نُشر هذا المقال في جريدة “البرافدا” البلشفية قبل أسبوع من الاحتفال الأول بـ “يوم التضامن
العالمي لنساء البروليتاريا” في الثامن من مارس عام 1913. تميز هذا اليوم في سان بطرسبرج بالدعوة لشن حملة ضد
افتقار العاملات للحقوق الاقتصادية والسياسية، ومن أجل طبقة عاملة موحدة بقيادة العاملات اللاتي ينتزعن تحررهن.
ترجمة ضي
رحمي (2013)
التحويل الرقمي: علي بطحة (ديسمبر 2022)
ما هو “يوم المرأة”؟ وهل هو حقًا ضروري؟ ألا يُعد هذا تنازلًا لصالح نساء الطبقة البرجوازية، والنسويات وحركة سوفرجت (1) ؟ وهل يشكل الاحتفاء به ضررًا على وحدة الحركة العمالية؟ لازالت مثل هذه الأسئلة تتردد في روسيا حتى الآن، على الرغم من أنها لم تعد تُسمع في الخارج، ورغم أن الحياة نفسها قد زوّدتنا بإجابة واضحة وبليغة بالفعل.
“يوم المرأة” هو حلقة في سلسلة الحركة النسائية البروليتارية الطويلة الصلبة. فعام وراء عام، ينمو ويقوى الجيش التنظيمي للنساء العاملات. ومنذ عشرين عامًا، كانت النقابات العمالية تضم عاملات من صفوف حزب العمال في صورة مجموعات صغيرة متناثرة هنا وهناك. الآن تضم النقابات الإنجليزية أكثر من 292 ألف امرأة عاملة؛ وما يقرب من 200 ألف عاملة في الحركة النقابية الألمانية، بينما يضم حزب العمال حوالي 150 ألف عاملة؛ أما في النمسا فهناك ما يقرب من 47 ألف عاملة عضوات في النقابات، وحوالي 20 ألف أخريات في صفوف الحزب.
في كل مكان – في إيطاليا والمجر والدنمارك والسويد والنرويج وسويسرا – نساء الطبقة العاملة ينظمن أنفسهن، والآن يضم الجيش الاشتراكي النسائي ما يقرب من مليون عضوة. يا لها من قوة ماحقة! قوة لابد وأن تحسب القوى العظمى حسابها حين تتعلق المسألة بتكاليف المعيشة، وحماية الأمومة، وعمالة الأطفال، والتشريعات التي تصون النساء العاملات.
كان هناك وقت اعتقد فيه رجال العمال أنهم فقط من يقع على كاهلهم عبء النضال ضد الرأسمالية، وأن عليهم وحدهم التعامل مع “العالم القديم” دون عون أو مساعدة من نسائهم. لكن، بانضمام النساء لصفوف أولئك الذين يبيعون قوة عملهم، حين أجبرتهن الحاجة ودفعتهن حقيقة أن الزوج أو الأب عاطل عن العمل، على النزول لسوق العمل، تيقن رجال العمال أن تركهم للنساء خلفهم “بلا وعي طبقي” أمرٌ ضار بقضيتهم، بل ويجذبها للوراء.
فكلما زاد عدد المناضلين الواعين، كلما زادت فرص النجاح. لكن، ترى ما هو مستوى وعي امرأة تجلس أمام موقد، بلا حقوق داخل المجتمع والدولة والعائلة؟ امرأة ليس لديها “أفكار” خاصة! فكل أمورها مرتهنة برغبة وإرادة الأب أو الزوج. إن ما تعانيه النساء من تخلف وانعدام للحقوق، وتبعية وتهميش، لا يفيد الطبقة العاملة في شيء، بل يضرها ضررًا مباشرًا في الواقع. لكن، كيف تُستقطب النساء العاملات داخل الحركة العمالية، كيف يستفقن من ثباتهن؟
في الخارج، لم تجد الاشتراكية الديمقراطية سبيلًا على الفور إلى الحل الصحيح. ورغم أن التنظيمات العمالية فتحت أبوابها أمام النساء العاملات، إلا أن عدد قليل فقط منهن انضممن لها. لماذا؟ لأن الطبقة العاملة لم تدرك في البداية أن المرأة العاملة هي العنصر الأشد حرمانًا قانونيًا واجتماعيًا من بين عنصريّ الطبقة، وأن تعرضها للترهيب والاضطهاد عبر قرون، جعلها في حاجة لنهج خاص حين يتعلق الأمر بمحاولة تحفيز قلبها وعقلها، في حاجة إلى خطاب مفهوم بالنسبة لها كامرأة.
لم يقدّر العمال سريعًا حقيقة أن في عالم انعدام الحقوق، في عالم الاستغلال هذا، لا تُضطهَد المرأة كبائعة لقوة عملها وحسب، وإنما تُضطهّد كأم، وكامرأة أيضًا. لكن، حين أدرك حزب العمال الاشتراكي هذه الحقيقة، دافع ببسالة عن النساء في كلتا الحالتين كعاملة وكامرأة وأم، وبدأ الاشتراكيون في البلدان المختلفة في المطالبة بحماية خاصة لعمل المرأة، وتأمين الأمومة والطفولة، ومنح النساء حقوقهن السياسية، والدفاع عن مصالحهن.
