتعرضون لاستغلال الفئات العليا- يرمدون الهوة الاقتصادية بين السمسار والحائك، فان الوعي الاجتماعي للعاملين سيظل يشوبه الغموض، كما ستظل مخيلتهم فريسة الأوهام. فتحتدم المنافسة حيث يجب ان يحل التضامن وتتولد وحدة مصالح بين فئات اقتصادية متناقضة. ان النظام الحالي لإنتاج الحرير لا يكتفي بالاستغلال الاقتصادي، بل هو يجد عملاء له بين المستغَلين (بفتح الغين)، ويلقي على عاتقهم مهمة بلبلة اذهان وإفساد قلوب الشغيلة» (صناعات مقاطعة فلاديمير، الجزء 3، ص 124-126).
يتضح من المعطيات الواردة أعلاه أن عددا كبيرا من المؤسسات الصغيرة يتزامن مع المشاغل الرأسمالية الكبيرة في هذه الحقبة من التطور الرأسمالي، إلى درجة ان هذه المؤسسات الصغيرة تكون هي الطاغية، عادة، مع أنها تلعب دورا ثانويا في اجمالي الانتاج. ان استمرار المؤسسات الصغيرة (لا بل تطورها، كما تبين لنا أعلاه) ظاهرة طبيعية جدا في ظل المانيفاتورة. ففي ظل الانتاج اليدوي، لا تملك المؤسسات الكبيرة أفضليات حاسمة على المؤسسات الصغيرة. لا بل أن قسمة العمل تشجع على نشوء المشاغل الصغيرة، لأنها تؤدي إلى نشوء ابسط العمليات [الانتاجية] التفصيلية. ولهذا السبب بالذات، فإن إحدى السمات المميزة للمانيفاتورة الرأسمالية هي تحديدا العدد القليل من المؤسسات الكبيرة نسبيا المتجاورة مع العدد الكبير من المؤسسات الصغيرة. هل ان ثمة من علاقة بين هذا وذاك؟ ان المعطيات التي عالجنا أعلاه لا تترك مجالا للشك في أن العلاقة بينهما هي من أوثق العلاقات، وفي أن المؤسسات الكبيرة تولد من المؤسسات الصغيرة، التي تكون احيانا مجرد فروع خارجية للمعامل المانيفاتورية، مثلما تؤكد هذه المعطيات على أن العامل الذي يعزز تلك العلاقة، في أغلب الاحيان، هو رأس المال التجاري الذي يملكه كبار اصحاب المشاغل والذي يبسط سلطانه على صغارهم. ان مالك المشغل الكبير مضطر إلى شراء المواد الاولية وبيع منتجاته على نطاق واسع. وبقدر ما تكون دورة رأس ماله كبيرة، تنخفض أكلافه (بالقياس إلى السلعة الواحدة) في شراء وبيع السلع، والفرز والتخزين، الخ. الخ. وهكذا تنشأ عملية اعادة بيع للمواد الأولية لأصحاب المشاغل الصغار بالتجزئة، وشراء سلعهم التي يبعها صاحب المانيفاتورة بدوره بصفتها سلعا من انتاجه. وغالبا ما يرتبط الاسترقاق والربا بعمليات بيع المواد الأولية وشراء المنتجات. فإذا كان صاحب المشغل الصغير يشتري المواد بالدَّين ويسلم منتجاته تسديدا لديونه، فان صاحب المانيفاتورة الكبير يحقق بذلك مستوى من الربح على رأسماله لا يتحقق مطلقا على يد العمال المأجورين. ان قسمة العمل تنعش تطور علاقات التبعية التي تشد اصحاب المشاغل الصغار إلى الكبار. وهؤلاء الآخرون إما أن يوزعوا المواد على المنازل لصناعتها (أو لممارسة عمليات تفصيلية معينة عليها) وإما أن يشتروا من «الحرفي اليدوي» اجزاء من منتجات، أو أنواعا معينة منها، الخ. وباختصار، فان أوثق الارتباط بين رأس المال التجاري والصناعي هو واحد من أبرز مميزات المانيفاتورة. ويندمج «السمسار» هنا، في معظم الأحيان، بصاحب المانيفاتورة (أو «صاحب المصنع» إذا شئنا استخدام المصطلح الخاطئ الشائع التداول الذي يصنف كل محترف على أنه «مصنع» بغض النظر عن حجمه). ولهذا فغالبا ما نجد أن المعطيات الاحصائية عن مؤشر الانتاج للمؤسسات الكبيرة لا تقدم لنا، بحد ذاتها، اية فكرة واضحة عن الدلالة الحقيقية لهذه المؤسسات بالنسبة إلى الصناعات الحرفية، لأن أصحاب هذه المؤسسات لا يبسطون سلطانهم على عمل العمال المستخدمين في مؤسساتهم وحسب، وإنما يسيطرون أيضا على جمع من العمال المنزليين وحتى على جمهور واسع من اصحاب المشاغل الصغار شبه المستقلين، يلعبون تجاههم دور السماسرة. وهكذا فالمعطيات الاحصائية عن المانيفاتورة الروسية تزيد من ابراز القانون الذي اثبته مؤلف «رأس المال»، والقائل بأن درجة تطور رأس المال التجاري يتناسب عكسيا مع درجة تطور رأس المال الصناعي. وبالتأكيد يحق لنا أن نقول عن كل الصناعات الموصوفة في القسم الثاني من هذا الفصل: اذ يتقلص عدد المشاغل الكبيرة بين هذه الصناعات، يزداد تطور السماسرة، والعكس بالعكس. والذي يتغير هنا هو مجرد شكل رأس المال المسيطر في كل حالة من الحالات والذي يفرض على الصانع اليدوي «المستقل» ظروفا غالبا ما تكون أسوأ بكثير من ظروف العامل المأجور.
ان الخطأ الاساسي الذي يرتكبه الاقتصاديون الشعبويون هو انهم يتجاهلون، أو يقللون من شأن العلاقة القائمة بين المؤسسات الصغيرة والمؤسسات الكبيرة من جهة، والعلاقة القائمة بين رأس المال التجاري ورأس المال الصناعي من جهة ثانية. «ان صاحب المعمل في منطقة بافلوفا ما هو إلا سمسار متطور»، يقول السيد غريغورييف (المصدر السالف الذكر، ص 119). وهذا صحيح ليس فقط بالنسبة إلى بافلوفا وحدها، بل وأيضا بالنسبة لغالبية الصناعات المنظمة وفق نهج المانيفاتورة الرأسمالية. والعكس صحيح أيضا. فالسمسار في نظام المانيفاتورة هو «صاحب معمل» متطور. وهذا بالمناسبة هو أحد الفروقات الأساسية بين السمسار في نظام المانيفاتورة والسمسار في الصناعات الفلاحية الصغيرة. لكن أن نستخلص من واقعة الارتباط بين «السمسار» و«صاحب المعمل» حجة تؤيد الصناعة الصغيرة (كما يفعل السيد غريغورييف والعديد غيره من الشعبويين) ما هو إلا عملية استخلاص لنتائج اعتباطية كليا وعملية تشويه للحقائق لكي تتلاءم مع افكار مسبقة. ان حشدا من الوقائع يأتي ليؤكد، كما رأينا سابقا، ان اندماج رأس المال التجاري مع رأس المال الصناعي يؤدي إلى تدهور وضع المنتج المباشر إلى ما دون مستوى العامل المأجور، ويطيل يوم عمله، ويخفض مداخيله، ويؤخر التقدم الاقتصادي والثقافي.