أصبحت العلاقة طردية، فكلما ازدادت نظرة الحزب للعاملة كامرأة وضوحًا، كلما ازدادت أعداد النساء المنضمات طواعية وعن طيب خاطر له، وكلما زاد إيمانهن بأن الحزب هو نصيرهم الحقيقي، وأن الطبقة العاملة تناضل وتكافح من أجل مطالب النساء الحصرية العاجلة. وكان لوعي النساء العاملات وتنظيمهن لأنفسهن تأثيرًا كبيرًا في توضيح هذا الهدف. والآن، يقع العبء الأكبر في عملية جذب العاملات للانخراط في الحركة الاشتراكية على عاتق النساء.
والأحزاب في جميع البلدان لديها لجان وأمانات ومكاتب خاصة بالنساء. وتقوم هذا اللجان النسائية بالعمل بين النساء اللواتي مازلن إلى حدٍ بعيد غير واعيات سياسيًا، لينظمهن، ويوقظن بداخلهن وعي الطبقة العاملة. كما تقوم تلك اللجان أيضًا بدراسة القضايا والمطالب التي تؤثر على النساء بشكل مباشر ووثيق، مثل رعاية وحماية الحوامل والمرضعات وتوفير احتياجتهن الأساسية، وسنّ التشريعات المنظمة لعمالة الإناث، وتدشين الحملات ضد الدعارة والحد من وفيات الرضّع، والمطالبة بالحقوق السياسية للمرأة، وتحسين السكن والاحتجاج على ارتفاع تكاليف المعيشة، إلخ.
وهكذا، تناضل النساء، كعضوات في الحزب، من أجل القضية الموحدة للطبقة، تزامنًا مع تحديد وطرح الاحتياجات والمطالب التي تؤثر عليهن بشكل مباشر وخاص كنساء وربات بيوت وأمهات. ومن ناحيته، ساند الحزب ودعّم تلك المطالب وحارب من أجلها، فمتطلبات المرأة العاملة جزء لا يتجزأ من قضية العمال ككل.
وفي “يوم المرأة” نظمت النساء المظاهرات احتجاجًا على ما تعانين من افتقارٍ للحقوق.
لكن، سيقول البعض، لماذا التركيز على النساء العاملات؟ ولماذا يوم خاص للمرأة، ومطبوعات ولقاءات واجتماعات خاصة للنساء؟ أليس هذا، في التحليل النهائي، تنازل للنسويات وللسوفرجت البرجوازيات؟ والحقيقة، أن فقط أولئك الذين لا يفهمون الفرق الجذري بين حركة النساء الاشتراكية والسوفرجت البرجوازيات هم من يفكرون بهذه الطريقة.
دعونا نتسائل، ما هو هدف النسويات؟ إن هدفهن هو الحصول على نفس مزايا، ونفس سلطات، ونفس حقوق أزواجهن وآبائهن وإخوتهن داخل المجتمع الرأسمالي. الآن، ما هو هدف النساء العاملات؟ هدفهن هو إلغاء كافة الامتيازات المستمدة من الأصل والنسب أو الثروة. وفي الواقع، لا يشغل بال النساء العاملات من سيكون “السيد” الرجل أم المرأة. فجنبًا إلى جنب مع الطبقة العاملة بأكملها، ستتمكن المرأة من تحسين وضعها كعاملة.
تطالب النسويات بحقوق متساوية دائمًا وفي كل مكان. وترد العاملات: نحن نطالب بالحقوق لجميع المواطنين، الرجال والنساء، لكننا لسنا على استعداد لنسيان أننا لسنا مجرد عاملات ومواطنات فحسب، وإنما نحن أيضًا أمهات! وكأمهات، كنساء يلدنّ المستقبل، نحن نطالب برعاية وحماية خاصة من الدولة والمجتمع لنا ولأبنائنا.
مرة أخرى، تسعى النسويات جاهدات للحصول على الحقوق السياسية. مع ذلك، هنا أيضًا مساراتنا منفصلة.
بالنسبة للبرجوازيات، الحقوق السياسية ما هي إلا وسيلة تساعدهن على شق طريقهن بشكل أكثر سهولة وأمنًا في عالم يقوم على استغلال الشعب العامل. أما الحقوق السياسية للنساء العاملات فتعد خطوة على الطريق الوعرة الصعبة المؤدية لمملكة العمل التي نناضل من أجلها.
إن مسارات نضال النساء العاملات، والبرجوازيات، منفصلة منذ زمن بعيد. وهناك فرق كبير جدًا بين الأهداف التي ساقتها الحياة في طريق كل منهن. هناك تناقض كبير بين مصالح المرأة العاملة ومصالح السيدة المالكة، تناقض بين الأَمة وسيدتها؛ فلا توجد ولا يمكن أن توجد أي نقاط اتصال، أو تسوية، أو تقارب فيما بينهم.
كل عمل خاص، ومستقل لنساء الطبقة العاملة هو مجرد وسيلة لإثارة وتحفيز وعي المرأة العاملة ولإلحاقها بصفوف المناضلين من أجل مستقبل أفضل. إن يوم المرأة، والجهود المتأنية الحثيثة لرفع الوعي الذاتي للمرأة العاملة كلها تخدم قضية توحيد، لا تقسيم، الطبقة العاملة.
دعوا شعور الفرحة النابع من خدمة القضية المشتركة للطبقة العاملة، وفي نفس الوقت النضال من أجل تحررهن الذاتي، يلهم العاملات بالانضمام والمشاركة في الاحتفال بيوم المرأة العالمي.
(1) حركة سوفرجت – suffragettes: حركة نسوية برجوازية اهتمت بشكل حصري بالمطالبة بحق المرأة في التصويت وانتزاع الحق في الاقتراع في أوائل القرن العشرين (المترجمة).