يبين لنا الفصل الابق أن الصناعات الفلاحية الصغيرة تحوي على صناعة منزلية رأسمالية، اي على عملية تحويل للمواد الأولية في المنازل، والدفع على القطعة، والحصول على المواد الأولية عبر المتعهدين. وسوف نلتقي لاحقا بالصناعات المنزلية الرأسمالية (وعلى نطاق واسع) جنبا إلى جنب مع المصنع، اي مع الصناعة الآلية الكبيرة. وهكذا فان الصناعة المنزلية الرأسمالية ترافق كافة أطوار نمو الرأسمالية في الصناعة، وإن تكن أكثر تمييزا لمرحلة المانيفاتورة. إن كلا من الصناعات الفلاحية الصغيرة والصناعة الآلية الكبيرة تستطيع ان تتدبر أمورها بدون الصناعة المنزلية. على أن فترة المانيفاتورة من تطور الرأسمالية، بما يميزها من استمرار صلة العامل بالأرض وبتكاثر المؤسسات الصغيرة حول المؤسسات الكبيرة، يصعب، او حتى يستحيل، ان نتصورها بدون توزيع العمل المنزلي. وتؤكد الوقائع الروسية، كما رأينا أعلاه، ان توزيع العمل المنزلي واسع الانتشار في الصناعات المنظمة وفق نظام المانيفاتورة الرأسمالية. ولهذا السبب فإننا نعتقد ان الاكثر ملاءمة لأهدافنا هو أن ندرس في هذا الفصل تحديدا السمات المميزة للصناعة المنزلية الرأسمالية، على الرغم من أن بعض الأمثلة الواردة أدناه يصعب اعتبارها من ضمن نظام المانيفاتورة.
لا بد من أن نشير، بادئ ذي بدء، إلى تكاثر الوسطاء بين الرأسمالي والعامل في الصناعة المنزلية. يتعذر على المتعهد الكبير أن يوزع بنفسه المواد على مئات وآلاف من العمال المنزليين، الموزعين أحيانا على عدد من القرى. ويستدعي ذلك نشوء الوسطاء (وقد يتطلب الأمر أحيانا نشوء نظام تراتبي من مثل هؤلاء الوسطاء) لاستلام المواد بالجملة وتوزيعها بالتجزئة. هكذا نحصل على نظام التعريق [17] ، نظام يمارس أقصى صنوف الاستغلال: ذلك أن «الملتزم الفرعي» (أو «صاحب المشغل» أو «بباعة المخرّمات»، الخ.الخ.) هو قريب جدا من العامل، وهو يعرف بالتالي كيف يستفيد حتى من أدق حيثيات بؤسه، ويبتكر للاستغلال وسائل لا يعقل تصورها في مؤسسة كبيرة مثلما تنعدم امكانية اكتشافها ومراقبتها.
وإلى جانب نظام التعريق، أو ربما كشكل من أشكاله، يوجد نظام دفع الأجور على شكل بضائع [18] -الممنوع في المصانع، لكنه يستمر في الصناعات الحرفية اليدوي، خاصة حيث يجري توزيع العمل على المنازل. وفي وصفنا للصناعات المختلفة أعلاه، قدمنا الأمثلة عن هذه الممارسات الشائعة.
ثم أن الصناعة المنزلية الرأسمالية تستجلب ظروف عمل غير صحية على الاطلاق حيث يضاف فقر العامل المدقع إلى استحالة ضبط ظروف العمل بواسطة أي نوع من القوانين إلى دمج مكان العمل مع مكان السكن لتوليد ظروف تحوّل مساكن العمال المنزليين إلى بؤر للالتهابات وللأمراض المهنية. يمكن مكافحة مثل هذه الآفات في المؤسسات الكبيرة. على ان الصناعة المنزلية تبقى بين اشكال الاستغلال الرأسمالي أكثرها «ليبرالية».
ان يوم العمل الطويل فوق حدود المعقول هو ايضا سمة مميزة من سمات العمل المنزلي لصالح الرأسمالي كما هي من سمات الصناعات الصغيرة عموما. ولقد تعرضنا للحيثيات التي تقارن يوم العمل في كل من «المصانع» وبين «الصناع اليدويين».
في معظم حالات الصناعة المنزلية تجد انجذاب النساء والأطفال منذ نعومة أظافرهم إلى الانتاج. وتأكيدا على ذلك، فلنذكر بعض الوقائع المستمدة من دراسة عن الصناعات النسائية في مقاطعة موسكو. توجد 10004 نساء تعمل في لف القطن، حيث يبدأ الأطفال العمل في الخامسة أو السادسة من عمرهم (!) وحيث المدخول اليومي 10 كوبيكات والسنوي 17 روبلا. ويصل يوم العمل في الصناعات النسائية عموما إلى 17 ساعة. وفي الحياكة يبدأ الأطفال العمل في السادسة، ويبلغ المدخول اليومي 10 كوبيكات والسنوي 22 روبلا. ويبلغ مجموع العاملات في الصناعات النسائية 37514 امرأة، يبدأن العمل في الخامسة او السادسة من العمر في ست من الصناعات الـ 19 التي تستوعب 32400 من العاملات، ويتقاضين 13 كوبيكا كمعدل للدخل اليومي، و26 روبلا و20 كوبيكا كدخل سنوي.
ولعل أخبث أوجه الصناعة المنزلية الرأسمالية ذلك الذي يؤدي إلى انخفاض في مستوى متطلبات العامل. هنا يستطيع رب العمل أن يستجلب العمال من المناطق البعيدة حيث مستوى معيشة الشعب متدنٍ إلى أبعد حد وصلة العامل بالأرض تسمح له بالعمل لقاء أتفه الأجور. لنأخذ مثلا صاحب مؤسسة لصنع الجوارب في احدى القرى الذي يشرح قائلا أن الايجارات في موسكو مرتفعة، وبالإضافة لذلك فان الحائكين «يجب اطعامهم… الخبز الأبيض… في حين أن العمال هنا يعملون في أكواخهم ويكتفون بالخبز الاسمر… فكيف يمكن لموسكو، بعد هذا كله، ان تنافسنا؟!» [19] . أما تفسير الاجور الشديدة الانخفاض لزوجات وبنات الفلاحين في صناعة لف القطن فهو أن هذا العمل يشكل بالنسبة لهن مصدر دخل إضافي: «وهكذا، فالنظام السائد في هذه المهنة، يخفض الاجور إلى ادنى حد بالنسبة للذين تشكل هذه المهنة مصدر رزقهم الوحيد، ويخفض بالتالي أجور الذين يعتاشون على العمل الصناعي وحده لما هو دون الحد الادنى من حاجاتهم، او هو يؤخر، أقلا، عملية ارتفاع مستوى معيشتهم. اي انه يؤدي إلى نشوء ظروف غير طبيعية، في كلا الحالين» [20] . ويقول السيد خاريزومينوف: «يسعى المصنع وراء الحائكين ذوي الأجور المتدنية وهو يجدهم في قراهم البعيدة جدا عن مراكز الصناعة… هناك واقعة أكيدة، وهي ان الأجور تنخفض بانتظام مع الابتعاد عن المراكز الصناعية نحو الأطراف» [21] . وهكذا، فإن أرباب العمل قادرون على الاستفادة القصوى من الظروف التي تقيد السكان بالأرياف بطريقة اصطناعية.
أما عزلة العمال الصناعيين فليست أقل خبثا من سائر أوجه هذا النظام (…)
ان عزلة العمال الصناعيين وتعدد الوسطاء تؤيدان بالطبع إلى انتشار العبودية، إلى مختلف اشكال التبعية الشخصية التي تترافق عادة والعلاقات «البطريركية» في الأرياف النائية. ثم ان مديونية العمال لأرباب العمل ظاهرة واسعة الانتشار في الصناعات اليدوية عموما والصناعات المنزلية خصوصا. فالعامل ليس عبدا للآخر وحب بل هو عبد الديون أيضا. وقد أوردنا اعلاه عددا من الأمثلة عن الظروف التي يعيشها العامل في ظل «الطابع العشيري» (البطريركي) للعلاقات الريفية.
عند الانتقال من وصف الصناعة المنزلية الرأسمالية إلى وصف الظروف التي تساعد على انتشارها، لا بد لنا أولا من ذكر العلاقة بين هذا النظام وبين تقييد الفلاح بحصة أرضه. فقدان حرية الحركة، التعرض أحيانا لخسارة مادية من أجل التخلص من الأرض (عندما تفيض نفقات الأرض عن عائداتها، بحيث يضطر الفلاح الذي يؤجر حصته إلى دفع مبلغ للمستأجر)، وحصرية المجتمع الفلاحي في مرتباته الاجتماعية، كل هذه توسع بطريقة اصطناعية من رقعة العمل المنزلي الرأسمالي، وتقيد الفلاح بطريقة اصطناعية أيضا، لأسوأ أشكال الاستغلال. وهكذا فالمؤسسات البالية ومبدأ المراتب الاجتماعية تمارس اخبث تأثير على الزراعة والصناعة معا، وتحافظ على اشكال الانتاج المتخلفة تقنيا والتي تترافق مع نمو هائل للعبودية والتبعية الشخصية، ومع أتعس الظروف وأشدها سحقا للكادحين [22] .
وبالإضافة لذلك، فانه توجد علاقة اكيدة بين العمل المنزلي لصالح الرأسماليين وبين تمايز الفلاحين. ان اتساع العمل المنزلي على نطاق واسع يفترض شرطين: 1-وجود جمهرة من العمال الريفيين المضطرين لبيع قوة عملهم لقاء اجور رخيصة؛ 2-وجود فلاحين ميسورين، وثيقي الاطلاع على الظروف المحلية، وقادرين على الاضطلاع بدور الوكلاء في عملية التوزيع. ذلك ان البائع الذي يوفده التاجر [لتلك المناطق] قد لا يستطيع ممارسة هذا الدور (خاصة بالنسبة للصناعات البالغة نسبة معينة من التعقيد)، وهو بالتأكيد لن يستطيع ممارسته بـ«البراعة» التي يمارسه فيها الفلاح المحلي، اي كـ«واحد منهم». وقد يعجز كبار المقاولين عن تنفيذ نصف عملياتهم في توزيع العمل على العمال المنزليين إذا لم يكن يوجد تحت امرتهم جيش كامل من صغار المقاولين يمكن ائتمناهم على تسلم السلع بالدَّين أو على أساس عمولات، ممن يقفز على كل مناسبة بجشع سعيا وراء توسيع عملياته التجارية الصغيرة.
وأخيرا، فانه من الأهمية بمكان أن نشير إلى مكانة الصناعة المنزلية الرأسمالية في نظرية الفائض السكاني الذي تولده الرأسمالية. لم يتحدث احد عن «تحرير» الرأسمالية للعمال الروس بقدر ما تحدث السادة دانيالسون وفورونتسوف وسواهما من الشعبويين. إلا أن واحدا منهم لم يتجشم عناء تحليل الاشكال المخصوصة التي يتخذها «جيش العمل الاحتياطي» الذي تكوّن ولا يزال يتكون في فترة «ما بعد الإصلاح» في روسيا. ولم يخطر ببال السادة الشعبويين قط أن العمال المنزليين قد يشكلون الفصيل الأكبر في هذا «الجيش الاحتياطي» للرأسمالية. ان المتعهدين، إذ يوزعون العمل للتنفيذ في المنازل، يحققون زيادة الانتاج فورا إلى الكميات المطلوبة دون ان ينفقوا مقادير هامة من رأس المال أو الوقت على بناء المعامل، الخ. وغالبا ما تكون ظروف السوق هي التي تملي مثل هذه الزيارة السريعة للإنتاج، عندما ينجم ارتفاع الطلب عن انتعاش احد الفروع الصناعية الكبيرة (كبناء خط سكة حديد، مثلا) أو عن ظروف خاصة كالحرب، وما شابه. من هنا، فالوجه الآخر للعملية الموصوفة في الفصل الثاني على أنها تكوّن بروليتاريا زراعية من ملايين الأفراد، هو، بالمناسبة، النمو السريع للصناعة المنزلية الرأسمالية في فترة «ما بعد الإصلاح».
«ما الذي حصل لتلك الايدي العاملة التي تحررت من المهن المرتبطة بالاقتصاد المنزلي، الطبيعي، وأخذت تتطلع إلى العائلة وإلى المستهلكين القلائل في السوق المجاورة؟ ان المصانع المكتظة بالعمال، والاتساع السريع للصناعة المنزلية الواسعة النطاق، يقدمان الجواب على السؤال» (صناعات مقاطعة فلاديمير، الجزء 3، ص 20. التشديد من لينين).
وتبين الأرقام الواردة في القسم الذي سيلي عدد العمال المستخدمين لدى مقاولين في الصناعة اليدوية الذي بلغته روسيا هذه الأيام.
(…) ردا على السؤال -«ما الصناعة اليدوية؟»- تضطرنا المعطيات الواردة في الفصلين السابقين إلى الاجابة بما يلي: ان المصطلح غير ملائم اطلاقا لأغراض البحث العلمي، وهو يستخدم للدلالة على الأشكال الصناعية كلها، من الصناعات المنزلية والصناعات اليدوية إلى العمل المأجور في أكبر المانيفاتورات. ان هذا التجميع الاعتباطي لأنماط التنظيم الاقتصادي الاشد تنوعا الذي يسود العديد من الأبحاث عن الصناعات اليدوية جرى تبنيه، على نحو أخرق، معدوم الحس النقدي، فخطوا بذلك خطوة كبيرة إلى الخلف بالمقارنة مثلا مع كاتب مثل كورساك، وأفادوا من فوضى المصطلحات السائدة لابتكار اعجب النظريات. وهكذا نظروا إلى «الصناعة اليدوية» بصفتها متجانسة اقتصاديا، ومكتفية ذاتيا، و«جابهوا» (كذا!) بينها وبين «الرأسمالية» التي لا تحتاج إلى كثير من لغط لكي يجري تفسيرها على أنها تعني الصناعة «المصنعية الآلية». لنأخذ السيد دانيالسون، مثلا. في ص 79 من كتابه مقالات«، نجد العنوان التالي: «رسملة (؟) الصناعات» يليه، دون اي تحفظ أو شرح: «احصائيات عن المصانع»… ان مثل هذه السذاجة مؤثرة: «الرأسمالية»=«الصناعة المصنعية [الآلية]»، والصناعة المصنعية=ما يجري تصنيفه تحت هذا العنوان في المطبوعات الرسمية. وعلى أساس مثل هذا «التحليل» العميق، فان جماهير العمال المأجورين رأسماليا المحسوبين «بين الصناع اليدويين» يجري اسقاطهم من حساب الرأسمالية. على اساس مثل هذا «التحليل» يجري تركيب حكم مسبق هو من أشد الاحكام المسبقة عبثية وخبثا، يقضي بالتمييز بين «صناعتنا المصنعية»، وبفصل الثاني عن الأول، كما يقضي بـ«الطابع الاصطناعي» للصناعة «المصنعية»، الخ. انه حكم مبق لأن أحدا من هؤلاء السادة لم يقم حتى بدراسة المعطيات الاحصائية التي تشير، في كافة فروع الصناعة، إلى وجود علاقة وثيقة لا تنفصم بين الصناعة «اليدوية» والصناعة «المصنعية».
وقد كان غرض هذا الفصل أن يبين بدقة عناصر هذه العلاقة والمميزات التقنية والاقتصادية والثقافية للشكل الصناعي الذي يتوسط بين الصناعة الصغيرة الآلية الكبيرة في روسيا.
[1].الفئات هي التالية: الأولى 1.6-2.5 عمال، الثانية 2.7-4.4، الثالثة 5.1-8.4، والرابعة 11.5-17.8 عمال –المترجم-.
[2].للإطلاع على وصف نشوء المانيفاتورة الرأسمالية، راجع رأس المال لماركس (الكتاب الثالث، ص318-320): «ان المانيفاتورة لم تولد في رحم النقابات الحرفية القديمة guilds . وان التاجر هو الذي ترأس المحترف الحديث وليس شيح الكار القديم guild-master» (بؤس الفلسفة، ص 190)… (ملاحظة لينين).
[3].-كارل ماركس، رأس المال، الكتاب الأول، ص383.
[4].المقاطع المقتطفة من هذا القسم تعطي فكرة تفصيلية ووقائعية عن ابرز مظاهر ومميزات المانيفاتورة الرأسمالية في روسيا، وهي التي يعتمد عليها لينين لاستخلاص النتائج والتعميمات في الاقسام اللاحقة –المترجم-.
[5].خيوط السَدادة، هي خيوط النسيج التي تُمد بالطول في النول. وهي عكس اللحمة –المترجم-
[6].صاحب المشغل يؤجر المشغل للحائكين حيث يضعون أنوالهم ويعملون عليها. الوسيط (الذي قد يكون صاحب المشغل نفسه في بعض الأحيان) يتفق مع رب العمل الرأسمالي على تدفئة المشغل وإصلاحه، وتسليم المواد الأولية للحائكين، وإرسال المنتجات إلى رب العمل، أو العمل كوكيل له تجاه الحائكين. أما المقاول الثانوي، فانه منتج يوزع العمل على سواه من المنتجين –المترجم-
[7].خيوط اللحمة، هي خيوط النسيج التي تُمدّ عرضا في النول. وهي عكس السداة –المترجم-
[8].المشط هو جزء من النول يفصل خيوط السدادة. والطارة هي الاطار الخشبي المتحرك للنول –المترجم-.
[9].الأطلس أو الساتان Satin نسيج حريري صقيل –المترجم-.
[10].القنَّب (أو الخيش) هو المادة التي تصنع منها الحبال –المترجم-
[11].طقم الحصان هو مجموع جهاز الفرس لركبها من سَرج ولجام وخلافه. أما الطوق فهو ما يوضع حول عنق الحصان عندما يجر عربة –المترجم-
[12]. في العام 1889، كانت 1469 أسرة من اصل 1812 (يبلغ مجموع أفرادها 9241 نسمة) لا تتعاطى أية أعمال زراعية على الاطلاق (في العام 1897 بلغ السكان 12342 نسمة). وتختلف قريتا بافلوفا وبوغورودسسكوي عن سواهما من القرى في قضاء غورباتون بأن عدد السكان الذين يغادرونهما قليل جدا، بل بالعكس من ذلك، فمن اصل مجموع فلاحي قضاء غورباتوف الذين غادروا قراهم، تجد أن 14.9 بالمئة منهم يسكن بافلوفا و4.9 بالمئة بوغورودسكوي. وقد تزايد عدد السكان في القضاء بنسبة 22.1 بالمئة للفترة 1858-1889، في حين بلغ معدل الزيادة لقرية بوغدرودسكوي 42 بالمئة (انظر المواد الاحصائية للزييمستوفات) (ملاحظة لينين).
[13]. تحديدا الكفاس Kvas، وهيي نوع من الجعة يصنع في روسيا وأوروبا الشرقية من الجاودار –المترجم-.
[14]. لنقتصر على مثال واحد. في قرية بوريسوفكا، قضاء غرايوفورون، من أعمال مقاطعة كورسكرا، توجد صناعة لرسم الايقونات يشتغل فيها 500 نسمة. أكثرية الحرفيين لا يستخدمون العمال، وإنما يعتمدون على المتدربين الذين يشتغلون 14 إلى 15 ساعة باليوم. وعندما ورد اقتراح لإنشاء مدرسة رسم، عرضه الحرفيون بشدة، خوفا من خسارة العمل المجاني الذي يبذله المتدربون (تقارير وتحريات، الكتاب الأول، ص 133). أما في الصناعة المنزلية، فان ظروف عمل الاطفال في ظل المانيفاتورة الرأسمالية ليست أحسن حالا من ظروف المتدربين، طالما أن العامل مجبر على تطويل يوم العمل وبذل كل مجهود عائلته إلى حدها الاقصى. (ملاحظة لينين).
[15]. ظلت المانيافتورة الشكل السائد «للصناعة» في أوروبا من القرن السادس عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثامن عشر، عند مستهل «الثورة الصناعية»-المترجم-.
[16]. -ن.أوفسيانيكوف، «علاقة منطقة الفولغا العليا بسوق نيجني-نوفغورود»، المجلد 2 (نيجني-نوفغورود، 1869) (ملاحظة لينين).
[17]. sweat system.
[18]. truck system.
[19]. -المعطيات الاحصائية لمقاطعة موسكو، المجلد 3، الجزء 2، ص 104.
[20].-المصدر ذاته، ص 285.
[21].-صناعات مقاطعة فلاديمير، الجزء 3، ص 63.
[22].ما من شك في أنه طالما وجد نظام رأسمالي فانه سستوجد بروليتاريا ريفية مستعدة للاضطلاع بعمل منزلي في أسوأ الشروط. غير ان المؤسسات البالية توسع رقعة العمل المنزلي وتعيق النضال ضده. منذ العام 1861، أشار كورساك إلى العلاقة ما بين الاتساع الهائل لرقعة الصناعة المنزلية في روسيا وبين النظام الزراعي السائد في بلادنا (المصدر الالف الذكر، ص 305-307) (ملاحظة لينين).